213

Histoire de la folie: de l'antiquité à nos jours

تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا

Genres

13

لم تكن الرواية في حد ذاتها تقدم شيئا هاما. وكان المؤلف أندريه توركيه (اسمه الحقيقي) كتب عدة مسودات من قصته، وفي إحداها تدور أحداث الرواية على ظهر سفينة أشباح، وفي النهاية كان مسرح الأحداث هو المصحة؛ حيث يشارك القارئ فشل البطل. أهو مجنون؟ في جميع الأحوال، إنه يشعر بأن هناك «قوة معادية» تسكنه، كما يظهر في نص الرواية المكتوب بصيغة المتكلم؛ حيث تتجلى باستمرار ازدواجية شخصية البطل. ولكن وعيه ويقظته انتهيا بأن تحول الأطباء والممرضون إلى متهمين. فالطبيب بيدهوم - الشرير قبيح الشكل - انتهى بأن أصبح هو نفسه مجنونا في أجمل مشاهد الرواية على الإطلاق. في قاعة العلاج بالمياه، حيث أوشك فيلي - البطل - على الموت غرقا تحت عنف دفقات المياه، أثناء جولة الطبيب بيدهوم الذي يملك ما يكفي من النفوذ ليعطي الممرضين أوامر بالعمل: «أعطوه دفقة صغيرة كالطفل! احترسوا؛ فعظام كتفه رقيقة! أمطارا قليلة! لا أحد يطلب منكم طوفانا!» انتهى الأمر بفيلي بالفرار، وانتهت الرواية - التي ازداد اختلاطها - كأنها رواية حب ومغامرات في أعالي البحار. نتعجب عندما نتخيل أن كبار الكتاب في ذلك الوقت (ويسمانس وميربو وليون دوديه) قد تحمسوا لمثل هذا الكتاب! ولكن ما يهمنا هنا هي الرؤية الشديدة القتامة التي تقدم عن مصحة الأمراض العقلية. لا! فالمصحة لا تشفي بالطبع.

يزداد الجو قتامة في رواية «مدينة المجانين - ذكريات عن سانت آن»، وهي سيرة ذاتية لمارك ستيفان (مارك ريتشارد) ظهرت عام 1905.

14

كان المؤلف مدمنا للمورفين، وتم احتجازه لمدة ثلاثة أشهر بمصحة سانت آن، ويروي رحلته داخل هذا الجحيم الفردي والجماعي. إنه سجن يرتدي فيه الناس الثياب البيضاء، و«فيه يتم تعذيب بقايا البشر البائسين بكل وقاحة على يد مجموعة من المخابيل مدمني الخمور أو مجموعة من مدعي العلم، الذين تدل حركاتهم الجنونية غير المتماسكة على أنهم أول مرضى للاعتلال العقلي داخل المصحة.» إنه مكان لا سبيل للخروج منه ...

ونجد بشكل واضح نفس الجو في رواية «الغرفة رقم 6» لتشيكوف، الذي كان طبيبا قبل أن يتفرغ بالكامل للعمل الأدبي. وفيها أيضا نجد الجحيم والفزع. جاء طبيب جديد ليغرق في البداية في حالة من اللامبالاة (لم يعد يذهب للمستشفى كل الأيام)، حتى لمسته إنسانية مريض عقليا مصاب بهلاوس الاضطهاد. وعبر محادثات طويلة، بدأ ينغمس هو الآخر تدريجيا في الجنون حتى انتهى به المطاف في النهاية إلى الاحتجاز في الغرفة رقم 6. «وفجأة، وفي عمق هذه الفوضى، ظهرت داخله وبطريقة عاصفة فكرة مفزعة لا تحتمل، بأن هناك ألم شديد يرزح تحته هؤلاء الرجال منذ أعوام يوما بعد يوم، حتى بدءوا يشبهون الظلال السوداء تحت ضوء القمر. كيف استطاع طوال العشرين عاما الماضية ألا يعرف أو حتى يرغب في المعرفة؟»

في منتصف القرن العشرين، جاء أيضا ذكر الرواية الوثائقية لأندريه سوبيران، والتي ذكرنا بضعة مقاطع منها قبلا. ويفسر مؤلف رواية «الرجال ذوو الثياب البيضاء» الأسباب التي قادته كطبيب إلى استكشاف عالم المصحات النفسية. وانطلاقا من مرضى الاعتلال العقلي المجرمين، توصل إلى ملاحظة المرضى الآخرين المسالمين «الذين يستحقون عن جدارة كل الشفقة، بل وكل الاحترام مثل أولئك الذين يعانون أمراضا جسدية»؛ فهم «محبوسون ومكدسون، وفوق ذلك مجردون من كل شيء حتى من كرامتهم.» «فعندما نفرض على سفينة حجرا صحيا لأنها تحمل مرضى معدين، لا يجرؤ أحد أن يدعي أن هذا لرعايتهم.» ويذكر الطبيب سوبيران ما يسميه «الموت الروحي الطويل في وسط الجهل واللامبالاة العامة داخل مؤامرة من الصمت المطلق.»

ويجب أيضا ذكر هيرفيه بازين لروايته التي تشبه السيرة الذاتية «الرأس يضرب الحائط» المنشورة عام 1959 وأيضا لتحقيقاته المرعبة حول مصحات الأمراض العقلية التي أجراها خلال الخمسينيات. وهناك العديد من الكتاب الآخرين، ولكن ليس من العدل أن نعتقد أنه خلال العقد الذي تلا الحرب العالمية الثانية لم يكن إلا الأدب الذي أعلن سخطه إزاء مؤسسة مصحات الأمراض العقلية التي فقدت مصداقيتها بالكامل. فهناك الكثير من الأطباء النفسيين - الذين تأثروا بالأعوام السوداء للاحتلال والذين كانوا يخوضون على الأرجح معارك سياسية أو نقابية - كانوا أول من نددوا بالمؤسسة كلها. والمثال على ذلك الطبيب لوسيان بونافيه - الذي التقيناه قبلا أثناء الحديث عن مرضى الاعتلال العقلي الذين ماتوا جوعا خلال فترة الاحتلال الألماني - المناضل لصالح «طب نفسي يبعد عن الطب العقلي»، منددا في مجلة «عقل» بالظروف التي يحيا فيها عشرات الآلاف من مرضى الاعتلال العقلي ممن يعانون من «وضع أبعد ما يكون عما توصلت إليه المعارف الطبية في هذا المجال، بل ويعانون من قسوة لا تغتفر.»

15

في هذا العدد من المجلة الصادر بتاريخ ديسمبر 1952 حول موضوع «مأساة الطب النفسي»، كتب هنري إي: «عندما نعتبره (المريض) «إنسانا آليا» (يستخدم إي بعد ذلك صورة «المريض الآلة»)، يرفض الجميع أن يقارنوا به أو أن يضعوا أنفسهم مكانه بهذه الآلية المتفجرة، يكون الأمر خطيرا ومقلقا، فالجميع بدءا من طبيب الأمراض العقلية وحتى المشرع، مرورا بالأقارب والعائلة والأصدقاء والممرضين، إنما هم موجودون لإقصائه بعيدا عن المجتمع وحرمانه من دليل إنسانيته.»

Page inconnue