وبينما يرى «هيچل» أن الكون مستقل عن أي عقل، فإنه ليس بذي معنى إذا ما جردناه من جميع العقول، ومن ثم كانت الحقيقة عقلية أو روحية. وهو يعبر عنها بالفكرة، وعنده أن الفكرة الكونية مطلقة. وليس لشيء معنى ما إلا إذا قوبل بنقيضه، فالليل والنهار يؤلفان وحدة.
وللكون أجزاؤه الثلاثة: المنطق، وهو علم الأفكار الخالصة؛ وفلسفة الطبيعة، وهي تقدم العالم الحقيقي؛ وفلسفة الروح أو العقل، الذي هو باتحاد الاثنين يؤلف تقدم العالم المثالي كما يصوره علم الأخلاق والدين والفن. ومن ثم كان المطلق ينظر إليه كفكرة خالصة. ثم تمضي من هذه المرتبة إلى نقيضها ثم تنتهي إلى اتحاد الأصل والنقيض. (1-5) مذهب التطور على يد داروين وأنصاره
ولد شارلس روبرت داروين في 12 فبراير سنة 1809 ومات في 19 أبريل سنة 1882، ودفن في مدافن عظماء بريطانيا في وستمنستر آبي في العاصمة الإنجليزية. كان أبوه روبرت داروين طبيبا وعالما طبيعيا. وقد تلقى شارلس دراسته في أدنبره وكامبردچ، وكان يراد توجيهه إلى الدراسة الدينية، غير أنه آثر دراسة العلوم الطبيعية منذ كان يدرس في كامبردچ، وقد وفق في سنة 1831 إلى الالتحاق بعمل وثيق الصلة بهذه العلوم في السفينة «بيچل»، فأتيح له أن يزور بعض جزر المحيط الأطلسي وبعض نواحي أمريكا الجنوبية.
وفي يوليو 1837 مضى جديا في دراسة تقدم الأنواع، وفي 1838 عين سكرتيرا للجمعية الچيولوچية البريطانية، وفي 1839 بنى بابنة خاله «إماويدجود»، وفي 1841 اعتزل منصب السكرتير. وفي 1842 أقام في بلدة «داون» في إقليم كينت الإنجليزي، وبقي فيها إلى أن رحل عن الدنيا مذكورا بنظرياته في التطور وتقدم الأنواع واختيار الأصلح.
وعند «داروين» أن الأنواع الكثيرة للمخلوقات الحية لم تكن من نتائج أعمال نشوء خاص، وهو ما كان المذهب الشائع المأخوذ به يومئذ، بل إنها على نقيض هذا، قد جاءت من أنواع خاصة مضت قدما مطردة السير متابعة الحياة استنادا إلى ما احتفظت به الطبيعة لها من أوساط ملائمة، وعناصر طيعة لها ومعينة إياها على التقدم والنهوض والازدهار والتلون والتنوع، على حين أن كل انحراف إلى اتجاه غير صالح لهذه الأنواع والأصول لا بد أن يفضي إلى فنائها، فالأصلح للحياة والبقاء هو الذي يبقى؛ ومن ثم جاءت نظرية بقاء الأصلح.
وقد أطلق «داروين» على هذا المعنى اسم «الانتخاب الطبيعي». وفي 24 نوفمبر 1859 طبع داروين كتابه في «أصل الأنواع عن طريق الانتخاب الطبيعي، أو حفظ الشعوب الممتازة في كفاحها من أجل الحياة والبقاء»، وقد تناول في الفصول الثلاثة الأخيرة من هذا الكتاب بحث قضية التطور. وفي 1868 أخرج بحثه عن تباين أنواع الحيوان والنبات تحت التدجين، موضحا تجاربه عن المادة وما يستند إليه في دعم كتابه سالف الذكر، ومنشئا نظرية تخلق الجنين بصفات والديه والتكوين التناسلي العام، ذاكرا أن كل خلية في الجسم ممثلة في خلايا الجرثومة أو النطفة الملقحة، ومن ثم تؤدي مهمتها في التوالد وإخراج صورة أخرى مطابقة للأصل.
وفي 1871 أخرج كتابه عن انحدار الإنسان والانتخاب فيما يتصل بالجنس، متحدثا عن الأصول والسلالات التي ينتمي إليها الإنسان وبعض أنواع القردة، من غير أن يقرر في جزم أن الإنسان متسلسل من القرد، فقد كان حسبه أن يبين ما هناك من التشابه بين شبيهين للإنسان، وأن يوضح ما سبق أن تحدث عنه في 1858 في نظرية الانتخاب الجنسي. هذا وقد مضى «داروين» يعمل في حديقة داره في «داون» مجربا ومدونا ما أسفرت عنه التجارب من النتائج وخاصة فيما يتصل بالنبات. وقد كان همه من تجاربه أن يوضح الحقائق كما تبدو له على الصورة التي يشهدها، معنيا بإقامة الدليل في غيرما تعصب، غير حافل بأن يدرس سر الحياة نفسها.
وقد خلف خمسة من الذكور بينهم ثلاثة من العلماء الباحثين الممتازين.
ولقد أحدثت نظريات داروين وبحوثه ثورة علمية واستثارت حربا قلمية، فرمى الرجل بالإلحاد ومكايدة العقيدة الدينية. ولئن كانت هذه الحملة قد خفت حدتها في القرن الحالي، فإنه لا يزال لداروين خصوم من العلماء ورجال الدين، ولا يزال للنظريات الداروينية نظريات أخرى تناقضها، بل لقد بلغت الحملة عليها حدا جعل ولاية تينيسي في الولايات المتحدة الأمريكية تحرم تدريسها في المدارس وإخراج أستاذها منها، ولكن المحكمة العليا الأمريكية قضت بأن هذا القرار باطل وغير دستوري، على أن حسب الرجل أنه أعد الأفكار لشيء جديد جدير بالتمحيص.
خلاصة النظرية الداروينية
Page inconnue