Histoire de la folie: de l'antiquité à nos jours
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Genres
10
إن «استرخاء الجهاز العصبي» يعززه استخدام المرطبات والمشروبات المغلية التي تحتوي على أعشاب أو نباتات، وشرب الماء بكميات كبيرة (بدءا بمياه الينابيع الحرارية التي كانت رائجة للغاية في هذه الفترة)، والاغتسال وبالأخص في الحمامات، سواء أكانت نهرية أم منزلية، وساخنة أم دافئة أم باردة، والتي «تمنح الألياف قوة ومتانة. فقليلة هي الوسائل التي تعزز بصورة فعالة الجهاز العصبي وتستعيد مرونة أنسجته العضوية.» بالطبع أشعل بيير بوم، الذي أصبح طبيب البلاط الملكي ، نار الغيرة في نفوس زملائه، الذين نشروا شائعات تفيد بأنه قد تسبب في موت بعض مريضاته الشهيرات. ولكنه وجد مدافعا ممتازا عنه في شخص فولتير، المريض الدائم بوسواس المرض. بوم ليس هو الوحيد، على أي حال، الذي امتدح المرطبات؛ فحين يصبح التهاب الدماغ وما يصاحبه من جنون الاهتياج، مرضا مزمنا، يوصى كذلك بترك الماء البارد يتدفق على رأس المريض. تكشف لنا تعليمات 1785، التي أوصت أيضا باستخدام المرطبات ، عن «قلنسوة أبقراط» الغريبة التي كانت توضع على رأس المختل العقلي الحليق منذ بداية غزو المرض. وهي عبارة عن عصابة يشد بها رأس المريض مع الحرص على أن تكون مبللة دائما بترطيبها بإسفنج مغموس في خليط من الماء البارد والخل.
لم يغفل دور المهدئات والمخدرات في معالجة الجنون. فقد شاع استعمال الأفيون وشهد بذلك جميع الكتاب في أواخر القرن الثامن عشر، ولا سيما في حالات جنون الهياج. بالإضافة إلى ذلك، نجد السيكران، والبلادونا، والداتورة، والكافور. مع هذا المهدئ الأخير، نستعيد مضادات التشنج التي ترجع إلى العصور الوسطى، وأصبحت رائجة على وجه الخصوص في القرن الثامن عشر. يضاف إلى إفرازات القندس والمسك الكلاسيكيين الحلتيت وخصوصا «زهور الزنك» (أكسيد الزنك)، الذي أقرت إنجلترا استخدامه بحماس ولم تستحسنه فرنسا في بادئ الأمر ثم أثنت عليه لاحقا بدورها.
ولقد كانت المقويات والمنبهات أقل عددا؛ لأن استخدامها كان يأتي في المرتبة الثانية بعد المهدئات. ولكن، ما الذي كان يتم إعطاؤه للمصابين بالسوداوية، وللمعاتيه؟ في القرن الثامن عشر، كان الاهتمام منصبا على نبات الكينا. فقد كان يوصف في البداية كمضاد للحمى خلال القرن السابع عشر، ولكنه رفع في القرن التالي إلى مرتبة المقويات، والمهدئات، ومضادات التشنج. وتوجد بعض أنواع المنبهات الداخلية الأخرى، مثل الخردل، وفجل الخيل البري (الملعقية)، ومسحوق الذراح (الذباب الإسباني المجفف) الذي كان معروفا بأنه مثير للرغبة الجنسية، ولكن كان يوصف أحيانا في بعض حالات العته. أما عن المعطسات المعروفة بالفعل، والتي يمكن تصنيفها ضمن فئة المهيجات، فقد كان لها أيضا أنصار. وقد تشتمل المقويات على فرك بعض النباتات (الكينا والجنطيان؛ «كينا الفقراء»)، والحمامات المضاف إليها طحين الخردل، أو الحمامات الكبريتية ... علاوة على ذلك، ظل الأطباء متمسكين للغاية بالوصفات الطبية المتعلقة بالأنظمة الغذائية الملائمة لكل حالة على حدة.
كل ما تم ذكره حتى الآن من طرق علاجية ما هي إلا أساليب كلاسيكية لمعالجة الجنون. لقد حان الوقت لنتساءل عما إذا كانت هذه الترسانة تدخل تحت بند النظرية أم التطبيق، وفي الحالة الثانية، من المستفيد ؟ مما لا شك فيه أن المرضى الأثرياء استفادوا، إذا جاز القول، من هذه الأدوية والأساليب العلاجية التي لا تعد ولا تحصى. وكانت استشارة الطبيب تقتضي الحصول على وصفة طبية، وهو الغرض الذي لأجله استدعي الطبيب في المقام الأول. ومع ذلك، فلا مجال لطرح مثل هذا السؤال المبتذل حينما يتعلق الأمر بالنتيجة، حتى ولو كانت جميع الحالات المذكورة، على سبيل المثال في «دورية الطب، والجراحة، والصيدلة» - التي ظهرت في القرن الثامن عشر، والتي ربطت بشكل وثيق بين الأوصاف السريرية والمؤشرات العلاجية - تبدو وكأنها تنتهي دائما نهاية سعيدة: «أتاه النوم»، «قلت الأزمات»، «شفي المريض»؛ مما قد يضفي طابعا أكاديميا بعض الشيء على جميع هذه القصص.
وماذا عن المجانين الآخرين، المختلين عقليا الذين تعج بهم المشافي ودور الاحتجاز الجبري؟ سواء أكانوا قد احتجزوا مباشرة في إحدى دور الاحتجاز الجبري أم «مروا أولا على أحد المشافي الرئيسة بالمدينة»، كانت توصف لهم العلاجات الأكثر شيوعا: الفصد، والحمامات ومن ضمنها الحمامات الإجبارية، والشربة بمختلف أنواعها. في عام 1767، قدم دستور الأدوية الخاص بمشفى باريس الرئيس عددا من الصيغ المتعلقة بعلاج المختلين عقليا. نجد من بينها «مستخلصا مغليا لحالات الهوس أو الهياج» (يضاف إليه الخربق الأسود، وهذا دليل على أن هذه العشبة الشهيرة لم تختف تماما)، و«حبوبا مضادة للسوداوية»، و«شربة ضد الهوس» (ملينا) و«مسحوقا ضد الصرع» يشتمل بشكل أساسي على هدال البلوط أو الدبق، والفاوانيا أو عود الصليب، والناردين، والكونفالاريا المسمى أيضا زنبق الوادي والزيزفون. ومع ذلك، يتدخل عنصران هامان لحفظ التوازن؛ أولا: العلاجات التي كان يتم وصفها لمختلين عقليا - ولا سيما المعوزين - كان يتم التقليل بالضرورة من كميتها ومن معدل تكرارها (بالنظر إلى هذه العلاجات اليوم، نجد أنها لم تكن بالتأكيد سيئة تماما). ثانيا، والأهم من ذلك: أن هذه العلاجات وخدمات الرعاية الصحية لم يكن يتم توفيرها للمريض إلا في «بدايات الجنون». تتكرر هذه العبارة باستمرار. فإذا لم تتحسن حالة المريض في غضون ستة أشهر إلى ثمانية أشهر من المعالجة، يخيم شبح الإقصاء الرهيب ويوضع المريض في مصاف الميئوس من شفائهم. أقصى ما كان يتم عمله هو تجربة علاج جديد في وقت لاحق، عند نقل المريض من مكان إلى آخر، خاصة إذا كان الشخص المعني لا يزال شابا.
يضاف إلى هذه البانوراما الواسعة من الطرق العلاجية الكلاسيكية العديد من العلاجات التي تبدو مجنونة بقدر الجنون نفسه. تعرض مجموعة الأيقونات والصور التي تمثل القرنين السادس عشر والسابع عشر أحد هذه الأساليب العلاجية المجنونة: استخراج حصوات الرأس، أو حجارة الجنون. ويصور لنا بيتر برويغل الأكبر على وجه الخصوص وأيضا جيروم بوش في رسومهما إحدى هذه العمليات الهزلية؛ حيث نجد طبيبا يبدو كأحد الدجالين أو المشعوذين يحدث شقا، عند مستوى الجبهة، في فروة رأس مريض مقيد إلى كرسي ثابت ومتين، حتى يستخرج منه حجرا صغيرا ومستديرا، وهو حصوة الجنون. نظن أن الأمر لا يعدو أن يكون قصة رمزية، ولا سيما أن العملية تتم غالبا في جو احتفالي أشبه بالكرنفال. في رسوم بوش، نجد الجراح الذي يجري العملية يرتدي قمعا على رأسه. وقد انضمت حصوة الجنون - ذلك الضيف غير المرغوب به - إلى القائمة الطويلة التي تشمل النعرة، والزنبور، والجعل، وعنكبوت السقف. ألا نقول في فلاندر: «فلان لديه حجر في رأسه»؟ بيد أن واقعية تفاصيل العملية نفسها (كما تتجلى بالأخص في رسم جون تيودور دو براي) قد تجعلنا نفترض أن عمليات مماثلة أجريت في بداية عصر النهضة، في المعارض والأسواق التي كان الناس يتوافدون عليها أيضا لخلع أسنانهم. ربما كان لدينا أمل في شفاء ذلك المجنون، الذي أظهر له الدجال بحيلة ما الحصاة المسئولة عن جنونه. لم ينس أمبرواز باريه أن يذم «أولئك الجراحين المدعين، الذين هم في حقيقة الأمر مخادعون ومحتالون، وفاسقون ولصوص.»
في وقت لاحق من القرن السادس عشر، صورت لنا الأيقونات والرسوم ممارسة طبية أخرى غريبة لمعالجة الجنون متمثلة في المواكب الراقصة. لم تختف رحلات الحج العلاجي التي كانت رائجة في القرون الوسطى، ولم تكن لتختفي بالأحرى بعد انقضاء عهد النظام القديم. يقدم لنا بيتر برويغل الأكبر من خلال بعض النقوش الرائعة صورة حية لإحدى رحلات الحج العلاجي في مولنبيك (فلاندر). وهنا أيضا قد تعطينا واقعية المشاهد الإيحاء بأنها قد رسمت على الطبيعة: نساء يتلوين، وقد أمسكت بأذرعهن بقوة ممرضتان في كل جانب، يسرن في موكب راقص يشرحه برويغل على النحو التالي: «هؤلاء هم الحجاج الذين يتعين عليهم الرقص في يوم عيد القديس يوحنا في مولنبيك، بالقرب من بروكسل. وحين يرقصون أو يقفزون من أعلى الجسر، ينعمون بالشفاء من داء القديس يوحنا لمدة عام كامل.» نشير في هذا الصدد أيضا إلى المرضى المصابين بداء رقص القديس غي (وفقا للمفهوم الشامل آنذاك، الذي يضم العديد من المتلازمات العصبية و«النفسية» المختلفة، وذلك قبل أن يبدأ سيدنهام بعزل داء الرقص في 1685، وكان أول من وصفه ولذا سمي برقص سيدنهام). وكان لداء رقص القديس غي موكب راقص خاص في اشترناخ (لوكسمبورج)؛ حيث توفي القديس غي في عام 698. وكان إيقاع الرقص يستلزم اتخاذ ثلاث خطوات إلى الأمام، وخطوة إلى الخلف، حتى الوصول إلى ضريح القديس ويليبرورد [القديس غي]. ما زال هذا الطقس موجودا إلى يومنا هذا، ويتكرر في يوم الثلاثاء من عيد العنصرة.
اتسمت بعض هذه الطرق العلاجية بالشذوذ لدرجة قد تجعلنا نتساءل عن حقيقة وجودها الفعلي (ولكننا لن نعلم ذلك أبدا؟) نذكر على سبيل المثال بيانو الهررة المثير للفضول الذي وصفه الأب كيرشر - اليسوعي الألماني إبان القرن السابع عشر - والذي افتتنت به الأوساط الطبية. من المرجح أن يكون هذا البيانو قد اخترع لتبديد السوداوية والكآبة عن أحد الأمراء العظام. تعتمد فكرة هذا البيانو على اختيار تسعة هررة وفقا لصوت موائها واحتجازها داخل الخانات الضيقة لصندوق متصل بمفاتيح البيانو التسعة. ينتهي كل مفتاح بطرف حاد وقاطع لوخز ذيل أحد تلك المخلوقات المسكينة؛ مما ينتج عنه صدور صوت المواء المرغوب. وبما أن الأمر يتعلق بالموسيقى، كان يحرص على وضع القطط وفق ترتيب معين من الصوت الأغلظ إلى الصوت الأكثر حدة. تبنى جوهان كريستيان راي (1759-1813)، وهو اختصاصي ألماني شهير في تشريح الجهاز العصبي ويعد ممثلا بحق للطب النفسي الألماني في الحقبة الرومانسية، فكرة بيانو الهررة موضحا بدقة ضرورة وضع المريض «بالشكل الذي يتيح له رؤية تعابير الحيوانات وإيماءاتها».
11
Page inconnue