Histoire de la folie: de l'antiquité à nos jours

Sara Rajai Yusuf d. 1450 AH
194

Histoire de la folie: de l'antiquité à nos jours

تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا

Genres

يبدأ التأريخ للقرن العشرين بعد الحرب العالمية الثانية. وفيما يتعلق بتاريخ الطب النفسي، نتساءل بالفعل أليس من الأفضل اختيار الحرب العالمية الثانية كنقطة قياس لمصير مرضى الاعتلال العقلي خلال الحرب، باعتبارها ليست بداية لعصر جديد وإنما نهاية لعصر مضى؟ فلا يوجد اليوم جدل ضخم حول الجنون، ولا حتى بين المتخصصين. وكأنه أصبح أمرا عاديا، قلت أهميته وسط المشهد الاجتماعي الهش، في الوقت الذي تراجعت معه أهمية الطب النفسي نفسه (وسنعود لهذا الأمر في نهاية هذه الدراسة). إلا أن النخبة المثقفة عادت من جديد لتبدي ولعا بقضية ارتفاع نسبة الوفيات بين مرضى الاعتلال العقلي المحتجزين في فرنسا أثناء فترة الاحتلال الألماني. وتوالى فيضان من المؤلفات والمقالات والبرامج والندوات والمواقف، بل وظهرت عريضة تطالب فرنسا بإعلان أسفها، وكان الجميع يندد منذ عقدين بما عرف ب «الحل النهائي» لمرضى الاعتلال العقلي خلال أعوام الحرب. أما عن المؤرخين النادرين الذين حاولوا التطرق لهذه الأطروحة الخطيرة، فسرعان ما تم اتهامهم بأنهم عملاء لحكومة فيشي. ولكن يجب الانتباه للكلمات ومدى تضخمها؛ لئلا نقلل من شأن الأمر في الوقت ذاته. «في كثير من الأحيان تحل الكلمة محل الشيء نفسه، الذي يذهب هو أدراج الرياح» (جيد). وسنسعى إلى إماطة اللثام عن مثل هذا الموضوع . ولكن قبل التطرق إليه بكل سكينة، ينبغي أن نعرض أولا كيف كانت إبادة مرضى الاعتلال العقلي في ألمانيا وقت الحكم النازي.

عند وصول هتلر إلى السلطة، كان علم تحسين النسل مقبولا بدرجات مختلفة في شتى أنحاء العالم الغربي. وكان يهدف إلى تحسين وحماية «السلالة» (لفظ آخر كان مقبولا للغاية في ذلك الوقت)، على نحو إيجابي عن طريق تحفيز إنجاب من هم أكثر كفاءة، ولكن أيضا بطريقة «سلبية»؛ حيث «يعيق نمو غير الأكفاء»، ومن بينهم كان هناك المتأخرون عقليا ومرضى الاعتلال العقلي. كانت الولايات المتحدة من رواد هذه الحركة، خاصة من خلال عمليات التعقيم الإجباري لهم. إلا أن الموانع الديمقراطية والتشريعية وأيضا الرأي العام كان لها دور في الحد من هذه الممارسات. ولقد حظرت بريطانيا كل هذه الإجراءات. وكذلك فرنسا، على الرغم من وجود تيار مؤيد لتحسين النسل يتزعمه ألكسيس كاريل - الحائز على جائزة نوبل في الطب عام 1912 - الذي كان يدعو إلى منح «سلطة للأطباء» بموجبها يكون للكائنات «الموهوبة وراثيا وبيولوجيا ضرورة للاندماج مع كائنات لها الخواص العليا نفسها.» كان هذا هو الحلم المجنون والمؤسف، بلوغا إلى نتائجه مع برنامج «ليبينزبورن» داخل المنطقة الوقائية. وإلى جانب هذا التحسين «الإيجابي»، يوجد التحسين «السلبي». عام 1935، نشر كاريل «الإنسان، هذا المجهول»، والذي باع أكثر من عشرين ألف نسخة حتى عام 1939. «لا تزال قائمة تلك المشكلة الخاصة بالجموع الهائلة من العاجزين والمجرمين. ولقد أصبحت تكاليف السجون ومصحات الأمراض العقلية - لحماية العامة من اللصوص والمجانين - باهظة كما نعلم. ولقد بذلت الدول المتحضرة مجهودا ساذجا في سبيل الحفاظ على كائنات غير مفيدة وضارة، فغير الطبيعيين يعيقون تطور الطبيعيين. فلماذا لا يتعامل المجتمع مع المجرمين والمجانين بطريقة أكثر اقتصادية؟ [...] فمؤسسة للموت الرحيم مزودة بأنواع الغازات الملائمة التي تتيح التعامل معهم بطريقة اقتصادية وإنسانية. أوليس من الممكن تطبيق الطريقة نفسها مع المجانين الذين ارتكبوا أفعالا إجرامية؟ [...] وأمام هذه الضرورة، يجب أن تختفي جميع الأنظمة الفلسفية والأحكام المسبقة العاطفية.»

وبسبب هاجس «اختفاء السلالة» (فولكستود)، شرعت ألمانيا النازية في تطبيق سياسة طبية بيولوجية تبدأ بعمليات تعقيم مكثفة بقرار من «محاكم صحية» حقيقية. ولقد أجبر على الخضوع لقراراتها حوالي مائتي ألف شخص من ضعاف العقل ومائة وخمسين ألف مريض عقليا أو مريض بالصرع محتجزين داخل المصحات، بالإضافة إلى المعاقين بدنيا، بل وأيضا الصم وفاقدي البصر لأسباب وراثية. ولقد ساهمت حركة النازية الطبية - التي تجمع بين الحماس لنظريات تحسين النسل والإرهاب الموجه لمن يريد الإبقاء على منصبه - في الوصول إلى مدى بعيد من هذه السياسات بلوغا إلى «الموت الرحيم»؛ أي إلى القتل الطبي المباشر.

27

لم تكن الفكرة جديدة، ولا سيما أنها تستند إلى كتاب بتاريخ 1920 «الحق في القضاء على الحياة التي لا تستحق أن تحيا .» وكان مؤلفا الكتاب جامعيين بارزين؛ أحدهما قانوني والآخر طبيب نفسي.

في عام 1937، أثناء اجتماع الحزب، أعلن هتلر: «إن أعظم ثورة حدثت في ألمانيا هي تفعيل المبادرات المنظمة التي تستهدف تحسين النسل وصحة الشعب، بل وحتى تكوين الإنسان الجديد.» إلا أنه لم يتحدث قط علانية عن إبادة المتأخرين عقليا أو مرضى الاعتلال العقلي. ولم يكن الرأي العام ولا الأطباء والكنائس مستعدين لهذا الأمر، على الرغم من أن عمليات التعقيم كان مصرحا بها. ولكن، ابتداء من عام 1933، تقلصت القروض الموجهة إلى المصحات النفسية جذريا، وسرعان ما أصبحت في وضع حرج. كان هذا يهدف لتشجيع الأطباء والممرضين على عدم رعاية مرضاهم. وشهد الشعب إذاعة «أفلام تسجيلية» تظهر مرضى معتلين عقليا من ذوي الحالات الصعبة. وكان الإعلام النازي يريد أن يبين عدم جدوى بقائهم على قيد الحياة، منددا بكونهم يحيون في «قصور» مقارنة بالمنازل المتواضعة للعمال الذين يكدون ويعملون. في الوقت ذاته، كان أساتذة تحسين النسل (في كل جامعة كان هناك كرسي أستاذية في هذا العلم) ينشرون هذه النظريات القاتلة. ويشير الأستاذ إتش دبليو كرانتز إلى ضرورة التخلص من ما يقرب من مليون «كائن أدنى».

كان هتلر في انتظار الحرب؛ حربه. فلم يكن الأمر يقتصر فقط على انتظار شيء يلفت انتباه الرأي العام، ولا حتى ظروف استثنائية تتماشى مع هذه الإجراءات الاستثنائية . ففي المنطق النازي الطبي، يجب تعويض الانتخاب السلبي للسلالة (الجنود الذين يلقون حتفهم على الجبهة) بحركة تحسين جذري للنسل (القضاء على كل من لا يستحقون الحياة). وخلال عام 1939، بعد أن اعتمدت خطط الحرب، دعيت مجموعة صغيرة من الأطباء النازيين إلى اجتماع أقرت خلاله برامج الموت الرحيم لمرضى الاعتلال العقلي. ولقد سهل من انطلاق البرنامج الطلبات التي كانت تقدمها العائلات التي لديها أطفال يعانون من إعاقات شديدة. ولقد تابع هتلر شخصيا أول عملية موت رحيم لطفل صغير كفيف ومشوه ومصاب بالبله التام. وكان يجب أن يصنف الأطفال الذين سيلاقون ذات المصير من المشوهين أو ضعاف العقول منذ ولادتهم. ويتم «العلاج» بواسطة الحقن بالباربيتورات أو المورفين. وفي شهادتها أمام محكمة نورمبرج، قالت ممرضة: «كان الجميع يتحدثون عن الأمر، حتى الأطفال. كانوا جميعا يخافون من الذهاب إلى المستشفى؛ خوفا من ألا يعودوا من هناك.»

28

وفي خريف عام 1939، قرر المكتب الثاني لمستشار الرايخ أن تمتد عمليات الموت الرحيم إلى البالغين، تحت اسم «البرنامج تي4». كان على المصحات العقلية الألمانية والنمساوية أن تسجل كافة المرضى المصابين بالفصام والصرع والخبل والخرف والشلل العام، أو أي مرض بسبب الزهري أو البله، أو أي إصابة عصبية ميئوس من علاجها. وإلى هذه القائمة، يضاف أي مريض عقليا محتجز منذ ما يزيد عن خمسة أعوام، وبالأحرى أي مريض عقليا محتجز على إثر ارتكابه جريمة أو جنحة. جرى إعداد ستة مراكز للإعدام، مزودة بغرف غاز تبدو كحمام عادي وبأفران للحرق. وكان يختار طاقم العمل بناء على مدى الثقة فيهم سياسيا وليس مدى كفاءتهم الطبية. لم يتم ذلك بموجب قانون، فقد كانت عمليات نقل و«علاج» المرضى تتم خفية. وتكون مهمة الأطباء في «مراكز الرعاية» اختراع سبب طبيعي «للعلاج» يسجل في شهادة الوفاة. وبلغت المهزلة حد إرسال صندوق المتوفى إلى الأسر، وإخفاء المقابر الجماعية في صورة مدافن فردية. أما عملية القتل الطبي، فلم يكن من الممكن القيام بها إلا في إطار طبي وتحت إشراف طبيب. فيذكر مدير مكتب المستشار: «يجب أن يمسك الطبيب بالحقنة.» ويشهد أحد أطباء البرنامج: «تخيلت أنه سيكون هناك إجراء فردي [...] أي واحدا واحدا. ولكن لا [...] كان عملا بالجملة [...] أعتقد أنه من الناحية الإنسانية هناك فرق بين الاهتمام بشكل فردي بالشخص الذي سيخضع لمثل هذا الإجراء وبين [...] القيام به بصورة جماعية.»

29

Page inconnue