Histoire de la folie: de l'antiquité à nos jours
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Genres
بالإضافة إلى ذلك، كانت الأوضاع المادية سيئة؛ فقد عبر قصر فرساي عن استيائه من الأوضاع في مستودع روان، حيث يتم وضع المجانين دون سواهم في الحجرات، وهذا يعني أنه كان يتم أحيانا إيداع الجانحين الذين يقضون فترة عقوبة في الحجرات الخاصة بالمختلين عقليا، والأسوأ أنه لم يكن هناك تمييز فعلي بين الفئتين. تلقى مستودع بايون انتقادا عنيفا موجها من أحد قساوسة المدينة على النحو التالي: «يا سيدي [الخطاب مرسل إلى الحاكم]، هؤلاء البؤساء عراة، لا ينتعلون أحذية، ولا يرتدون جوارب، بل إن بعضهم لا يلبسون سترة ولا سروالا [...] حين تصيبهم الأمراض، يتعرضون لسوء المعاملة، ولا يتم إعطاؤهم الأدوية اللازمة» (1774). لم يقل الوكيل الموفد، وهو في الوقت ذاته مدير المستودع، شيئا مختلفا: «خلال زيارتي الأخيرة، لفت هؤلاء البؤساء المساكين نظري إلى العري البشع الذي يعاني منه معظمهم، وأروني الأفرشة القش والأسرة التي ينامون عليها وإذا هي ممزقة ورثة [...] كان يتم تجديد القش على الأقل من وقت لآخر للمجرمين العتاة.» في مستودع التسول الكائن بمنطقة الألزاس الإدارية (إينسيسهايم)، الكائن في مقر مدرسة ثانوية قديمة تابعة لليسوعيين (الذين طردوا من المملكة في عام 1764)، تبدو الأوضاع أقل ترديا؛ إذ كانت «حجرات المجانين مبنية من الخشب، وجيدة التهوية، وكانت كل حجرة تمتلك مراحيض خاصة متصلة مباشرة بالقناة المائية، مما لا يترك مجالا لانبعاث الروائح.» جاء هذا الكلام على لسان أحد المفتشين في أثناء قيامه بجولة. بدا له أن الطعام كاف وأثنى على عدد المواقد الكبير وأشاد به باعتباره «ترفا واضحا». ولكن ها هو مفتشنا في المستوصف. بطبيعة الحال، يقوم كل من الطبيب والجراح الذي يساعده بزيارات يومية وينهمكان في عملهما بنشاط بلا كلل، فيضمدان عددا لا يحصى من الجروح، ويجريان عملية تطهير هنا، وعملية فصد هناك، بيد أن المرضى يرقدون على الأسرة اثنين اثنين. كانت وحدة التمريض الخاصة بالرجال قذرة بشكل يثير التقزز، ومكتظة، ونتنة. وقد اختلط الحمقى المرضى مع الآخرين. «وسط المرضى يوجد شخص مصاب بالهوس، وقد امتلأ سريره بالقمامة [الفضلات]؛ مما قد ينجم عنه، ليس انتقال العدوى إلى جميع من في الغرفة فحسب، وإنما غالبا ما يقوم المختل، حين ينهض في منتصف الليل، بتلويث الأسرة المجاورة له بالقذارة التي كان غارقا فيها.»
في كل مكان، ونظرا لعدم الكفاية المالية المزمن، كانت المباني متداعية، وغير صحية ومكتظة. يقضي هذا الازدحام، باعتراف الحكام أنفسهم، على أي أمل في إعادة تأهيل المتسولين الأصحاء، على الرغم من أن ذلك كان الهدف الأول من إنشاء هذه المستودعات. ومن جديد، كما هي الحال في المشافي العامة، سرعان ما أصبح العاجزون والمعوقون والمختلون عقليا النزلاء الدائمين للمستودعات، من دون أن تكون لديهم أي إمكانية للخروج منها (نظرا لأنهم لن ينالوا الشفاء أبدا ولن تطالب بهم أي عائلة). في هذه الأثناء، أخلي سبيل ثلاثة أرباع المتسولين قبل انقضاء عام. وتسبب الاكتظاظ، وسوء التغذية، وقلة النظافة في ارتفاع معدل الوفيات بشكل مخيف: ففي الفترة ما بين 1768 و1789، من 20٪ إلى 30٪ من الأصحاء، و40٪ من العاجزين، وأكثر من 50٪ من الحمقى لقوا حتفهم في المستودعات.
تلك المؤسسات، التي كان ينظر إليها باعتبارها مأوى للهالكين، هوجمت في نهاية عهد النظام القديم من قبل من كانوا أنفسهم يتمنون تحويلها من حلم إلى حقيقة. استنكر لويس سباستيان مرسييه وجود هذا العدد الكبير من الفقراء المنافقين، والمخادعين والكسالى، ولكنه أدان بشكل خاص المستودعات. «إننا ندفنهم [أي المتسولين] بمنتهى الوحشية في منازل نتنة ومظلمة، حيث يتركون لحالهم. ثم سرعان ما تجعلهم عوامل مثل البطالة، وسوء التغذية، والإهمال، وتكدس رفقائهم في البؤس والشقاء؛ يختفون واحدا تلو الآخر.»
4
في عام 1780 نشر ملخص لعدد من الأبحاث التي تنافست على بحث مشكلة التسول.
5
كانت هذه الأبحاث تشير دائما إلى التسول باعتباره فعلا مذموما ومهينا، وقد اقترحت حلولا جذرية لهذه المشكلة بالرغم من أن العنوان الفرعي لهذا العمل يوحي بالحنو والعطف (من دون إتعاسهم). وفقا لما ورد في هذا الكتاب، يجب أن يعمل المتسولون المعاقون أيضا: «من لديه ساق واحدة فقط سيتم تكليفه بعمل يدوي، من لديه ذراع واحدة فقط سيكون قادرا على قيادة السيارات [...] حتى المكفوفون يمكننا الانتفاع بهم في شيء ما (تدوير عجلة على سبيل المثال). المعاتيه أنفسهم والمجانين، حينما لا يكونون في حالة هياج، يجب ألا يظلوا عاطلين.» لقد كانت المشافي العامة موضع شجب واستنكار. فهي تعد مكلفة للغاية، بالإضافة إلى أنها توفر مناخا يساعد على التسول بدلا من أن يقضي عليه. ولكن، ماذا نقول إذن عن مستودعات التسول؟ «في هذه المقابر البشعة، دفنا الآلاف من البشر أحياء؛ إذ إننا أمتناهم بهذه الوسيلة من أجل المجتمع [...] العديد من مستودعات الفقر لدينا هي صورة للجحيم.»
إن الصراع بين التسول والتشرد ليس على وشك الانتهاء وسوف تتوحد دفاتر التظلمات للتنديد ب «حقارتهما» وللمطالبة بقمعهما. كما لم تحل بعد مسألة مساعدة العاجزين والمختلين عقليا المعوزين، التي برزت في إثرهما. النقطة الوحيدة التي يتفق عليها الجميع هي أن من يتناولون هذه المسألة ليسوا في محل هؤلاء الأشخاص، سواء في المشافي العامة أو في مستودعات التسول. في الواقع، وحتى لا يتبقى لنا سوى المختلين عقليا (ولكن المشكلة ما زالت قائمة أيضا بالنسبة إلى المكفوفين على سبيل المثال)، فربما بدأت تتبلور فكرة تخصيص مآو لهذه الفئات.
الفصل الخامس
فكر الإصلاح
Page inconnue