Histoire moderne de l'Égypte : de la conquête islamique à nos jours, avec un aperçu de l'histoire de l'Égypte ancienne
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
Genres
وكانت أعطية الخليفة للفقهاء في أول الأمر على غير قياس أو ميقات. فلما أفضت الخلافة إلى العزيز بالله ثاني الخلفاء الفاطميين سنة 365ه أمر وزيره يعقوب بن كلس أن يرتب للفقهاء أرزاقا معينة، وأن يبني لهم منازل يقيمون فيها بجانب الجامع، وكانوا يأتون المسجد - في بادئ الرأي - لصلاة الجمعة، وقراءة الفقه على مذهب الشيعة، والوعظ، والمباحثة، فتدرجوا من القراءة إلى التعليم حتى أصبح الجامع مدرسة كبرى أكثر دخلها مما وقفه لها الخلفاء والأمراء، ويقدر دخله السنوي اليوم بعشرين ألف جنيه. (1-5) علوم الأزهر وبناؤه
ظل الأزهر مدرسة شيعية طول خلافة الفاطميين (نحو مائتي سنة) حتى غلبهم صلاح الدين الأيوبي على مصر سنة 567ه وكان سني المذهب، وليس له بد من مبايعة خليفة يثبته في منصبه فبايع الخليفة العباسي في بغداد، وخطب له في الجامع الأزهر، وكان صلاح الدين على مذهب الإمام الشافعي فلم يضطر لتبديل كثير من طرق التعليم، وقبل الناس سلطته على أهون سبيل. على أنه لم ير مندوحة عن مراعاة مذهب الخلفاء العباسيين - وهو مذهب أبي حنيفة - ورأى بحكمته وسداد رأيه أن يكتسب ولاء سائر المسلمين فأجاز تعليم المذاهب الأربعة كل مذهب يحضره أهله. فآل ذلك إلى اتساع شهرة هذه المدرسة، وتقاطر إليها الطلاب من أربعة أقطار المسكونة، ولم يبق التعليم قاصرا فيها على الفقه وعلوم الدين واللغة، ولكنه تناول شيئا من الرياضيات والنجوم، وبعض العلوم الطبيعية.
وما زال ذلك شأنها في أيام السلاطين الأيوبيين ومماليكهم حتى جاء السلطان سليم العثماني، وفتح مصر في أوائل القرن العاشر للهجرة. ثم استبد الأمراء المماليك في الحكومة، واشتغل الناس عن العلم، وكان العنصر العربي قد ضعف شأنه في سائر المملكة الإسلامية إلا في مصر؛ لأن مدرسة الأزهر كانت أكبر وسيلة لاستبقاء اللغة العربية لتعليم العلوم الدينية واللسانية، لكنها اقتصرت يومئذ على هذه العلوم، وأهملت سواها من الطبيعيات والرياضيات.
على أن فضل الأزهر في إحياء اللغة العربية لم يكن قاصرا على نشرها في الديار المصرية أو ما جاورها من البلاد العربية لكنه شمل سائر البلاد الإسلامية. فقد كانوا يفدون على مدرسته من بلاد الترك والمغرب والشركس واليمن وزنجبار والهند وأفغانستان ... وغيرها، وقد رغب الناس فيه؛ لأنه كان يعلم الطلبة مجانا يقوم بنفقاتهم من الطعام واللباس والمأوى، فضلا عن امتيازه بمهارة الأساتذة. فكان أعظم العلماء المسلمين في الأجيال الإسلامية الوسطى ينبغون من مدرسة الأزهر، وكان للمتخرج في هذه المدرسة مزية وفضل على المتخرجين في سائر المدارس الإسلامية، وطلابه الآن يتجاوزون عشرة آلاف طالب.
وقد زاد في بناء الجامع الأزهر وغير فيه كثير من الملوك والأمراء الذين تولوا مصر بعد المعز، وعلى الخصوص: الملك الظاهر بيبرس، وقايت باي، والغوري من سلاطين المماليك، والسيد محمد باشا من ولاة الدولة العثماينة، وإسماعيل بك وعبد الرحمن كخيا من أمراء المماليك، وعبد الرحمن كخيا المذكور جدد فيه أشياء كثيرة وجعل فيه مدفنا له دفن فيه، وأخيرا سعيد باشا بن محمد علي باشا سنة 1272ه، ولذلك يكاد لا يوجد فيه شيء من الجدران والأعمدة التي وضعها جوهر القائد. (1-6) نسب الفاطميين
فلما رسخت قدم الفاطميين بمصر أصبحت المملكة الإسلامية في الشرق يتنازعها خليفتان: المعز لدين الله الفاطمي في مصر، والمطيع لله العباسي في بغداد، وكل منهما يجتهد في إثبات الخلافة العامة له وحرمان الآخر منها، ودعوى المعز بالأسبقية مبنية على انتسابه لفاطمة بنت النبي، وقد اختلف النسابون في حقيقة دعواه على أنه قلما كان يعتمد على شرف الحسب والنسب، ومما يحكى عنه أنه لما كان قادما إلى القاهرة، وخرج الناس للقائه اجتمع به أناس من الأشراف وفيهم عبد الله بن طباطبا المشهور فتقدم إلى الخليفة المعز، وقال له: «إلى من ينتسب مولانا؟» فقال له: «سنعقد مجلسا نجمعكم فيه، ونسرد عليكم نسبنا.»
ولما استقر المعز في القصر جمع الناس في مجلس عام وجلس بهم، وقال: «هل بقي من رؤسائكم أحد؟» قالوا: «لم يبق معتبر.» فسل نصف سيفه، وقال: «هذا نسبي» ونثر عليهم ذهبا كثيرا، وقال: «هذا حسبي.» فقالوا جميعا: سمعنا وأطعنا.
ولم يسكن المعز لدين الله قصره طويلا فتوفي بعد ثلاث سنوات من حكمه بمصر (الجمعة في 11 ربيع آخر سنة 365ه) وسنه 45 سنة، ومدة حكمه جميعها 24 سنة معظمها في المغرب، وكان عاقلا حازما أديبا حسن النظر محبا للنجامة شاعرا، وينسب إليه من الشعر قوله:
لله ما صنعت بنا
تلك المحاجر بالمعاجر
Page inconnue