وصف بقعة دجلة والفرات (1) دجلة والفرات
بلاد كلديا تشبه مصر في كونها «هبة من هبات الماء»، إلا أن هذه تكونت من نهري دجلة
1
والفرات وتلك من النيل وحده.
وهذان النهران تتفجر منابعهما وعيونهما من بلاد أرمينية في جبل تيفاتس (الذي هو الآن كلشن طاغ) وهو أعلى الجبال الممتدة فيما بين البحر الأسود وهضبة إيران، وينفرد عن جميع هذه الجبال بكون بعض قلله يكون الثلج عليها مستديما، ويتكون نهر الفرات من غديرين تنحدر إليهما السيول أحدهما مراد صو والثاني قره صو، ثم يجري في أول الأمر من الشرق إلى الغرب في مضايق شامخة قحلاء جرداء ووديان ضيقة حرجة، ثم يأخذ فيما بعد ملاطية (ملاتييسة ) في الانعطاف مرة واحدة نحو الجنوب الغربي، ويجعل له طريقا في خلال جبل طوروس؛ بحيث يحسبه الناظر متجها نحو البحر الأبيض المتوسط، ثم يتورب نحو الجنوب الشرقي متجها إلى الخليج الفارسي. وأما نهر دجلة فإنه يتولد بالقرب من نهر مراد صو، ولكنه يسيل بعكس الفرات من المغرب إلى المشرق، ومتى وصل إلى آخر نقطة من مضايق الجبال انحرف وانحنى نحو الجنوب، واقترب من الفرات؛ فلا تكون المسافة بينهما قبيل بغداد إلا بضع مراحل في أرض واطئة مطمئنة، ولكنهما لا يختلطان في هذه الجهة بل يجريان متحاذيين متوازيين تقريبا نحوا من عشرين ميلا إلى ثلاثين، ثم يبتعدان فلا يلتقيان إلا بعد ثمانين مرحلة؛ وحينئذ يمتزجان ببعضهما فيتكون منهما نهر شط العرب، وينصب في الخليج الفارسي.
ونهر الفرات يأتيه في متوسطه نهران من جهة اليسار يمدانه بمياههما، وهما بليخ والخابور، وبعد اتصال الخابورية لا يأتيه شيء من الماء إلى أن ينصب في البحر، وأما دجلة فإنه تنصب إليه مياه الزابين وأدهم وديالى. ويمكن للسفن أن تسير في جزء عظيم من مجراهما؛ فإن الفرات تسير فيه السفن من ابتداء سميساط
2
وأما دجلة فمن ابتداء الموصل. وعندما تذوب الثلوج في أوائل أو أواسط أبريل يزيد هذان النهران وتفيض مياههما وتنتشر على المزارع وفي الريف؛ مثل نيل مصر، ثم لا ينقصان إلى الحد المعتاد لهما إلا بحلول شهر يونيو حينما تشتد الحرارة. (2) تكوين أرض كلديا
لم يكن الحوض الذي يسقي بلاده دجلة والفرات، كما هو عليه الآن فيما سبق من الأعصار والأزمان، فإنهما قبل التاريخ بأجيال طوال كانا لا يرويان عند خروجهما من الجبال إلا سهلا فسيحا غير ذي استواء، تكون في العصر الثاني «الجيولوجي» وأطلق عليه القدماء اسم ميزوبوتاميا؛ أي أرض الجزيرة
3
Page inconnue