Histoire générale de la franc-maçonnerie
تاريخ الماسونية العام: منذ نشأتها إلى هذا اليوم
Genres
كلنا نعلم أن التمدن قديم في وادي النيل، وقد مر بك شيء عن أحوال الجمعيات السرية فيه وعن كيفية تنظيمها وطرق تعليمها وقبول الراغبين فيها، ما يستدل منه أن هذا الوادي الخصب ما برح منذ القدم منشأ للعلم والفضيلة، ومقرا للعلماء والفلاسفة، ومصدرا عاما قد استقت منه سائر الأمم التي تمدنت قديما في سائر أنحاء المشرق والمغرب، ومنه أخذت تلك الأمم تعاليمها السرية وغير السرية وعلومها وصنائعها. وكل الجمعيات السرية التي أنشئت فيها إنما نسجت على مثال جمعياته.
فعلى ضفاف النيل نبت غرس التمدن، ولما تم نموه نبت له فروع في سائر أنحاء العالم، فإذا نظرنا إلى الماسونية نظرا عاما من حيث مبادئها وتعاليمها، نراها قديمة العهد في مصر، وبعبارة أخرى نرى أن التعاليم الماسونية كانت في مصر قبل زمن ظهورها في رومية بأجيال عديدة؛ لأن الجمعيات المصرية السرية كانت تعلم ما يقرب كثيرا من تعاليم الماسونية، وعلى أسلوب قريب من أسلوبها ولغاية مثل غايتها.
ويظهر من الآثار المصرية الباقية إلى هذا العهد أن صناعة البناء والهندسة كانت عندهم على غاية الإتقان، ويستدل من تواريخهم أن الذين كانوا يرسمون تلك الأبنية ويناظرون على بنائها إنما هم فئة من الكهنة، ولم يكونوا يعلمون هذه الصناعة لعامة الشعب، وإنما كانوا يستخدمونهم في نقل الأحجار وقطعها من أماكنها، ويختارون من بينهم من يعهدون إليه نحتها على مثل جماعة البنائين الأحرار، الأمر الذي حمل بعضهم على القول بأن الجمعية الماسونية فرع من الكهانة المصرية، واستدلوا على صدق دعواهم بأدلة كثيرة لا حاجة إلى ذكرها، ولا يمكننا التسليم بما تقتضيه صحتها لأسباب تقدم ذكرها عند كلامنا عن منشأ الماسونية.
وما زالت هذه التعاليم منتشرة في هذا القطر السعيد، ترتفع بارتفاع شأن العلم وتنحط بانحطاطه، حتى أشرقت الماسونية من المغرب وجاءت إلى المشرق على إثر الاضطهاد الديني كما مر، فكان لمصر حظ منها، وكانت لا تزال عملية وغايتها الأولية إقامة المباني والأسوار والقلاع وما شاكل، فعهدت الحكومة المصرية في عهد الخلفاء إلى فئات منهم هندسة وبناء كثير من الجوامع والقلاع والأسوار؛ ففي عهد أحمد بن طولون في أواسط الجيل الثالث للهجرة عهد إلى أحدهم هندسة جامع ابن طولون، الذي لا يزال قائما إلى هذه الغاية في مصر. ومما ذكره المقريزي عن بناء هذا الجامع قوله: «فلما أراد أحمد بن طولون بناء الجامع قدر له ثلاثمائة عمود، فقيل له ما تجدها أو تنفذ إلى الكنائس في الأرياف والضياع الخراب فتحمل ذلك، فأنكر ذلك ولم يختره وتعذب قلبه بالفكر في أمره، وبلغ النصراني - الذي تولى له بناء العين، وكان قد غضب عليه وضربه ورماه في المطبق - الخبر، فكتب إليه يقول: أنا أبنيه لك كما تحب وتختار بلا عمد إلا عمودي القبلة. فأحضره وقد طال شعره حتى نزل على وجهه، فقال له: ويحك ما تقول في بناء الجامع؟! فقال: أنا أصوره للأمير حتى يراه عيانا بلا عمد إلا عمودي القبلة. فأمر بأن تحضر له الجلود، فأحضرت وصوره له، فأعجبه واستحسنه وأطلقه وخلع عليه، وأطلق له للنفقة عليه مائة ألف دينار ... فوضع النصراني يده في البناء ... إلخ.»
1
فتأمل كيف أنه لم يجد في كل مصر من يبني له الجامع على ما أراد إلا رجلا واحدا كان مضطهدا منه ومسجونا بأمره، وقد كانت مصر إذ ذاك مستنيرة بالتمدن الإسلامي وفيها الصنائع والعلوم. أما صناعة البناء فيظهر أنها كانت محصورة في بعض الأفراد، مستكنة في ضمائرهم لا يكاشفون بها أحدا، وبما أن جماعة البنائين الأحرار كانوا قد انتشروا في المشرق نحو ذلك العصر، يرجح أن ذلك البناء كان واحدا منهم، على أننا لم نعلم بوجود جمعية منظمة من أولئك البنائين في مصر، ولعلها وجدت وطمست أخبارها كما طمس أخبار كثير غيرها، والله أعلم.
الطور الرمزي
أما الماسونية الرمزية فلم تظهر في مصر قبل سنة 1798، أي أثناء الحملة الفرنساوية. وتفصيل ذلك أن نابوليون بونابرت لما جاء الديار المصرية وافتتحها، كان في معيته نخبة من رجال فرنسا، وفيهم الجنرال كلابر المشهور، فلما وصلوا القاهرة اتفق بونابرت والجنرال كلابر وعدة من الضباط - وكانوا من الإخوة الماسونيين - على تأسيس محفل يجتمعون إليه، فأسسوه في أوغسطس من تلك السنة في مدينة القاهرة، ودعوه «محفل إيزيس»، وهو يشتغل على طريقة دعاها نابوليون طريقة ممفيس، ولعلهم قصدوا بذلك مقصدا سياسيا؛ لأنهم أدخلوا فيه كثيرا من عمد البلاد ورجالها، والظاهر أن نابوليون بونابرت كان يفعل مثل ذلك حيثما نزل مفتتحا تمكينا لقدمه. ثم لما بارح بونابرت مصر، وقتل الجنرال كلابر، توقفت أشغال المحفل أو بالحري انحلت عراه.
ومما يليق ذكره أن أحد أعضاء هذا المحفل من الوطنيين، ويدعى صموئيل حنس، لما انفصمت عرى محفل إيزيس ما زال ميالا إلى نشر المبادئ الماسونية مغرما بها، ففي سنة 1814 سافر إلى فرنسا وأنشأ في مونت أمبو محفلا على الطريقة الممفيسية في 13 أبريل سنة 1815، بمساعدة الأخ جبرائيل متى مركونيس والبارون دوماس والماركيس دي لاروك وهيبوليت لابرونيه، دعوه «محفل تلامذة ممفيس». وفي 23 مايو (أيار) من تلك السنة كرسوه رسميا. وقد تفرع من هذا المحفل في فرنسا محافل أخرى كثيرة كانت تشتغل على الطريقة الممفيسية، حتى أقيم لها في فرنسا محفل أعظم ومجلس عال، وفيه كل الدرجات العالية.
وفي سنة 1830 جاء مصر بعض الإخوة الإيطاليين وكانوا على الطريقة الاسكوتلاندية، فأسسوا في الإسكندرية محفلا قانونيا جعلوا يجتمعون إليه، إلا أنهم لم يكونوا يستطيعون التظاهر خوفا من الاضطهاد، وما زالوا في المواظبة على العمل حتى كثر عددهم وانتشروا في أنحاء القطر، وكان فيهم جماعة من وجهاء البلاد، فاشتد أزر المحفل بهم ونشطوا للعمل. وفي سنة 1838 تأسس في القاهرة محفل تحت رعاية المجلس العالي الممفيسي الفرنساوي، واسمه مينيس.
Page inconnue