Histoire de la folie: de l'antiquité à nos jours
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Genres
وفيما يتعلق بطرق التفريغ العلاجية الأخرى، فلم يطوها النسيان. فقد اتفق جميع أطباء هذا العصر على ضرورة تصريف المرة والأخلاط الحمضية (خصوصا حالة السوداوية)، وإفراغ الجسم منهما، و«تخليص الاقتصاد الحيواني» منهما، على أن يكون كل هذا مستندا بالطبع إلى الخلفية الراسخة لمذهب البقراطية. كان الأطباء يصفون المطهرات والمقيئات في جميع الحالات. وتشير «تعليمات» 1785 إلى أن «استخدام المطهرات كانت أهم بكثير من إجراء عملية الفصد.» وهناك عدد لا حصر له من وصفات المطهرات، بدءا بالراوند والسنامكي (أصبحا فيما بعد من العلاجات الشائعة) وانتهاء بالوصفات الغريبة والعجيبة إلى أقصى الحدود، على سبيل المثال: «خذ ثلاث ملاعق من مرق ديك عجوز، بعد حشوه ب ...» أما عن المقيئات، فتمتلك خاصية إضافية، وهي أنها تهز المريض وتجعله يرتجف وينتفض، وسرعان ما أثارت هذه الهزة اهتمام الأطباء المتخصصين في علاج الجنون؛ نظرا لما تحدثه من إلهاء في «الاقتصاد الحيواني».
بدأ استخدام هذه الطرق العلاجية القائمة على الصدمة، قبل إقرار صورتها النهائية، منذ العصور القديمة (لدى سيلسوس، على سبيل المثال) ثم في القرون الوسطى. يشير أمبرواز باريه (1509 تقريبا-1590) - الأب الروحي للجراحة الحديثة - إلى إحدى الحالات التي تمت معالجتها بهذه الطريقة في الفصل الذي خصصه في مؤلفاته ل «سبل الشفاء المتنوعة».
7 «مؤخرا قام مريض يدعى جاسكون، مصاب بحمى حادة، وبالتهاب في الدماغ المصاحب لجنون الاهتياج إثر تدهور حالته، بإلقاء نفسه في الليل من نافذة بالطابق الثاني، فسقط على البلاط وأصيب بجروح في مواضع متفرقة من جسده. وقد استدعيت لتطبيبه، ووجدت أنه بمجرد أن وضع على السرير، بدأ يستعيد عقله وهدوءه وزال عنه جنون الاهتياج تماما.» وبخلاف «الملاحظة» العارضة، بدأت فكرة إحداث صدمة لغرض علاجي تشق طريقها نحو التطبيق. فقد أشار كولين في هذا الصدد إلى العقوبات البدنية. وقال ويليس: إنه في حالة الهوس، تكون الآلام والأوجاع أكثر فائدة من الأدوية والعقاقير. انطلاقا من هذا المبدأ، نجد من بين الوسائل المتبعة، التي كان القدماء قد أوصوا بها، الحمام المفاجئ والحمام الإجباري. في عام 1783، قام أحد القساوسة باستدعاء الطبيب؛ لأن الطاهية التي تعمل لديه مصابة بالجنون. لم تفلح مع حالتها العلاجات الكلاسيكية كالفصد، وعمليات التطهير وإفراغ الأمعاء بالمطهرات، والحقن الشرجية. وأمام نوبات الهياج والسخط التي تضاعفت، لم يجد الطبيب بدا من إلقاء المريضة في النهر المجاور، بعد ربطها أولا بحبل. وبالفعل، شفيت المريضة.
8
ثم بدأ الحديث يكثر عن حمامات البحر المرعبة: «كانت الحمامات البحرية رائجة، سواء في حالة الهوس أو رهاب الماء/داء الكلب. بيد أنها لم تكن تحدث سوى خوف يضر أكثر مما ينفع» (تعليمات 1785). كفى، فهذا كثير.
كان القرن الثامن عشر يعد رائدا باختراعه الصدمة الكهربية، في الوقت الذي كانت فيه الكهرباء قد تم للتو اكتشافها، فكيف لنا أن ننكر هذه الحقيقة؟ تلك الحظوة التي نالها «السائل الكهربائي»، والتي استحوذت على اهتمام المجتمع وانعكست بالتالي على الطب. في البداية، بدت حالات الشلل مؤهلة لتطبيق تلك الطريقة العلاجية عليها، بل وأيضا الأمراض العصبية والاضطرابات التي يصاحبها تشنجات. ولم تكن هناك إلا خطوة واحدة تفصل هذه الأمراض عن الجنون. بدأنا ب «كهربة» المريض بوضعه بالقرب من مصدر انبعاث شرارات،
9
ولكن نظرا لأن «هذه الحمامات الكهربائية» لم يكن لها تأثير كبير، فكرنا فيما بعد في «الصدمة الكهربائية». وقد نص منشور التعليمات الرسمي الصادر في عام 1785 على اللجوء إلى هذه الطريقة في حالات البله والهوس، «ولكننا ما زلنا لا نستطيع الاستشهاد فعليا بأي حالات عولجت بهذه الوسيلة.»
لنعد إلى العلاجات المفرغة، ماذا حدث للخربق؟ يبدو أن الاهتمام بعشبة أنتيسيرا الشهيرة أصبح من الآن فصاعدا أدبيا أكثر منه طبيا. بيد أن «تعليمات» 1785 نصت على استخدامه، ولكن ربما كان الدافع لذلك يتمثل بالأحرى في وجوب عدم إغفال أي شيء. لقد شكلت المطهرات التي توصف بجرعات عالية، خاصة في حالة السوداوية، إحدى طرق العلاج بالصدمة؛ نظرا لما تحدثه من هزة معوية عنيفة. بعد العلاجات المفرغة، كانت المهيجات أيضا مسئولة، ولكن بوصفها قرحا مفتعلة، عن إتمام عمليات التفريغ الصعبة. فقد كانت عمليات الكي، والخزامة، والقرح المصطنعة تسبب تقيحا أو طفحا بغية جذب الأخلاط الفاسدة، ومن ثم طردها خارج الجسم (لم يعد يشار إلى أبقراط إلا قليلا، ولكن مذهب البقراطية ظل سائدا). حين كان يعزى سبب الإصابة بالجنون إلى «فيروس نقيلي» [فيروس يعني إذن سما]، كان يتم في بعض الأحيان التلقيح بالجرب، اعتقادا بأن هذه التقنية من شأنها طرد نوع من السموم لسم آخر.
استطاعت المرطبات، المتوافقة أيضا مع نظرية الأخلاط البشرية، أن تفرض نفسها وتحتل مكانة متميزة على الساحة وتحقق فائدة أكثر من أي علاج آخر استخدم لمداواة الجنون في القرن الثامن عشر. كما يعد العلاج بالتبخير باستخدام المرطبات هو العلاج الذي نجح بامتياز في جميع حالات الجنون. وقد ورد هذا في الأطروحة التي قدمها الطبيب بيير بوم وحظيت بنجاح كبير في أواخر عهد لويس الخامس عشر.
Page inconnue