Histoire moderne de l'Égypte : de la conquête islamique à nos jours, avec un aperçu de l'histoire de l'Égypte ancienne
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
Genres
ولما توفي كافور ووقع الخلاف بين أبي الفوارس وحسين كان جوهر على حدود الفسطاط، فأتاه الأهلون والأمراء، ومعهم الوزير جعفر وجماعة من الأعيان إلى الجيزة في يوم الثلاثاء 12 شعبان سنة 358ه والتقوا بالقائد، ونادى مناد فنزل الناس كلهم إلا الشريف والوزير فترجلوا وسلموا عليه واحدا فواحدا، والوزير عن شماله والشريف عن يمينه، ولما فرغوا من السلام ابتدأوا في دخول البلد من زوال الشمس وعليهم السلاح والعدد، ودخل جوهر بعد العصر وطبوله وبنوده بين يديه، وعليه ثوب ديباج مثقل، وتحته فرس أصفر، ونزل في ما هو موضع القاهرة اليوم. ثم نزل إلى الفسطاط بمن معه، وخطب في جامع عمرو باسم المعز لدين الله، وأزال الشعار الأسود العباسي، وألبس الخطباء الثياب البيض فبايعه الناس، وبعد يسير أصبحت جميع البلاد المصرية خاضعة للدولة الفاطمية بدون مقاومة، فكتب لمولاه المعز بما أتاه الله من الفتح.
وفي يوم الجمعة الثامن من ذي القعدة أمر جوهر أن يزاد عقيب الخطبة: «اللهم صل على محمد المصطفى، وعلى علي المرتضي، وعلى فاطمة البتول، وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. اللهم وصل على الأئمة الطاهرين آباء المؤمنين.» وفي أيامه صار يذكر بالأذان: حي على خير العمل. (1-1) فساد الأحكام في الدولة العباسية
وكانت الدولة العباسية لا تزال في قبضة المطيع لله، وقد فسدت الأمور، وذهب نفوذ الخليفة، وأصبح النفوذ ضائعا بين الوزراء والقواد، وكلاهما لا يرجون من وراء عنايتهم وجهدهم منفعة لأنفسهم غير ما يكتسبونه من المال في أثناء نفوذ كلمتهم فأصبح الغرض الأول من تمشية الأحكام إنما هو حشد المال. فالوزير الذي يتولى أمور الدولة ولا يدري ما يكون مصيره بعد عام أو عامين من عزل أو قتل أو حبس لا يهمه غير الكسب من أي طريق كان، ولا يبالي بما قد يترتب على ذلك فيما بعد، عملا بالقاعدة التي وضعها ابن الفرات كبير وزراء ذلك العصر، وهي قوله: «إن تمشية أمور السلطان على الخطأ خير من وقوفها على الصواب.»
وانتبه الخلفاء إلى مطامعهم فأصبحوا إذا عزلوا وزيرا صادروه وأخذوا أمواله. ثم عمت المصادرة سائر رجال الحكومة حتى الرعية، وأصبحت بتوالي الأيام المصدر الرئيسي لتحصيل المال. فالعامل يصادر الرعية، والوزير يصادر العمال، والخليفة يصادر الوزراء ويصادر الناس على اختلاف طبقاتهم حتى أنشئوا للمصادرة ديوانا خاصا مثل سائر دواوين الحكومة، فكان المال يتداول بالمصادرة كما يتداول بالمتاجرة.
فلما فسدت الأحكام على هذه الصورة، واستبد الوزراء والقواد أراد العمال في الولايات أن يجتزئوا من ذلك في ولاياتهم فأخذوا يستقلون، فتشعبت المملكة العباسية إلى ممالك يحكمها الأمراء من الفرس والأتراك والأكراد والعرب وغيرهم، ومنها ما جاءها للتغلب من الخارج ففتحها كما أصاب مصر لما فتحها الفاطميون، وقد فصلنا ذلك في الجزء الرابع من تاريخ التمدن الإسلامي.
فلم يأل القائد جوهر جهدا في تثبيت قدم هذه الدولة في الديار المصرية، وقد أخذ على عاتقه صلاتها وخراجها ، وكان قد هجرهما النظام منذ داخل بهما الفساد، وساد فيهما الخصام الناتج عن زيادة الضرائب وسوء الأحكام. فأخذ في تخفيض الضرائب، وحفر الترع فارتوت الأرض فزادت غلتها فشبع الزراع، وربح التاجر فاستتب النظام وساد الأمن، وبلغ خراج مصر في السنة التي دخلها فيها جوهر 3400000.
فلما رأى جوهر مناعة الديار المصرية ووفرة عزها لم يقنع لها بالفسطاط عاصمة فشرع ببناء مدينة جديدة جعلها قاعدة القطر المصري دعاها بالقاهرة، وكان تشييد المدن سنة عمومية في ملوك الإسلام إذ ذاك، فكانوا يبتنون المدن وينقلون إليها عظمتهم، والغالب أن يكون سبب بنائها أن يجعلوها حصنا لهم تقيم فيه رجالهم وجندهم، ثم يبني حولها الناس . فقد كانت قاعدة المملكة المصرية في عهد الفراعنة منف، ثم أبدلت بطيبة، ثم بغيرها فغيرها إلى عهد اليونان فاستبدلت بالإسكندرية، ولما جاء المسلمون ابتنوا الفسطاط. حتى إذا كانت الدولة الطولونية استبدلت الفسطاط على نوع ما بالعسكر والقطائع، إلى أن جاء جوهر القائد فرغب في تخليد ذكره وذكر مولاه فعمد إلى بناء عاصمة الفاطميين؛ ليفاخر بها بغداد عاصمة العباسيين. (1-2) بناء القاهرة المعزية
ففي سنة 359ه شرع جوهر ببناء القاهرة فاختط بقعة من الأرض حيث أناخ جماله يوم جاء لفتح الفسطاط، فإنه نزل إلى شماليها بين الجبل والخليج، وكانت هذه البقعة رمالا، ولما نزل فيها جوهر لم يكن فيها إلا بساتين قليلة منها بستان كافور الإخشيدي شرقي الخليج، وميدان الإخشيد، ودير للنصارى كان يدعى دير العظام فيه بئر تعرف ببئر الجامع الأقمر وتسميها العامة بئر العظمة، وكان في تلك البقعة موضع يعرف بقصير الشوك، ثم عرف بعد بناء القاهرة بقصر الشوك. فأمر جوهر ببناء القاهرة في ذلك المكان، وابتنى فيها قصرين أحدهما أكبر من الآخر عرفا بالقصر الكبير والقصر الصغير جعلهما لإقامة المعز عند قدومه إلى مصر. مكانهما الآن محل المحكمة الشرعية المعروف ببيت القاضي يتصل إليه من شارع النحاسين.
شكل 9-1
ففي نحو ثلاثة سنوات تم بناء القاهرة (في أواخر سنة 361ه) وقد بني حولها السور وفيه الأبواب، ولم يزل بعض آثارها باقيا إلى هذا العهد. فبعث جوهر إلى مولاه المعز بذلك فترك المنصورية التي بناها أبوه، وسار قادما إلى عاصمته الجديدة مستخلفا على إفريقية وزيره يوسف بن زيري، فركب في عمارة بحرية إلى جزيرة سردينيا ومنها إلى صقلية قضى فيها بضعة أشهر يتفقد أحوالها، ثم سار منها إلى طرابلس الغرب فالإسكندرية فالقاهرة، فوصلها في شعبان سنة 362ه وكان دخوله إليها باحتفال عظيم من باب زويلة يصحبة يعقوب بن يوسف بن كلس، وكان لزويلة بابان متلاصقان بجوار زاوية سام بن نوح المجاورة لسبيل العقادين بجوار الخرنفش. فدخل المعز من الباب الملاصق، ولم يبق له أثر الآن فتيامن الناس به، وهجروا الباب الآخر حتى جرى على الألسنة أن من مر به لا تقضى له حاجة. (1-3) تاريخ القاهرة المعزية
Page inconnue