Histoire moderne de l'Égypte : de la conquête islamique à nos jours, avec un aperçu de l'histoire de l'Égypte ancienne
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
Genres
فلما قامت الدولة الفاطمية في المغرب كان البربر من أنصارها، ولا سيما قبائل كتامة وصنهاجة وهوارة، فأخذوا بساعد الفاطميين منذ قيامهم على أيام عبيد الله المهدي أول خلفائهم في أواخر القرن الثالث للهجرة. فلما تأيدت دولته سنة 297ه اتخذ بطانته منهم، وجعلهم من أهل الدولة، وظلوا كذلك في خلافة ابنه القائم بأمر الله (سنة 322ه) ثم المنصور بنصر الله (سنة 333ه) ثم المعز لدين الله (سنة 341ه) وساعدوهم في تملك المغرب كله، وإخراجه من البيعة العباسية، وفي أيام المعز لدين الله فتح الفاطميون مصر، وبنوا القاهرة، ونقلوا دولتهم إليها.
فلما أفضت الخلافة إلى العزيز بالله بن المعز سنة 365ه أراد التشبه بالعباسيين؛ فاصطنع الأتراك والديلم، واستكثر منهم، وقدمهم وجعلهم خاصته كأنه خاف على حياته من البربر. فقامت المنافسة بين البربر والأتراك، وعظم التحاسد حتى توفي العزيز بالله، وخلفه الحاكم بأمر الله سنة 386ه وكان يعتقد فضل البربر فقدمهم وقربهم؛ فاشترطوا أن يتولى أمورهم ابن عمار الكتامي (من البربر) فولاه الوساطة، وهي كالوزارة عندهم؛ فاستبد في أمور الدولة، وقدم البربر، وأعطاهم، وولاهم، وحط من قدر الغلمان الأتراك والديلم الذين اصطنعهم العزيز. فاجتمعوا إلى كبير منهم اسمه برجوان وكان صقلبيا، وقد تاقت نفسه إلى الولاية فأغراهم بابن عمار حتى وضعوا منه فاعتزل الوساطة، وتولاها برجوان فقدم الأتراك والديلم، واستخدمهم في القصر. ثم بدا للحاكم أن يقتل ابن عمار فقتله، وقتل كثيرا من رجال دولة أبيه وجده؛ فتضعضع البربر، وقوي الأتراك.
ولما مات الحاكم وخلفه ابنه الظاهر لإعزاز دين الله سنة 411ه أكثر من اللهو والقصف، ومال إلى الأتراك والمشارقة فانحط جانب البربر، وما زال قدرهم يتناقص حتى كاد يتلاشى. فلما ملك المستنصر سنة 427ه بعد الظاهر، وكانت أمه أمة سوداء استكثرت في جنود ابنها من العبيد أبناء جلدتها حتى بلغوا ألف عبد أسود، وكان هو يستكثر من الأتراك فأصبح الجند طائفتين كبيرتين تتنافسان وتتسابقان إلى الاستئثار بالنفوذ. فآل التنافس إلى حرب تعبت بها مصر، واضطر الخليفة إلى استنصار الشام فأتاه أمير الجيوش بدر الجمالي من سوريا - المتقدم ذكره، كما سيجيء - فقتل أهل الدولة، وأقام بمصر جندا من الأرمن، وصار من حينئذ معظم الجيش منهم، وذهب نفوذ البربر، وصاروا من جملة الرعية، ولم يبق لهم شأن في الدولة بعد أن كانوا وجوهها وأكابر أهلها. (5-5) الفتنة بين العبيد والأتراك
ففي سنة 454ه بينما كان الخليفة ومعه الحجاج في المكان المتقدم ذكره أفرط أحد الأتراك بالشرب حتى سكر فجرد سيفه على أحد العساكر العبيد من حرس الخليفة، فهجم رفاقه على التركي وقتلوه، فاغتاظ الأتراك وتجمهروا بكثرة، وأتوا إلى المستنصر، وقالوا: «إذا كان قتل هذا برضاك فالسمع والطاعة، وإلا فلا نرضى به.» فأجاب الخليفة أنه حصل بغير رضاه؛ فانقض الأتراك على السودانيين وكانوا كثارا. فتخاصم الفريقان طويلا، وبعد واقعة هائلة انتهى الأمر بعقد صلح على أن يكون القاتل تحت أمر الأتراك، ثم عادوا إلى القاهرة.
على أن الضغينة كانت تتزايد يوما فيوما، ولم ينفكوا عن الخصام، وكان السودانيون يطيعون الوزير فيأوون إلى ثكناتهم. أما الأتراك فما فتئوا يضمون إليهم جماعات من العرب يتفقون معهم على المشاركة في السراء والضراء، وأخيرا أقاموا عليهم ناصر الدولة الذي فشل في حملته على الشام، وكان قد عزل من منصبه في دمشق، وأضمر للخليفة ووزرائه شرا، وأقام في القاهرة يترقب الفرصة للانتقام. فقبل تلك القيادة آلة لتنفيذ مآربه.
ثم علم السودانيون أنهم يعجزون عن مناوأة الأتراك فهاجروا إلى الصعيد فانضم إليهم كثيرون من أهله فاشتد أزرهم، وكثر عددهم حتى بلغ خمسين ألف مقاتل، فنزلوا إلى القاهرة والإسكندرية، وهاجموا الأتراك في كوم شريك على الشاطئ الغربي لفرع رشيد من النيل (وقد اشتهر هذا البلد بعدئذ في الحملة الفرنساوية حيث غلبت المماليك)، وكان الأتراك عشرة آلاف، وقد كمنوا لأعدائهم حتى إذا جاءت الساعة هجموا على السودانيين، وهم على الشاطئ فألقوا بعضهم في الماء، وذبحوا البعض الآخر، وفر الباقون، وقدر بعض المؤرخين جملة من قتل وغرق منهم بثلاثين ألفا.
وكانت والدة الخليفة قد تظاهرت جهارا بنصرة السودانيين مواطنيها فشق عليها انكسارهم فغضبت على الأتراك، وحقدت عليهم؛ لأنهم قتلوا أحد أصدقائها المخلصين فأنفذت إلى السودانيين مددا ساعدهم على الدفاع فجرت وقائع شديدة في أماكن مختلفة في جوار القاهرة وفي مصر العليا والسفلى، والتشكيات ترد إلى الخليفة في أمور مختلفة، وجوابه الوحيد عليها قوله: «إن ما حصل إنما حصل بدون علمي فما أنا مطالب به.»
وبعد طول الخصام ضعف الفريقان فضعفت فيهم ساحة الانتقام فعادوا إلى السكينة، والقلوب لا تزال على غل، وعدد الأتراك يزداد كل يوم، وقد صارت إليهم أعمال الحكومة فأقلقوا الخليفة بطلب زيادة مرتباتهم، وكانت قد نفدت ثروته، ولم يعد قادرا على إشباع مطامعهم، وقد أصبح عبدا لأولئك العبيد الذين ربوا في كنفه، ولم يجتمعوا إلا لحماية شخصه.
وكانت والدة المستنصر تزيد في الطين بلة فتأتيه كل يوم بنبأ جديد تطلب إليه أمورا ما أنزل الله بها من سلطان، وتصر عليها فضاق المستنصر ذرعا حتى اضطر سنة 457ه إلى الفرار على قدميه إلى جامع عمرو يظهر الرغبة عن الملك إلى العبادة، فلما علم أرباب دولته بمكانه حملوه على العدول عن قصده فعاد قانطا من الحيل.
وفي سنة 459ه قويت شوكة الأتراك وزاد طمعهم في المستنصر، وأصروا على طلب الزيادة في مرتباتهم، وضاقت أحوال العبيد، واشتدت ضرورتهم، وكثرت حاجتهم، وقل مال الخليفة، واستضعف جانبه فبعثت أم المستنصر إلى قواد العبيد تغريهم بالأتراك فاجتمعوا بالجيزة، وخرج إليهم الأتراك بقيادة ناصر الدولة فاقتتلا مرارا ظهر في آخرها الأتراك على العبيد، وهزموهم إلى بلاد الصعيد فعاد ناصر الدولة إلى القاهرة، وقد عظم أمره، وكبرت نفسه، واستخف بالخليفة.
Page inconnue