Histoire moderne de l'Égypte : de la conquête islamique à nos jours, avec un aperçu de l'histoire de l'Égypte ancienne
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
Genres
وكان هذا الانقسام رمزا عن قرب انحلال هذه الدولة؛ لأن الإمبراطورين ما فتئا يتناظران، والانقسامات الدينية تزيد كل يوم، والحرب قائمة سجالا بين لاهوتيي الإسكندرية، وكان لكل من الفريقين أحزاب جمة، وكثيرا ما اشتد الخصام بين هذه الأحزاب في الإسكندرية فآل إلى إشهار السلاح وإهراق الدماء، وكان الإمبراطوران عبثا يحاولان التوفيق بينهما.
وكان النصارى إذ ذاك قسمين متباينين في أجناسهم وعقائدهم؛ أحدهما: أهل الدولة وكلهم روم، ورأيهم وديانتهم بأجمعهم الديانة الملكية، وعدتهم تزيد على ثلاثمائة ألف رومي.
والقسم الآخر: عامة أهل مصر، ويقال لهم: القبط، وأنسابهم مختلطة لا يكاد يتميز منها القبطي من الحبشي من النوبي من الإسرائيلي الأصل من غيره، وكلهم يعاقبة؛ فمنهم كتاب المملكة ومنهم التجار والباعة والأساقفة والقسوس وأهل الفلاحة والزرع وأهل الخدمة والمهنة، وبينهم وبين الملكية أهل الدولة من العداوة ما يمتنع تزاوجهم، ويوجب قتل بعضهم بعضا، وعددهم عدة ملايين، وهم بالحقيقة أهل مصر أعلاها وأسفلها.
وفي سنة 610 للميلاد تولى عرش القسطنطينية الإمبراطور هرقل، والمملكة لا تزال آخذة بالتقهقهر، وكانت طائفة القبط قد ظهرت على سواها، واتضح أنها ستكون المؤسسة للديانة المسيحية في مصر. على أن دولة الروم كانت ترغب في جعل المصريين على مذهبها في الدين؛ لتثبت لها مصر، لكن أولئك لم يغفلوا عن هذا، فثبتوا على مبادئهم، وحفظوا لغتهم، وحافظوا على شريعتهم الدينية فترجموا جميع تعاليمها إليها، ولا يخفى أن ذلك جمع كلمتهم، وشد عرى اتحادهم فقووا، وثار في خاطرهم أمر الاستقلال، وقد كان في وسعهم الحصول عليه لو طلبوه.
ومما كان زاد الأقباط ثبوتا ضد الروم أنهم كانوا يشاهدون قرب سقوط هذه الدولة، وما كان يهددها من جميع الجهات، فالفرس هددوا حدودها الشرقية، والمغاربة كانوا ينتظرون أول فرصة لرفع النير عنهم، وهكذا غيرهما من الولايات. إلا أن التقادير كانت تعد هذه البلاد لأمة حديثة نشأت في شبه جزيرة العرب؛ نعني الأمة الإسلامية.
وكانت شبه جزيرة العرب في ذلك العهد جزءا من مملكة الروم كسائر بلاد سوريا وفلسطين ومصر إلا أنهم لم يكونوا يسكنون فيها، ولا يعتنون بها على أنهم لم يأخذوها بالحرب، وإنما كان تسليطهم عليها لمجرد عظمتهم ونفوذهم، ولذلك لم يكن فيها حاميات من جنودهم، وهنا ينتهي الدور المسيحي، ويبتدئ الدور الإسلامي، وهو تاريخ مصر الحديث.
تاريخ مصر الحديث
الفصل الأول
فصل في مصادر تاريخ مصر الحديث
لم أر بين المؤرخين الكثيرين الذين كتبوا في تاريخ مصر الحديث من جاء على كتابة وافية تتعاقب فيها الحوادث بتعاقب السنين مع علاقة ذلك بعموم الدولة الإسلامية وسائر الدول المعاصرة. فبين مؤرخي المشرق - ولا سيما العرب - من أسهب في الكلام عن بعض أقسام مصر وعني بتاريخها على انفراد، ومنهم من انفرد بتاريخ بعض دول مصر دون البعض الآخر، ومنهم من اقتصر على تراجم بعض مشاهير حكام مصر أو علمائها أو أدبائها، ومنهم من وصف بعض وقائعها وحروبها بقطع النظر عن تعاقب السنين، ومنهم من نظر إلى تناسق الحوادث مع نسبتها لتعاقب السنين، لكنه أوجز كثيرا فلم يأت بالفائدة المطلوبة، ومنهم من جاء على تاريخ مصر عرضا في أثناء تاريخ الدولة الإسلامية عموما. فكان قوله متفرقا فضلا عن كونه موجزا.
Page inconnue