ولما أن ظهرت الأعشاب والكلأ والمراعي للمرة الأولى، ارتقت اللبونات بما أفادته من المراعي، وكذلك ظهرت الضواري آكلة لحوم الحيوان، الذي أصبح وثيق الرابطة بأفراد جنسه، أداة التفاهم بينهن النوح والصراخ، وأدمغتهن أوسع إدراكا من أسلافهن تبعا لفوارق المناخ والمرعى؛ فوحيد القرن، الخرتيت، يبلغ إدراكه أكثر من عشرة أمثال إدراك سلفه التيتانوتيريام. •••
ارتقت الحياة الاجتماعية عند الحيوان، فأصبح قطعانا وأسرابا أو قبائل يحذر بعضها بطش البعض الآخر، وتقلد صغارها كبارها، وتتبادل أفرادها الحب والعواطف، وتتشارك. مصلحة غريزتها، تدفعها إلى هذا أكثر مما تحملها عليه بيئتها. أما الزواحف والأسماك في هذه الحقبة فلئن عرفت الحياة الاجتماعية فإنها كانت أقل رقيا.
الفصل السادس
عصر القردة والإنسان الناقص
الرئيسيات هي أرقى اللبونات وتشمل القرد والنسناس والليمور - قرد مدغشقر - والميمون والبابون؛ أي القرد الأفريقي، ثم القرد الراقي الذكي كالغوريلا والشمبانزي، وكانت تعيش في الغابات، وقد بدأت أسلافها الأولى منذ أربعين مليون سنة، ولم تخلف لنا الرواسب، إلا قليلا منها، وقد وجدت الأسلاف البدائية لهذه اللبونات في الزمن الكاينوزويكي، الحيواني؛ أي منذ أربعين مليون سنة. وحين انتهى الصيف العالمي العظيم، ومدته ملايين السنين، تلاه صيفان عظيمان آخران؛ أي زمنان حاران وهما: صيف المستنقعات الفحمية وصيف عصر الزواحف، وبعد هذا انحرفت الكرة الأرضية نحو عصر جليدي وكان فرس البحر يتمرغ في أرض مخضرة خصيبة ريانة، وكان النمر أكبر حجما من نمر اليوم. أما نابه فكان كالسيف حدا. ثم أعقب هذا الزمن، عصر عبوس بارد، تلته عصور أشد منه، فانقرضت أنواع، وأعد فرس البحر والماموث ثم الحيوان الذي يعد ابن عم الجمل، أنفسها لهذا الطقس البارد بما كان يكسوها من الصوف. هذا والجبون والأورانج أوتان من القردة العليا التي تستخدم في المسارح. وهي ضخمة الدماغ قلما تمشي بأيديها. (1) عصور الجليد الأربعة
هذا ويقسم الأرضيون أطوار الجليد إلى أربعة عصور، يتخلل كلا منها فترة من الدفء والاعتدال. فأما عصر الجليد الأول فقد انقضى منذ 600 ألف سنة، في حين أن عصر الجليد الأخير بلغ أقصى مرارته وشدته منذ خمسين ألف سنة. وقد ظهر الإنسان الأول، الإنسان الناقص، في خلال ذلك الشتاء العالمي الطويل؛ أي العصر الجليدي. كما ظهرت معه وقبله قردة فكها وعظام ساقها قريبة الشبه بأمثالها في الإنسان. هذا ويدرس معهد تنيريف في جزر كناري طباع القردة قريبة الشبه بالإنسان الناقص.
لم يخلف ذلك الإنسان الناقص في أوروبا منذ مليون سنة، عظاما بل أدوات كالأحجار الصوانية التي شقت وشحذت لتصلح للطرق أو الحث أو الحرب، وأطلق على هذه الأدوات اسم «إيؤوليث؛ أي أحجار الفجر». (2) الإنسان القردي السائر
أما في جاوا فقد وجدت منذ أكثر من خمسين سنة في ترينيال، قطعة من جمجمة وبعض الأسنان والعظام لما يمكن أن يسمى «الإنسان القردي»؛ لأن وعاء دماغه أكبر مما يوجد لدى أي فرد، كما أنه يبدو أنه كان يستطيع السير منتصبا؛ ومن أجل هذا أطلق الأرضيون عليه اسم «بيتيكانتروباس إيريكتاس»؛ أي الإنسان القردي السائر. وكان كاشف «إنسان جاوا» هذا، الدكتور أوچين دونوا الهولندي الذي كشف بعدئذ عظام فخذ متحجرة يقول عنها «إيليوت سميث»: إنها دليل على صحة نظرية الحلقة المفقودة. (3) إنسان هايدلبرج
وكلما ابتعدنا عن ذلك العصر، وضحت لنا المعالم التي خلفها الإنسان الناقص؛ الإنسان القردي السائر أو المنتصب، فنعثر على أدوات أكبر عددا وأدل على المهارة، وخاصة منذ ربع مليون سنة وما بعده، فقد وجد في غور رملي مطمور في هايدلبرج عظام فك لشبيه بالإنسان من غير ذقن، أثقل وزنا من فك الإنسان الحقيقي وأضيق، الأمر الذي يدل على أن نطق ذلك الإنسان لم يكن واضحا.
وعند العلماء أنه كان كائنا ثقيل الوزن بل ماردا بشريا أو وحشا إنسانيا، ويسمى «إنسان هيدلبرج» وكان سمته يشير إلى أنه كان يناضل الوحوش في الفيافي والمجاهل. (4) إنسان الفجر
Page inconnue