Histoire de la folie: de l'antiquité à nos jours
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Genres
25
وأخيرا، كان إيميل كرابلين (1856-1926) هو الذي قدم - عام 1899 في «بحث في الطب النفسي» - مصطلح «ذهان الهوس الاكتئابي».
لم يكن جنون العظمة ليستقر من أول وهلة. ولأكثر من قرن، ظل المصطلح - الذي وضعه الألماني فوجيل عام 1772 - مرادفا للجنون المصحوب بهذيان في ألمانيا، قبل أن يوضع تعريف للهذيان المنظم غير المصحوب بخيالات (مندل 1881). كان كرابلين أول من وضع تعريفا لجنون العظمة (بارانويا) أكثر تحديدا وقدرة على الاستمرار: «نظام هذيان محدد ومستمر يستحيل زعزعته، يتكون مع الاحتفاظ الكامل بوضوح الذهن وترتيب الفكر والإرادة والفعل.» في بداية القرن العشرين بفرنسا، انبثق منه مفهوم «الشخصية المريضة بجنون العظمة» الأقل تنظيما وحدة، والتي تتميز بتضخم الذات وعدم الثقة بالآخرين وعدم صحة الأحكام التي تصدرها. ومن جانبه، يصف إرنست كريتشمير (1888-1964) شكلا محددا من جنون العظمة، وهو «جنون العظمة الحسي»، يظهر لدى الأشخاص الضعاف الذين يميلون إلى الخجل والشك، ويؤدي إلى الإصابة بهلاوس الاضطهاد (المضطهد-المضطهد). ويؤسس كريتشمير علاقة ترابط كاملة بين الشكل البنيوي للفرد وأنواع الذهان الكبرى «الداخلية» (التي تحدث بدافع من الشخص نفسه المصاب بها، بغض النظر عن البيئة المحيطة به). كما نشر عام 1929 كتاب «العباقرة»؛ حيث يشدد فيه على الدور الإيجابي لاختلاط الأجناس . ولرفضه أي ضغط خارجي، استقال كريتشمير من منصبه كرئيس للجمعية الألمانية للطب النفسي الباثولوجي عام 1933 بمجرد وصول النازيين إلى السلطة. ووافق كارل يونج - الذي سنتحدث عنه لاحقا - على تولي المنصب من بعده.
يتبقى أهم أنواع الذهان: الذهان الذي يتطور من الخبل المبكر ليؤدي إلى الفصام. ولقد جاء متأخرا لقائمة تصنيف الأمراض، ولكنه سرعان ما انضم إليها. منذ عام 1832، لاحظ بنيديكت أوجستين موريل أن مشفاه يضم «عددا ضخما من الشباب من الجنسين مصابين بالخبل المبكر، وأن الشائع بين المرضى هو هذا الخبل الشبابي الذي أصبح يستخدم مثله مثل الخبل الذي يصيب المتقدمين في العمر.» وفي «بحث حول الأمراض العقلية» (1860)، قرر استخدام مصطلح «الخبل المبكر». وتماما مثل ذهان الهوس الاكتئابي، فهذا النوع أيضا يعد من الذهان الداخلي، الذي يمكن تعريفه بكونه «حالات مرضية مختلفة تطرأ بعد إصابة قوية للحياة العاطفية أو للإرادة، تتطور تدريجيا حتى تصل إلى التفكك التام للشخصية التي تأخذ شكلا أكثر عجزا» (بوستيل).
في ألمانيا، نشر كارل كاهلبوم (1828-1899) عام 1863 «تصنيف الأمراض العقلية»؛ حيث وصف مرضا عقليا جديدا ينتهي سريعا بالخبل، ويبدأ في الظهور في مرحلة البلوغ؛ ولذلك أسماه «العجز العصبي» (جنون الشباب). وبعد عدة أعوام، وصف كاهلبوم حالة من «الذهول» تصاحبها أعراض حركية، أسماها «جنون التوتر» أو «زيادة توتر العضلات». وبعد عشرين عاما، وضع كاهلبوم استنتاجا واسعا يستند إلى فكرة أن الطابع التطوري «للحالة النهائية» هو الذي يجب أن يحدد التصنيفات النفسية. في عام 1898، جمع تحت اسم «الخبل المبكر» العجز العصبي وزيادة توتر العضلات والخبل المصحوب بجنون العظمة. في البداية، لم يكن لهذه الأعمال صدى كبير في فرنسا؛ حيث سرى نوع من معاداة كل ما هو ألماني في الوسط العلمي الرافض بشدة للاعتراف بأسبقية موريل في الوصول إلى هذا المفهوم. ونجد في سجلات جريدة الطب وعلم النفس لعام 1915: «تنبهنا أن ألمانيا قبل أن تغزو أراضينا، منذ وقت طويل قد أدركت أهمية غزو عالم الأفكار، لتخضعه لما يسمى ثقافتها [...] لأنه يوجد بالفعل طب نفسي ألماني وطب نفسي فرنسي [...] لقد بنى الألمان معتقداتهم الجديدة من لا شيء [...] ولكنهم ظلوا كطبعهم جامعين لا يكلون لإنجازات الغير.»
26
في عام 1911، استبدل السويسري يوجين بلولير (1857-1939) - حين كان يرأس البيرجولزي بزيورخ منذ عام 1898 - بفكرة الخبل المبكر (ذي المعيار التطوري) فكرة أكثر ديناميكية وهي التفكك، مقترحا لها اسم الفصام (من اللغة اليونانية وتعني الفصل والذوبان). «أطلق على الخبل المبكر اسم الفصام؛ لأن أهم صفاته - كما أريد أن أثبت - هو تفكك الوظائف النفسية المختلفة.» ويميز بلولير بين الأعراض الدائمة والأعراض الثانوية: «لا تخلو أي حالة من اضطرابات العلاقات والمشاعر - بما فيها التوحد - وكأنها جزء لا يتجزأ من المرض؛ ولذلك تسمى أعراضا رئيسة. وإلى جانب هذه الأعراض، توجد أعراض ثانوية قد تظهر أو لا تظهر: الضلالات والهلاوس وأعراض توتر العضلات والإغماء التخشبي والذهول وفرط النشاط الحركي والرتابة والتصنع والسلبية (المقاومة المرضية النشطة أو السلبية لأي طلب داخلي أو خارجي).» لقد كتب يوجين مينكويسكي تلميذ بلولير (1885-1972): «إن مريض الفصام - وهو يعلم تماما أين هو - لا يشعر بوجوده في المكان الذي يشغله، بل لا يشعر بوجوده داخل جسده [...] فعبارة «أنا موجود» لا تعني شيئا بالنسبة له.»
27
لم يمر كل هذا بالطبع دون صراعات بين المدارس النفسية المختلفة؛ فدائما ما يتخذ المفهوم الجديد سريعا طابعا امتداديا، مستفيدا من الحدود غير الواضحة جاعلا إياها تتراجع دون توقف. وبسهولة جرى ضم العديد من الحالات العصية على التصنيف، حتى إن بلولير كان يتحدث عما يسمى ب «الفصام الكامن»، الذي اعتبره النوع الشائع من الفصام ولكن دون تحديد معايير التشخيص التي يجب أن تفرض عليه.
في الولايات المتحدة الأمريكية، تربع الفصام على عرش الأمراض العقلية. ولقد لعب السويسري أدولف ماير (1866-1950) دورا رئيسا في هذا الأمر. أثناء عمله في الولايات المتحدة، كان ماير معارضا لمفهوم كرابلين عن المرض الذي يشكل كيانا بذاته؛ ومن ثم كان رافضا لفكرة تصنيف الأمراض. وكان يعلم أن الاضطرابات العقلية إنما هي طرق إجابة (ردود فعل نموذجية) لا تتناسب مع المواقف المختلفة من منظور وراثي اجتماعي؛ ومن ثم يجب مساعدة المريض على بلوغ أكبر حالات التأقلم. وانفتح الباب أمام توسع جذري في المفهوم، لدرجة جعلت مينكويسكي يقول: «لقد تمادى الأمر حتى بلغ القول بأن الفصام - بسبب اتساع نطاقه - أصبح مرادفا للجنون. إنه أمر صحيح، مع الفارق أن الصفة «مجنونا» تعني مجنونا ليس أكثر، بينما تعني «فصامي»: كونه قابلا لأن نفهمه ونرشده [...] ولذلك نحن نعتقد أن الفصام يشكل خطوة حقيقية في الطب النفسي؛ لأنه يحرر، ليس فقط المريض، وإنما الطبيب أيضا من القيود التي فرضت عليهما منذ أمد بعيد بفعل مفهوم الخبل [...] ففقدان الاتصال بالواقع يتضمن فكرة إمكانية إعادة هذا الاتصال، سواء بالكامل أو على الأقل جزئيا.»
Page inconnue