Histoire de la folie: de l'antiquité à nos jours
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Genres
كتب آرشامبو - رئيس أطباء مشفى ماريفيل - في عام 1842: «لترتيب فكر المرضى عقليا، لا بد من زرع النظام والترتيب حولهم.»
العزلة والنظام ... قاعدتان ارتكزت عليهما معالجة المريض عقليا حتى ظهور هذه الجملة التي كتبها بوشيه، تلميذ إسكيرول المقرب، في «الحولية الطبية النفسية» الصادرة عام 1849، بشأن «العمل المفروض على المرضى عقليا»: «يجب أن تختفي الفردية الاجتماعية لتذوب في الحياة المشتركة [...] أي أن تطبق نفس مبادئ الشيوعية على النظام الذي يخضع له المرضى عقليا. ففي أغلب الأحيان، لا يكون المرض إلا نتيجة للفردانية المفرطة؛ ولذا يكمن علاجه في الاتجاه المعاكس.»
ومن ثم، أصبح المريض عقليا جزءا من كل أكثر من كونه فردا مستقلا بذاته. ومن هذا المنطلق، أصبح العلاج المعنوي كما يعرفه إسكيرول، من الآن فصاعدا، مختلفا عن ذلك العلاج الذي تصوره في أطروحته بعنوان «الأهواء» ... وبشكل أقل من أي وقت مضى، لم تعد مسألة الحوار مع المختل قائمة: «لقد ظننا أن العلاج المعنوي المطبق على المصابين بالهوس يقتضي التفكير بعقلانية، والتحاجج معهم: هذا وهم؛ فالمهووسون لا يستطيعون السيطرة على انتباههم بما يكفي ليتمكنوا من الإصغاء ومتابعة الاستدلالات المنطقية التي نعرضها عليهم.» لقد رأينا من قبل أن هذا القيد كان قد بدأ بالفعل في أطروحة 1805، ولكنه سيبلغ من الآن فصاعدا ذروته: «لا بد من أن يمتلك المرء شيئا من المهارة العقلية وخبرة كبيرة ليستطيع فهم الفروق الدقيقة اللانهائية التي يطرحها تطبيق العلاج المعنوي، وتحديد مدى ملاءمة هذا التطبيق. ففي بعض الأحيان، يتعين اللجوء إلى التضليل في مراحل الشفاء الأكثر استعصاء من أجل التغلب عليها، وذلك من خلال الإيحاء إلى المرضى بعاطفة أشد من تلك التي تسيطر على عقلهم، واستبدال خوف حقيقي بخوف وهمي. وفي أحيان أخرى، ينبغي كسب ثقة المرضى، وتقوية شجاعتهم الواهنة، عن طريق بث الأمل في قلوبهم. لا بد من تطبيق الطريقة التي تحدث اضطرابا، ومقاومة التشنج بالتشنج، وإحداث هزات معنوية من شأنها تبديد السحب التي تغطي الذكاء، وتمزيق الحجاب الذي يفصل بين العالم الخارجي والإنسان، وكسر السلسلة المفرغة للأفكار، ووضع حد لعادة التداعيات السيئة وتدمير ثباتها المحبط، وإبطال السحر الذي يبقي كل القوى الفاعلة للمريض عقليا في حالة تعطل.» باختصار، «يدخل في نطاق العلاج المعنوي كل ما يمكن أن يؤثر على الدماغ، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ويغير إنساننا المفكر، وكل ما من شأنه السيطرة على الأهواء وتوجيهها.»
في هذا الصدد، يشير إسكيرول، مثل بينيل، إلى الترهيب والتخويف، ولكن ذلك الخوف المعتدل الذي يخفف من شدته، إذا جاز التعبير، اللطف. «بالرغم من أن هؤلاء المرضى وقحون ومتهورون، فإنه يسهل ترويعهم. للخوف سلطان كبير عليهم، لدرجة أنهم يصبحون خجولين ومرتجفين وخاضعين أمام الأشخاص الذين يعرفون كيف يسيطرون عليهم [...] ولكن يجب ألا يصل هذا الشعور إلى حد الرعب.» يتابع إسكيرول قائلا إن قلة قليلة شفيت. ينبغي استعمال الخوف، على أنه أيضا «أداة للشفاء»، بحكمة ومهارة، ومن هنا تتجلى أهمية توافر «صفات معينة جسدية، وفكرية وأخلاقية» في من يقتربون من المرضى ويقومون برعايتهم وعلاجهم. وهكذا قد تساهم «الهزات المعنوية والانفعالات القوية وغير المتوقعة» في شفاء المصابين بالهوس. «إذا كان القمع ضروريا، فلتمارسوه من دون احتداد، أو وحشية، وإلا فلن يرى مريض الهوس في سلوككم إلا الغضب.» ويضيف إسكيرول أن الطبيب يجب ألا يقوم بزرع الخوف مباشرة في نفس المريض، وإنما يتولى مساعدوه ذلك؛ إذ يجب أن يظل هو «مواسيا» بحيث يجمع بين الطيبة والحزم ويكون محط احترام وتقدير المرضى.
ها هي مريضة بالهوس (من جراء مآسي الثورة) متعجرفة للغاية ومستعدة دائما لضرب الآخرين. يكفي إلباسها مرتين قميص التقييد «لمدة ساعة واحدة فقط وإشعارها بما تنطوي عليه مثل هذه المعالجة من مهانة ومذلة.» وكما هي الحال عند بينيل، يعد الماء البارد «عاملا علاجيا فعالا»؛ إذ إن له «مفعولا جسديا» و«تأثيرا معنويا» في الوقت ذاته «باعتباره وسيلة قمع». «معظم المرضى في طور النقاهة يقولون بشكل عام إنهم شهدوا تحسنا بعد استعمال الماء البارد. بل إن بعض المصابين بالهوس يطلبونه، ولكن يجب عدم الإفراط في استخدامه.»
كان هذا النوع من العلاج المعنوي الجماعي قد أصبح بالفعل ضرورة حتمية في المصحات الكبرى، التي جعلت من المستحيل «فعليا» تطبيق أي نوع من العلاج الفردي. وأصبح إسكيرول مؤيدا لهذا الأسلوب العلاجي، ولا سيما بعد استقراره في شارنتون. فبينما كان يريد فيما مضى «تحديد الحجم الأمثل للمؤسسات على أساس إمكانية عيش الطبيب داخلها وسط المجانين وبقائه على مقربة منهم»، ها هو قد أصبح «نموذجا أوليا للطبيب العقلي الذي يعرف ويوجه عن بعد، ولا يتعامل مع المرضى، في الحالة القصوى، إلا عبر أجهزة المؤسسة التي ينظمها ويديرها ويسيطر على كل شبر فيها.»
10
وهكذا ولدت مع إسكيرول شخصية طبيب الأمراض العقلية، الذي يضطلع في الوقت ذاته بدور المدير الإداري، والطبيب، وكبير المشرفين.
وهكذا بدأت تتضح معالم المؤسسة العلاجية، على الرغم من أنها لم تكن قد نشأت بعد؛ حيث سيتعلم المريض تدريجيا، بعد أن انتزع من دائرة الوحدة التي يفرضها عليه جنونه، كيف يندمج من جديد وسط الآخرين داخل المصحة. ولكن أي آخرين؟ إن مجتمع المصحة ليس مثل المجتمع باختصار. أما عن قابلية الجنون للشفاء، فإن الآمال العريضة التي رسمها بينيل وإسكيرول في تصورهما المبدئي، قبل عام 1810، تبددت ليحل محلها صمت حذر. وهنا تتجلى قمة التناقض بين «الانقسام البينيلي» و«تجسيده المؤسسي»؛
11
Page inconnue