Histoire de la folie: de l'antiquité à nos jours
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Genres
وفيما يتعلق بمسألة معرفة إن كانت مثل هذه الممارسات تؤتي ثمارها في بعض الأحيان أم لا، نجد أن المجلدات التي تضم معجزات هذا العصر تؤكد حدوث معجزات شفاء متكررة؛ ففي «السجل التاريخي» لمعجزات الشفاء، الذي تحتفظ به الكنيسة بعناية، تحتل الأمراض العقلية المرتبة الثالثة - بعد الشلل والعمى - في قائمة معجزات الشفاء. وتكون نسب حدوث الشفاء عالية إذا كان المرض غير متوطن بالجسم منذ زمن طويل. وتكثر القصص التي تحكي عن الحالات التي حدثت معها هذه المعجزات الشفائية، والتي تعد بمنزلة قدوة صالحة للغير، وقد ذكر في بعض هذه القصص أن المريض كان ينال الشفاء أحيانا وهو في طريقه إلى مزار القديس. فعلى سبيل المثال، نجد مجنونا ساخطا يصبح فجأة هادئا. وها هي «شابة مجنونة هائجة»، كانت تجدف في أثناء دخولها إلى الضريح، ثم لمستها النعمة فطفقت تصلي فجأة عند سفح قبر القديس صانع المعجزات. أما إذا تتبعنا مصادر أخرى غير تلك المتعلقة بسير القديسين، فسنجد أن الأمور لم تكن بالضرورة تسير على ما يرام؛ فها هو بيير ناجو، من مدينة كاين، ذلك المريض الذي تم اصطحابه في عام 1384 إلى دير القديس سيفيه حتى يقضي به تساعية، وقد ذكر عنه أنه «ظل مربوطا لمدة تسعة أيام، وكان يصرخ ويصيح لدرجة أنه لم يكن ممكنا أن ينعم أي إنسان بالهدوء والراحة في الدير المذكور طوال مدة إقامته به، ورغم ذلك لم ينل هذا المجنون الشفاء قط ولم تتحسن حالته، بل على العكس، زادت حالته سوءا وبدأ يقوم بتصرفات جنونية لم يكن يفعلها من قبل .»
4
إقصاء
وبعيدا عن واجب المساعدة والمحبة تجاه المجانين ، أو بالأحرى قبل التطرق إلى هذا الموضوع، لا بد أن نتساءل كيف كان المجتمع، في العصور الوسطى، يتعامل معهم فيما يتعلق بشئون الحياة اليومية. من المرجح أنه في الأوساط التي يغلب عليها الطابع الريفي، كان هناك قدر من التسامح أو التساهل النسبي في التعامل مع الحمقى، والبله
crétins (وهي مشتقة من كلمة
chrétien ؛ أي «مسيحي») والأغبياء
benêts (مشتقة من كلمة
béni ؛ أي «مبارك»)، وذلك استنادا إلى تعاليم الإنجيل (طوبى للمساكين بالروح)، ولا سيما امتلاك المجانين القدرة على القيام ببعض الأعمال الموسمية؛ مما جعل المؤرخين يعتبرون حقبة العصور الوسطى بمنزلة العصر الذهبي للجنون. ولكننا لا نملك التيقن من صحة هذا القول.
ولا يتعلق الأمر بالخوف من المجنون، وإنما باحتياجه إلى الرعاية، وبضرورة مراقبته عندما تتجاوز أعراض مرضه حد القصور النفسي والعقلي لأولئك الذين يطلق عليهم «المساكين بالروح». وتعد عائلة المجنون، أو مجتمع الأهالي الذين يعيش بينهم إذا كان وحيدا، مسئولة عنه مسئولية مدنية، في حالة شروده أو تركه هائما على وجهه، مثل الحيوانات التي يقارنه القانون العرفي بها إلى حد كبير، ولكن مع فصل أحدهما عن الآخر بالطبع. وتجدر الإشارة إلى أن المجنون، حتى وإن لم يكن بالضرورة خطيرا، قد يرتكب عمليات تخريب أو سلب ونهب، وقد يخل بالأمن العام، أو يزعج الآخرين على أقل تقدير، حتى إن بعض الأقوال المأثورة في العصور الوسطى تشهد على ذلك؛ فنجد مثلا: «من المجنون، لا بد من أن نحترس»، أو «في اليوم الجيد، تخلص من المجنون.» كما كان المجنون بمنزلة متنفس لأفراد المجتمع. فبعيدا عن تعاليم الإنجيل، كان الناس يسخرون منه والأطفال يركضون وراءه، هذا إن لم يقذفوه بالحجارة؛ مما يقلب الآية التي كانت سائدة في العصور القديمة، حيث كان المجنون هو من يقذفهم بالحجارة، أما في العصور الوسطى فأصبح الناس هم الذين يطاردون المجنون، (ولكن، هل هناك احتمال في أن يكون الاثنان مجانين؟)
وهكذا، نجد أن المجانين على اختلاف أنواعهم - سواء أكانوا هائجين أم خائري القوى، يمارسون العنف أم لديهم نزعة للانتحار، مخربين ومشعلين للحرائق أم وقحين (لم يكن هناك اهتمام بتشخيص نوع الجنون، بقدر ما كان يهم مراقبة السلوكيات الناجمة عنه) - كان يجري حبسهم واحتجازهم من قبل عائلاتهم، سواء بشكل مؤقت أو بشكل دائم، إما في زاوية بالإصطبل، وإما في حجرة صغيرة رتبت على عجل تحت سلالم مخزن الغلال، وإما في كوخ صغير في آخر الحديقة. وإذا كان أحد الأقارب (ذلك أن العائلات كانت أكثر عددا فيما مضى) يمتلك المال اللازم، فقد كان يعهد بقريبه المجنون إلى إحدى الجماعات الدينية. وتخصصت الأديرة البنديكتية في قبول الحالات المماثلة. وبعضهم كان يعيش بمفرده في مسكن متداع أو كوخ حقير بعيدا عن القرية؛ حيث كانوا يعيشون على السرقة والنهب بدلا من استجداء المعونات والمساعدات الخيرية. وبطبيعة الحال، لا نجد في السجلات المحفوظة أي تعداد لأولئك المجانين. هل كان عددهم كبيرا؟ على الأرجح لا، ولكنهم كانوا موجودين بالفعل.
Page inconnue