Histoire de la baie d'Alexandrie et du canal Mahmoudiyah
تاريخ خليج الإسكندرية القديم وترعة المحمودية
Genres
6
السنية سنة 1233ه الموافقة سنة 1819 ميلادية بحفر ترعة المحمودية، وأن تعمق حتى تجري صيفا وشتاء وتوسع بحيث يسهل لجميع مراكب النيل الوصول منها إلى المدينة بأنواع المحصولات في زمن قريب بلا كبير مصرف ولا مشقة مع حصول تمام النفع للآدميين وسائر الحيوانات والمزروعات، وكانت قبل ذلك تجارات القطر لا تصل إلى تلك المدينة إلا من ثغر رشيد أو دمياط، وذلك مستوجب لكثرة المصرف وزيادة المشقة جدا فإن سفر البحر الملح لا يخلو عن الخطر فكانت لا تخلو سنة عن حصول غرق لبعض المراكب والبضائع والآدميين ولأهميتها جمع لها عددا كثيرا من الأهالي من جميع مديريات القطر حتى تمت في أقرب وقت من الأبنية اللازمة لها، وقد بلغ ما صرف عليها إلى أن تمت ثلثمائة ألف جنيه على ما نقله قولوط بيك، وهذا بالنسبة لما ترتب عليها من المنافع شيء يسير كما هو مشاهد، ولم يجعل فمها في مكان فم الخليج القديم عند ناحية الرحمانية بسبب ما حدث أمامه من الارتدام والرمال فنقل بالقرب منه فارتدم أيضا وفعل ذلك مرارا فلم ينفع، فجعل عند ناحية العطف فصلح وأنتج المطلوب فاستمر على ما هو عليه الآن، وكان ذلك سببا في عمارة ناحية العطف واتساعها وكثرة خيراتها حتى ألحقت بالبنادر حيث كانت مرسى للسفن التجارية الداخلية والخارجية وجعل انتهاؤها البحر الأبيض بحيث تصب قريبا من مصب الخليج القديم الذي كان في زمن البطالسة، وبتمامها على هذا الوجه حصل منها المقصود من المنافع العميمة والفوائد الجسيمة مما ذكرنا وخلافه كإحياء غالب الأراضي التي بجوانبها من ناحية العطف إلى الثغر بعد أن كانت ميتة غير صالحة للزراعة بسبب هجرها من قلة وصول الماء إليها مع أنها كانت في قديم الزمان معمورة بالناس وأصناف المزروعات بل حصل بحفرها إحياء كثير من الأراضي البعيدة عن شواطئها بواسطة المساقي والترع التي تفرعت عنها من الجانبين على توالي الأزمان حتى بلغ ما أحيي بها 11545 فدانا.
وكان الصالح قبل ذلك لا يزيد على 4000 فدان، وهكذا لم تزل المزارع والأحياء تتزايد بسبب تلك الترعة إلى وقتنا هذا فقد بلغ الصالح للزراعة زيادة عن مئة ألف فدان حتى استوجب عدم كفاية ماء المحمودية بجميعه واحتيج إلى تركيب وابورات العطف، ثم إنه عند تمام حفرها جعل في فمها وفي مصبها قناطر فكانت مانعة لمراكب النيل من الدخول فيها وكانت التجارات الآتية من القطر إلى إسكندرية تنقل عند فمها إلى مراكب أخر من مراكب المحمودية، وعند وصولها إلى الثغر ينقل ما كان منها على ذمة الأجنبيين إلى مراكب البحر الملح وما كان على ذمة الأهالي يخرج إلى البر، وكذلك التجارات الآتية من الأقطار الأجنبية فكانت تنقل مرتين ولا يخفى ما في ذلك من الضرر والخطر فصدرت أوامره السنية بإزالة تلك القناطر وعمل هويسات في فمها وفي مصبها وذلك سنة 1842 ميلادية موافقة 1258 هجرية، فعملت على هذا الوجه الذي هي عليه الآن بأن جعل في فمها هويسان: أحدهما صغير عرضه أربعة أمتار للمراكب الصغيرة والآخر كبير سعته ثمانية أمتار للمراكب الكبيرة، وفي مصبها كذلك فارتفعت بذلك الصعوبات وخفت المصاريف.
وقد ألحق بذلك أبنية عديدة منها أنه بنى جامعين أحدهما عند فمها والآخر عند مصبها قرب الميناء، وجعل محراب كل واحد منهما قطعة واحدة من الرخام الأبيض، وكتب عليه تاريخ البناء ورقم عليه اسم السلطان محمود، والجامع الذي عند مصبها يعرف الآن بجامع التاريخ، وكذلك الشارع الذي عنده يسمى بشارع التاريخ. ومنها أنه جدد عدة أشوان لخزن الغلال الميرية، ومنها حفر مجرى تحت الأرض لتوصيل الماء الحلو إلى جهة الترسانة، والجمرك قد فتح في مواضع منه موارد لأخذ السقائين والأهالي في أي وقت شاءوا.
ولحرصه على دوام نفع تلك الترعة جعل لها ما تتغذى منه عند الحاجة فجعل ملقة ديسة (دسيا) مخزنا للماء يملأ وقت فيضان النيل ويبقى مملوءا حتى يصرف فيها على حسب الحاجة، وجعل فيه قناطر للصرف والمخزن المذكور هو ما يعرف الآن بخزائن الزرقون وكان قريبا من عشرين ألف فدان. ولما استغنى عنه بوابورات العطف جعله المرحوم سعيد باشا جفلكا وهو الآن في ملك نجله المرحوم طوسون باشا، وقد حدث على جوانب تلك الترعة وبعيدا عنها في ضواحي المدينة عدة بلدان عامرة وقصور مشيدة وبساتين مملوءة بأشجار الفواكه والرياحين وغير ذلك من المحاسن المشاهدة هناك.
ثم إن من أسباب جعل قاع الخليج القديم مرتفعا حتى كان لا يجري فيه النيل إلا وقت الفيضان مجاورته للبحائر المالحة كما علمت، فلذا لما عمل العزيز ترعة المحمودية أمر بسد أفواه تلك البحيرات من جهة البحر المالح فصارت المحمودية آمنة مما يغيرها ويعطل منافعها. فهذه الأعمال الجليلة من أعظم أسباب العمارة بتلك المدينة وكثرة الأهالي والأغراب فيها.
وبسط الكلام على الخليج القديم وترعة المحمودية مذكور في تاريخنا
7
لمصر فليرجع إليه من أراد الوقوف عليه. أ.ه.
هوامش
Page inconnue