Histoire du théâtre dans le monde arabe : le XIXe siècle
تاريخ المسرح في العالم العربي: القرن التاسع عشر
Genres
وبعد أن شرح كل واحد من هذه الأدواء والعلل طفق يشرح ما وعاه صدره من حركة التمثيل في أوروبا. وإليك أيها القارئ النص الكامل لهذه الخطبة العظيمة، والتي تعد أول وثيقة عن المسرح العربي، بصفة عامة، وعن التمثيل في لبنان بصفة خاصة: «أحمدك يا من نشرت النصيحة والحذر، من طي التقليدات والحكايات، وعلمت عبادك الجد والعبر، على نفقة الهزل والروايات، حمدا من عبد ساح بحب الوطن، والتمس من جودك إيهاب الفطن؛ لأنك أنت المعين المفيد، والمعزي الفريد ... وبعد، فيقول المحتقر طبعه وذكاه، المفتقر لمساعدة مولاه، مارون بن إلياس النقاش، أفاض الله على روحه غيث الإغاثة والإنعاش: إنني إذ لاحظت أهالي بلادنا مبتدئة بالنجاح، ومتقدمة يوما فيوما إلى الفلاح، فأيقنت أن المراحم الإلهية، قد نظرتها بعين العناية الأزلية، وافتقدتها بتلك المواهب الاعتيادية لأجل ترجيع مجدها، وإعادة عزها وسعدها. غير أني مع ذلك أرى أن أهالي البلاد الإفرنجية، لم تزل راجحة على أهالي هذه البلاد العربية، فائقة بالعلوم والفنون، والترتيب والتمدن والشئون، فعند ذلك أطمعني الأمل، بجهد المطالعة والعمل؛ لعلي أقف على حقيقة تفاوتهم العظيم، وأكشف غشا الحجاب عن فقرنا المستديم. على أننا نحن أحق بهذا الإعزاز، وكان الأولى أن نكون نحن المالكين هذا الامتياز؛ لكوننا نحن الأصول وأولئك الفروع، وهم السواقي ونحن الينبوع، فبعد عناء ونصب، وكد وتعب، قد وقفت على أسباب نزع فخارنا، وسلب مجدنا واعتبارنا، كما أنني قد وقفت أيضا على أسباب دوام الحالة التي نحن فيها، وعدم رجوع الماء إلى مجاريها. فالأسباب الأولى أعرضت عن إظهارها، وعدلت عن إخبارها؛ هربا من الإسهاب والتطويل، وحذرا من القال والقيل. والأسباب الثانية لا بد أن أذكر شيئا منها، وأروي بالاقتصار حديثا عنها؛ لكي نتقرب إلى ما يجدي تقربه، ونتجنب ما يقتضي تجنبه.
وهذه هي الأسباب، لتكون أنموذجا لذوي الألباب؛ السبب الأول: هو تركنا حب الوطن والمقام، وعدم تفتيشنا على النفع العام؛ لأن كلا منا لا يفتكر إلا بنفسه، غير مهتم بأبناء جنسه، مع أن الأورباويين بحبهم لوطنهم وبلادهم، يبذلون نفوسهم فضلا عن مالهم وجهادهم. الثاني: هو حالة تهاونا وكسلنا وعدم غيرتنا؛ لأنه يوجد بحمده تعالى بهذا الأوان، جمهور عظيم من التلامذة الأعيان وجهابذة المعاني والبيان، مزينين بالنجابة والفصاحة، مكللين بالبراعة والملاحة، متقنين اللغات والعلوم، مزهرين في سماء المعارف كالنجوم، ولكنهم مع ذلك كل منهم يتنعم ويكتفي بتوفيقه، ويتكل معتمدا على رفيقه، ويلقي الحملة مستندا على صديقه، مع أنه كان المتوج عليهم أن لا يدفنوا ما وزن الله إليهم، بل يشرع كل واحد بفتوح ومباشرة، ليسهل الحمل عند المكاثرة. الثالث: هو فرط استعجالنا، وعدم صبرنا واحتمالنا، فإن كلا منا لا يريد أن يزرع اليوم أشجارا، إذا لم يتحقق أنه في غد يأكل منها أثمارا. والحال أن الأغراب يبتدئون في بلادهم بأعمال، مع عدم قابليتها للنهاية قبل مرور جملة أجيال، فلو كنا سالكين في طريقتهم، ومتشبهين في حقيقتهم، لكنا نكون الآن متنعمين بمتروكات آبائنا، ومورثين النعم والراحة لأبنائنا، الأمر المرضي للمولى الجليل، والمفيد الاسم والذكر الجميل. والسبب الرابع والأخير: هو خجلنا الممتزج بالتكبر، وحياؤنا المختلط بالتجبر؛ لأنكم يا ذوي العلوم والمعرفة، ومعشر الفهم والفلسفة، تخافون أن تخترعوا أمرا فلا يطرب، أو تترجموا كتابا فلا يعجب، فيقعدكم الزعل، ويمنعكم الخجل. ولكنني على نوع ما أعدكم مجبورين، وبعدم إظهار علومكم معذورين؛ لأن الأورباويين لحسن تصرفهم، وجودة تثقفهم وتلطفهم، عندما ينظرون أحدا من أقوامهم، مبتدعا قضية لنفع عامهم، فيرغبونه لإتقان ذلك المراد، ويتعصبون على مساعدته والإنجاد، فإن نجح وساد فينال إكليل المكافأة ويطنبون بمدحه والشكر، وإن عجز وعاد ، لا يفترون من دوام المساعدات ويقيمون عنه الحجج والعذر، فيزداد عندهم بهذا الوجه التقدم العظيم، ويتراكم في ديارهم النمو العميم. وإنما أهل هذه البلاد، والبعض ممن عليهم الاعتماد، فبالصد قد عودوا مواضيع أقوالهم، على ثلب وإعابة تأليفات أمثالهم، فمنهم من يشين ويتهكم ومنهم من يدين ويتحكم، فيجرحون المصنف بسيف التوبيخ والخجالة، وينسبونه إلى البرودة والبطالة، ويعيرونه بأنه أسرف زمانه بالتصانيف، وأضاع أيامه بالتأليف، وإن سمعوا بأمر ومصير، فيرتاحون على حجة العجز والتقصير، ومن قبل التجربة يحكمون بأنه في بلادنا لا يصير. وإن نظروا تأليفا فلا يلتفتون إلا إلى زخرفة الكلام، ولا ينقحون إلا على النثر والنظام، مسلوبين من الحسد والغرض، حتى إنهم يتركون الجوهر ويتمسكون بالعرض، مظنين باستهزائهم وإخراقهم للغير، أن ينالوا الفخر والخير، وليس الواقع كما يتوهمون، ولا الصيت بالتنكيت كما يزعمون، فإذا كان من العدل أن تظهروا الجراعة وتبينوا ما عندكم من البراعة، وتقدحوا النار من زنادها، وتعيدوا الأرواح إلى أجسادها.
وها أنا متقدم دونكم إلى قدام، محتملا فداء عنكم إمكان الملام، مقدما لهؤلاء الأسياد المعتبرين، أصحاب الإدراك الموقرين، ذوي المعرفة الفائقة، والأذهان الفريدة الرائقة، الذين هم عين المتميزين بهذا العصر، وتاج الألباء والنجبا بهذا القطر، ومبرزا لهم مرسحا أدبيا وذهبا إفرنجيا مسبوكا عربيا. على أنني عند مرورى بالأقطار الأوروباوية، وسلوكي بالأمصار الإفرنجية، قد عاينت عندهم فيما بين الوسايط والمنافع التي من شأنها تهذيب الطبائع، مراسحا يلعبون بها ألعابا غريبة، ويقصون فيها قصصا عجيبة. فيرى بهذه الحكايات التي يشيرون إليها، والروايات التي يتشكلون بها ويعتمدون عليها، من ظاهرها مجاز ومزاح، وباطنها حقيقة وصلاح، حتى إنها تجذب بحكمتها الملوك من أعلى أسرتهم، فيأتونها ويفوزون بحسن سياستهم ومسرتهم، وإذ كانت هذه المراسح تنقسم إلى مرتبتين، كلتاهما تقر فيهما العين؛ إحداهما: يسمونها بروزه، وتنقسم إلى كومديا ثم إلى دراما وإلى تراجيديا، ويبرزونها بسيطا بغير أشعار، وغير ملحنة على الآلات والأوتار. وثانيتهما: تسمى عندهم أوبره، وتنقسم نظير تلك إلى عبوسة ومحزنة ومزهرة. وهي التي في فلك الموسيقة مقمرة.
فكان الأهم والألزم بالأحرى ، أن أصنف وأترجم بالمرتبة الأولى لا الأخرى؛ لأنها أسهل وأقرب، وفي البداءة أوجب. ولكن الذي ألزمني لمخالفة القياس، وممارستي هذا المراس؛ أولا: لأن الثانية كانت لدي ألذ وأشهى، وأبهج وأبهى. ومن عادة المرء ألا يجود مما بيديه، إلا على ما مالت نفسه إليه. والمنصف حيثما يكون مناه، يطفح نحوه جود قريحته ونهاه. ثانيا: حيث ظن المرء بالناس، كظنه بنفسه بلا التباس، فترجحت آرائي ورغبتي وغيرتي، أن الثانية تكون أحب من الأولى عند قومي وعشيرتي؛ فلذلك قد صوبت أخيرا قصدي، إلى تقليد المرسح الموسيقي المجدي، فإن استصوب ساداتي فعلي، وساعدوني بحكمتهم على جهلي، ومدحوا ما يتقدم لديهم، وينجلي عليهم، فأنسب ذلك لحسن أخلاقهم، وأعده من لطفهم ومزاقهم، وإلا فلا أنسب الذنب إلا لشقواتي، وجزاء وتأديبا لغباوتي؛ لأني أكون اقتحمت ميدانا لست من رجاله، وركبت فرسا لست من أبطاله. ولكني مع ذلك أرجوهم لكي ينبهوني عما فرط، ويرشدوني بمعزل إلى إصلاح الغلط؛ لأن هذا الفن بحر زاخر، وفلك دائر، لا سيما أن المشتركين معي، للتشكل بهذا المظهر اللوذعي، الذين ساعدوني على هذا العمل، ووافوني وأنجدوني لبلوغ الأمل، لم يزالوا متجددين ومبتدئين بفعله، ولم يمر عليهم قبلا مظهر كمثله، فلا يخلو الأمر من أنهم يقعون في بعض ورطات، ويشجبون على بعض سقطات، يشعر بها من له المطالعة، على دقايق هذه الحقائق الساطعة، ولكنهم بالحقيقة معذورون نظرا لبداءتهم، وعدم وجود إمام كاف لهدايتهم، خصوصا نظرا لافتقارنا إلى المحلات اللائقة، والكواسم والطواقم
2
الموافقة. ومع ذلك فلي أمل متين، بحسن شئمكم الرهين، بأنكم لو رأيتم أعمالي غير كاملة، وأفعالي غير عاملة، فلا يقعدنكم الازدرا والملل، ولا يمنعنكم الضجر والزعل، بل كل من كان منكم لبيبا وغيورا وعنده إلمام بهذه الأمور، يتشجع ويزيد على تأليفي هذا المهان، تأليفا آخر ذا شأن.
على أن الذين ستأخذهم بعدى الحماسة، وتحثهم النخوة والفراسة، ويؤلفون أو يستخرجون أشياء بهذا الصدد، ملتمسين من الله العون والمدد، فإنهم سيفوقون علي بلا شك ولا إشكال؛ لأن الجوهر لا يظهر إلا بإعادة الصقال، لكون الإفرنج من ساعة كشفهم هذا الكنز المنجلي، لم يكن عندهم مثل مراسح ميلانو ونابولي، بل رويدا رويدا ابتدءوا بالتقدم، ومع مرور الزمان نالوا هذا التعظيم، فأنتم أيضا ستنظرون عند كثرة تكرارها، منافع تعجم الألسن عن وصف مقدارها؛ لأنها مملوءة من المواعظ والآداب، والحكم والإعجاب، لأنه بهذه المراسح تنكشف عيوب البشر، فيعتبر النبيه ويكون منها على حذر. وعدا اكتساب الناس منها التأديب ورشفهم رضاب النصايح والتمدن والتهذيب، فإنهم بالوقت ذاته يتعلمون ألفاظا فصيحة، ويغتنمون معاني رجيحة؛ إذ من طبعها تكون مؤلفة من كلام منظم، ووزن محكم، ثم يتنعمون بالرياضة الجسدية، واستماع الآلات الموسيقية، ويتعلمون إن أرادوا مقامات الألحان، وفن الغنا بين الندمان، ويربحون معرفة الإشارات الفعالة، وإظهار الإمارات العمالة، ويتمتعون بالنظارات المعجبة، والتشكلات المطربة، ويتلذذون بالفصول المضحكة المفرجة، والوقايع المسرة المبهجة، ثم يتفقهون بالأمور العالمية، والحوادث المدنية، ويتخرجون في علم السلوك ومنادمة الملوك؛ وبالنتيجة فهي جنة أرضية، وحافلة سنية، فأرجوكم أن تصغوا لها وتسمعوا، وهذا ضرب منها فتمتعوا.» (2) فصل في الكلام عن المراسح والروايات وكيفية تشخيصها بوجه العموم
إننا قبل أن نبتدئ بتحرير الروايات حسبما وعدنا بفاتحة كتابنا الحاضر وجدنا من الصواب أن نتكلم يسيرا على هذا الفن، ونأتي بكل إيجاز بما من شأنه أن ينبه أفكار من أراد تشخيص رواية ما؛ لأننا لو أردنا أن نتكلم عن هذه الخصوصات باتساع وإسهاب لكان يلزمنا لذلك كتاب مخصوص حجمه لا أقل من هذا، فنقول:
اعلم أن وجود هذا الفن في العالم هو قديم جدا، حتى قال بعض المؤرخين إنه من زمن أبينا إبراهيم، وإن ظننا ذلك مبالغة فلا نقدر أن نشك بما أجمعت عليه آراء المؤرخين بأنه من زمن الرومانيين وقبل مجيء سيدنا المسيح بأجيال عديدة، وإنما في أوائل الأمر كانوا يشخصون الروايات بخلاف أسلوب؛ أي إنهم في وسط النهار كان يجتمع البعض ويركبون خيولهم ويمرون بالأزقة والشوارع بإشارات وحكايات وتقليدات بها مواعظ وإنذار، حيث يقلدون مثلا السكر أو البخل ... وهلم جرا، ومن بعد ذلك صاروا يجتمعون بمحلات مخصوصة، وما زالوا يتفننون ويتقدمون إلى أن اتصل إلى ما اتصل إليه الحال بالأوروبا الآن حتى وجدت عندهم المراسح الشهيرة ذات الأكلاف والزينة المفرطة وعلى ما قيل إن بعضها يكلفهم عشرة مليونات فرنقا
3
Page inconnue