Histoire de la baie d'Alexandrie et du canal Mahmoudiyah
تاريخ خليج الإسكندرية القديم وترعة المحمودية
Genres
وهذه الحالة هي التي دعت أولا جان أسقف نيكيو في القرن الأول الهجري - القرن السادس الميلادي - ومن بعده ابن عبد الحكم في القرن الثالث الهجري - القرن التاسع الميلادي - وغيره من مؤرخي العرب الذين نقلوا جميعا عنه إلى القول بأن الملكة كليوبطرة هي التي ساقت خليج الإسكندرية حتى أدخلته إليها، ولم يكن يبلغها الماء، كان يعدل من قرية يقال لها كسا قبالة الكريون، فحفرته حتى أدخلته الإسكندرية.
ومن الجلي أن هذه الرواية ليس لها نصيب من الصحة؛ لأن كليوبطرة ليست هي التي أنشأت هذه الخليج، غير أن الإنسان لو فحصها فحصا دقيقا صارفا النظر عن مسألة كليوبطرة؛ لتبين له أنها لا تخلو من شيء ترتكز عليه.
ذلك أن الفرع الممتد من الكريون إلى الإسكندرية ظل باقيا، وظلت سيرته كذلك باقية تتداولها الألسن، وفحواها أن هذا الفرع حفر ليوصل إلى الإسكندرية مياه الكريون، وذلك من الفرع الكانوبي، أما فرع الكريون الممتد إلى خليج أبي قير، فكان قد زال وزالت من الوجود أيضا سيرته.
وبما أن هؤلاء المؤرخين لم يروا قدام أعينهم شيئا ثابتا يعتمدون عليه سوى مياه النيل ووقوفها عند الكريون، وسمعوا أيضا الرواية المتداولة في البدء من أن الجزء الذي بين الكريون والإسكندرية حفرته يد البشر؛ لجلب المياه إلى الإسكندرية، فهذا هو الذي سوغ لهم أن يظنوا أن المياه لم يسبق أن جرت في مجرى آخر.
ولما كان من الثابت أن الجزء الواقع بين زاوية البحر والكريون يفوق الجزء الواقع بين الكريون والإسكندرية أهمية كما ذكر المسعودي فيما يلي فقد ساعد ذلك كثيرا على تمسكهم بهذه النظرية.
قال المسعودي:
وقد كان النيل انقطع عن بلاد الإسكندرية قبل سنة 332ه (943م)، وقد كان الإسكندر بنى الإسكندرية على هذا الخليج من النيل، وكان عليها معظم ماء النيل، فكان يسقي الإسكندرية وبلاد مريوط، وكانت بلاد مريوط في نهاية العمارة والجنان المتصلة بأرض برقة، وكانت السفن تجري في النيل وتتصل بأسواق الإسكندرية. وقد بلط أرض خليجها في المدينة بالأحجار والمرمر، وانقطع الماء عنها لعوارض سدت خليجها ومنعت الناس دخوله فصار شربهم من الآبار وصار النيل على يوم منهم. أ.ه.
ومسافة اليوم التي ذكرها المسعودي هي عبارة عن المسافة من الإسكندرية إلى الكريون؛ أي: طول ترعة شيديا القديمة، بينما الفرع الذي يوصل الماء إلى الكريون كان أثرا للفرع الكانوبي القديم. ويعلم لنا مما قاله المسعودي أن الجزء الثاني في ذلك الحين كان أيضا يفوق الأول أهمية، إذ إنه كان يوصل المياه إلى الجزء الآخر.
أما عزو إنشاء هذه الترعة إلى كليوبطرة فهذا أمر يشق علينا أن نجد له تفسيرا يقبله العقل، فهو غلطة فادحة في التاريخ، فالذي حفرها إنما هو الإسكندر الأكبر عند إنشائه مدينة الإسكندرية.
ومجمل القول: إن ترعة الإسكندرية كانت لدى الفتح العربي تمر بهذه النواحي وهي: زاوية البحر، والنقيدي، ودنشال، ودمنهور، وأفلاقه، وكفر الحمايدة، والكريون، والإسكندرية، (انظر الخريطة 4).
Page inconnue