Histoire de la folie: de l'antiquité à nos jours
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Genres
من المنطلق نفسه، سعى قصر فرساي فيما بعد إلى مكافحة «أوامر القضاة الخاصة»، والتي كانت تعد بمنزلة خطابات حقيقية مختومة صادرة عن النواب العموميين أو رؤساء البرلمانات. وقد جرى اعتقال العديد من المختلين عقليا بهذه الطريقة، كما حدث في الدور الصغيرة حيث كان للنائب العام لبرلمان باريس اليد العليا. بالطبع كان من شأن هذا الإجراء أن يوفر ضمانات جيدة. ومع ذلك، أثارت «هذه الأوامر الخاصة الصادرة عن القضاة» استياء قصر فرساي بشدة. في الرابع عشر من شهر ديسمبر 1757، قام كونت دي سان فلورنتين، وهو وزير الديوان الملكي، بتوبيخ حاكم منطقة روان الإدارية على النحو التالي: «إن جلالة الملك، إذ أحيط علما، أيها السيد، بأن الأشقاء في دار سان يون يذعنون للأوامر الخاصة الصادرة عن القضاة، ويستقبلون بناء على ذلك أبناء عائلات وآخرين لاحتجازهم بالقوة بحجة تلقي شكاوى من أهاليهم؛ يرى أن الحرية من أغلى وأثمن ما يملكه الإنسان؛ ولذا لا يحق لأي أحد أن يسلب رعاياه حريتهم خارج النطاق القضائي من دون أن يكون القضاء نفسه قد بحث بعناية الأسباب.» خلاصة القول أنه كان لا بد من الحصول على أمر ملكي دون سواه. بعد مرور أسبوع، دعي رئيس سجن سان يون للتوقيع على تعهد بهذا الشأن.
الدوافع
ولكن، من هو المجنون في نظر النظام القديم؟ أو بالأحرى ما الدافع الذي يؤدي في لحظة ما إلى صياغة طلب اعتقال؟ وما المساحة التي يحتلها الجنون في طلبات الاحتجاز؟ بالتأكيد، يحتل مساحة محدودة؛ بدليل أن العديد من المختلين عقليا كانوا من جديد يفلتون من التحقيقات. ففي نهاية المطاف، أولئك الذين ورد ذكرهم في السجلات المحفوظة لا يمثلون إلا الأقلية المضطربة والمزعجة على نحو مفاجئ. هذا من دون احتساب أولئك الذين كانت عائلاتهم تتدبر أمورها بشكل أو بآخر في التعامل معهم، عن طريق احتجاز المختل عقليا بصرامة في بعض الأحيان، وإخفائه دوما عن أعين الجيران. ولا ننسى أيضا أولئك الذين احتجزتهم أسرهم في بعض الأديرة بالاتفاق مع القائمين عليها.
لقد كان الجنون موجودا من قبل بصورة شبه دائمة. إليكم جون شاتيل، ذلك الرجل «المصاب بالجنون» منذ سبعة أو ثمانية أعوام. «لقد استسلم لمعاقرة الشراب وأثر ذلك على دماغه الذي لم يكن قط غنيا بالتفكير السليم.» بعد أن تخلت عنه عائلته منذ ثلاثة أشهر، أصابه «جنون ساخط» وألقي في السجن «حيث صار كالمسعور». وإليكم حالة جاك دولاراك «المختل عقليا» منذ عامين، استضافته أخواته «على أمل المساهمة في شفائه»، ولكن بدلا من أن تخف حدة جنونه، زادت. لقد «رفع سكينا» على أخواته. وها هي ماري ديزوبرديار التي دفع جنونها أسرتها إلى طلب اعتقالها في عام 1756، ثم ألغي طلب استصدار الأمر الملكي في أثناء سير الإجراءات؛ «لأنها أصبحت أكثر هدوءا». بعد ذلك بعامين، انتابت المريضة نوبات غضب عنيفة أكثر من مرة في الكنيسة؛ مما اضطر العائلة إلى تجديد إجراءات الاعتقال لسبب وجيه هذه المرة. أما فيما يتعلق بتلك المجنونة الفقيرة واليتيمة التي لم يذكر التاريخ لها اسما، بعد أن اندمجت بشكل جيد منذ عدة سنوات في مشفى بواتييه العام، حيث كانت تقوم بعمل نافع في المطابخ؛ إذا بها «تضايق المرضى بالمستوصف وتسيء معاملة الأخوات». في بداية الأمر، تم التعامل معها بصبر، ولكن بالتأكيد لم تستمر الحال هكذا، فلم يعد أحد يريد بقاءها: «لم نعد نريدها»، على حد تعبير أحدهم.
نذكر حالة أخرى تعود إلى عام 1778 وهي حالة القس دينيس لوازيل (كانت طلبات اعتقال الكهنة شائعة، ولكن في الحقيقة كانت أفعالهم وحركاتهم، وبالأحرى تصرفاتهم السيئة محل اهتمام عام). «ظهر عليه، في السنوات السبع أو الثماني الماضية، ضلال ذهني.» كان يعيش بمفرده مع خادمته، التي أنجب منها طفلا. لم يضع حدا للفضيحة إلا قرار التعيين الحكيم للقس في أبرشية باريس. ولكن «تملكته رغبة في العودة». وها هو لوازيل يعيش وحيدا في غرفة، وقد أعفي من تلاوة صلوات القداس اليومية، ويحضر مسيرات الزياح مرتديا القبعة على رأسه (وهو ما يعد سلوكا شائنا على وجه الخصوص)، ومطلقا شتائم ولعنات، ومدعيا أنه يقوم بإعطاء دروس دينية، لدرجة أنه كان لا بد في كثير من الأحيان من إلقائه خارج الكنيسة. «وغالبا ما كان يلقي عظة أخلاقية متفردة، أو لنقل بالأحرى عبرة صادرة من مجنون.»
يضاف إلى النمط الكلاسيكي للجنون الذي يعود تاريخه إلى سنوات عدة، ويتجلى فجأة في صورة نوبات انفعالية قد تشكل خطورة أو تضر بالنظام العام، جنون من نوع آخر تعود جذوره إلى فترة أبعد من سابقه، ويتمثل في ذلك الجنون الذي غالبا ما يكون هادئا وخاضعا تماما لسيطرة الأقرباء، إلى أن ينقطع رابط التضامن. يندرج تحت هذا الجنون قائمة أترابية طويلة تضم «البله»، والمعاتيه غير المؤذين، والمصابين بالصرع الذين ترعاهم نهارا وليلا أم أو أخت. وعند إصابة هذه بعجز أو موت تلك، يكون لدينا مجنون آخر للاحتجاز. كما حدث مع ماري آن لوجويكس، ذات الخمسة والأربعين عاما، التي كانت محبوسة في غرفتها منذ 14 سنة تحت رعاية والدتها، التي «استنفدت ثروتها سواء لتوفير نفقات رعايتها أو لشراء الأدوية من كل نوع؛ أملا في التخفيف من شقائها.» بيد أن الوالدة، حين بلغت من العمر 84 عاما، أصبحت طريحة الفراش، ولم يعد في وسعها الاعتناء بابنتها. هناك أيضا حالة أخرى تدعو للدهشة، وهي حالة «تلك الفتاة المعتوهة» البالغة من العمر 20 عاما، والتي كان يرعاها حتى هذه السن جدها الذي توفي للتو، فاقتادها أهالي قريتها حتى أوصلوها إلى مدخل مستشفى سان لو حيث تركوها هناك، مثلما كان يحدث في ذلك الزمان بالنسبة إلى الرضع الذين كانوا يتركون أمام الكنيسة. ونظرا لأنها لم تعرف ما هو اسمها ومن أين أتت ؛ ظلت المسكينة مزروعة في هذا المكان طوال اليوم حتى استقبلتها أخيرا إدارة المشفى. بعد مرور ثمانية أشهر (كان ذلك في عام 1786)، كانت لا تزال في المشفى. «إنها ليست مجنونة البتة، إنما بلهاء فحسب، [لكن] لا يمكن أن تمكث في مكان آخر غير المشفى.»
غالبا ما كان يرد الحديث عن معالجة طبية سابقة على النحو التالي: «وفرنا لها في المراحل الأولى كل المساعدات الممكنة تحت إشراف طبيب ماهر [...] ولكن دون جدوى.» نقرأ في موضع آخر: «لم تكن العلاجات مجدية.» يفسر ذلك سبب ارتفاع متوسط أعمار المرضى لدى دخولهم؛ إذ يبلغ 30، بل 40 عاما.
في جميع الأحوال، يمكن أن تتلخص نقطة الانتقال الحرجة إلى عالم الاعتقال في العبارات التالية، كانت دائما تستخدم: «لا تسمح له حالته بممارسة حريته»، أو «إنه (إنها) غير قادر (قادرة) على امتلاك زمام نفسه (نفسها).» أما إن أردنا، فيما وراء ذلك، إجراء دراسة تصنيفية لدوافع الاعتقال، يجب أن نستبعد أولا الجنون الخطير الذي غالبا ما يمثل الذريعة الأساسية (في أكثر من 50٪ من الطلبات). هناك ذلك الصياد البحري، المدعو جون بيير ميفل، والذي كان مجنونا ولكنه ليس ماكرا، وقام في عام 1787 بجرح أحد أنسبائه بضربة مجداف. وهناك شارل لوفير، الذي تسبب، في عام 1754، في إصابة زوجته بجرح بالغ إثر إطلاق النار عليها في نوبة جنون، كما أطلق الرصاص على معلم بالمدرسة. بل إن بينيل نفسه أصاب زوجته بجرح «نازف»، وقيل عنه إنه: عندما تتملكه نوبات الهياج والغضب، لا يمكن إحصاء أفعاله العنيفة؛ فقد جرح حصانه بضربة منجل، وقتل خنزيرا مملوكا لأحد الجيران كان قد اشتبه في رغبته في أن ينهب حقله المزروع حنطة سوداء، وهدد شقيقته وكذلك أحد الحجاب بالقتل. كما هدد أيضا بإضرام النيران في كوخه وهو ما أثار بالأكثر مخاوف سكان القرية فتحالفوا على الإمساك به واعتقاله . نقتبس: «نعلم أنه مختل بما يكفي لينفذ ما هدد به.» في الحقيقة، الآثار التي يحدثها ليست ذات قيمة كبيرة، ولكن المنازل المجاورة ستتعرض لخطر، ومع انتقال النيران من منزل إلى آخر ، قد يؤدي ذلك إلى إحراق القرية بأكملها. نذكر حالة أخرى لمجنون أكثر مرحا ولكنه دفع الرعية إلى تقديم عريضة التماس لاعتقاله؛ لأنه «يريد أن يشعل النيران في القرية للاحتفال بعيد القديس يوحنا». لقد كان الحريق واحدا من أهم بواعث القلق لدى النظام القديم، وكان ينظر إلى المختلين عقليا الهائمين على وجوههم باعتبارهم مشعلي حرائق محتملين. بعضهم أشعلوا النيران في منازلهم، ولا يهم الجيران إن كان فعلا متعمدا أم حادثا عرضيا بما أن النتيجة واحدة في الحالتين. آخرون كانوا يشعلون أتنا حقيقية في أراضيهم المسورة أو يتجولون ليلا في مخازن الغلة وفي العلالي وهم ممسكون شمعدانا في أيديهم. ماذا نقول إذن، حين نضيف إلى ذلك أن الحمقى كانوا يهددون بإحراق منازل أولئك الذين يحاولون التصدي لتصرفاتهم الجنونية الشاذة، أو معارضة أفعال السلب والنهب والتخريب التي كانوا يقومون بها!
إلى جانب عنف بعض المجانين الذين تخطوا مرحلة القول إلى مرحلة الفعل وهم قلة في النهاية، هناك مجموعة ضخمة ممن يمارسون العنف المحتمل ويركضون، نهارا وليلا، في كل مكان، يصرخون، ويسبون ويهددون بقتل أقاربهم. وقد أضاف أحد هؤلاء المجانين، الذي كان يهدد بصورة منتظمة بإزهاق روح القس، أنه لا يخشى العدالة؛ لأن الناس لا يكفون عن القول له أنه مجنون. وذاك آخر كان يتجول دائما ممسكا فأسا في يده. أيتعين أن ننتظر (يجادل أولئك الذين يسعون إلى استصدار أمر ملكي) هذا المخبول حين يقتل أحدا لكي نحرك ساكنا، بينما سبق له أن هدد زوجته رافعا عليها الفأس وهشم نافذته في أثناء إحدى النوبات؟ كانت فورات الغضب التي تنتاب الحمقى غالبا ما تدفع الجيران إلى تقييدهم. نقرأ في أحد المواضع: «لقد كنا مجبرين على ربطه إلى السرير.» وفي موضع آخر: «لقد قيدناه بالجنازير في مخزن الغلة.» كان بعض الحمقى يقومون بتمزيق أربطتهم، وآخرون يلقون أوانيهم من النافذة. نشير في عام 1737، إلى حالة المدعو فران، الذي كان مسالما إلى حد بعيد ولكنه مثير للقلق أيضا، والذي أدت خسارته للعديد من الدعاوى القضائية «إلى المساهمة بقدر لا يستهان به في إصابته بخلل عقلي». فقد انزوى في منزله، ولم يعد يخرج منه، وزينه بملصقات شائنة ضد جميع أولئك الذين يريدون إلحاق الأذى به، وهم كثر. وكان يتزود بالمؤن من خلال النافذة عن طريق تدلية كيس إلى أسفل ثم جذبه إلى أعلى وكان يدفع ثمن مشترياته عبر فتحة في الباب. يقال: «إنه كان دائما مسلحا وكان يخشى أن يقدم في لحظة يأس على ارتكاب أي فعل يضر بنفسه أو بغيره.»
يشكل المختلون عقليا الانتحاريون فئة على حدة؛ إذ يعانون من الاضطهاد، ويكونون فريسة للهلاوس، والهذيان والأوهام من كل نوع، وقلة في الواقع هم من كانوا يفشلون في محاولة الانتحار، سواء بإلقاء أنفسهم من النافذة أو بالشنق أو بالغرق. هناك أيضا «القطع» (على حد تعبير وكيل موفد)، مثل ذلك التاجر من روان الذي قطع عنقه مستخدما موسى الحلاقة الخاص به، ثم نجا من الموت، وجرى تضميد جراحه ومعالجته، وانتهى به المطاف إلى إلقاء نفسه من النافذة بعد مرور ثلاثة أسابيع وكتب له هذه المرة عمر جديد أيضا. ليست هناك حاجة على الإطلاق لتكرار واقعة مماثلة لتبرير الاعتقال.
Page inconnue