Histoire islamique : Une très brève introduction
التاريخ الإسلامي: مقدمة قصيرة جدا
Genres
لا تحظى كل فترات التاريخ الإسلامي ومناطقه بالوقع نفسه لدى المسلمين. والقاعدة العامة تقول إنه كلما كان الحدث في زمن مبكر، زادت احتمالية شيوعه على نطاق واسع؛ فالراويات التي تتعلق بمحمد وأصحابه والفتوحات الأولى واسعة الانتشار للغاية. وفقا لذلك، ومن دون استثناء تقريبا، يتكون المخزون التاريخي الكامل الذي اعتمد عليه المسلمون في الأغراض السياسية من الفترات (600-800) و(800-1100) و(1100-1500). والسبب في ذلك أنه - حتى عهد قريب - متى انتشر الإسلام في منطقة جديدة نزع السجل التاريخي الذي يجلبه المسلمون معهم إلى الثبات، مع تكون الفصول التالية من القصة من الأحداث المحلية بدلا من تلك التي تحدث في أماكن أخرى. في فترات ما قبل العصر الحديث، أتاح الحج للمسلمين من كل مكان إطلاع بعضهم البعض على المستجدات في الأراضي البعيدة، لكن التكنولوجيا الحديثة وحدها هي التي أعادت تحديد العلاقة بين المجتمعات الإسلامية والتاريخ فيما بعد عام 1500 بلفتها انتباه المسلمين في كل مكان إلى آخر الأحداث.
تقول قاعدة عامة أخرى إن الأحداث التاريخية التي وقعت في الأراضي الإسلامية المركزية حظيت بانتشار أوسع من الأحداث التي وقعت في مناطق نائية. فكر في المثال التالي. في جزء متنازع عليه في العالم الإسلامي، أقيم جدار عازل كبير على يد إحدى الحكومات من أجل فرض رؤيتها فيما يتعلق بالحدود الدولية على منطقة متنازع عليها. يطلق معارضو هذا الحاجز الذي يمتد مسافة 2700 كيلومتر اسم «جدار العار»، وكثيرون من السكان المحليين الذين يعيشون وراء الجدار يعاملون معاملة اللاجئين. يمتد الجدار المشار إليه هنا عبر الصحراء الغربية، وبني في الثمانينيات من القرن العشرين على يد الحكومة المغربية التي تفضل أن تطلق عليه اسم «الحاجز الترابي» (هل كنت تفكر في جدار آخر؟) حقيقة أن هذا الجدار غير معروف نسبيا - بينما جدار آخر أقل ارتفاعا بكثير في الأراضي الفلسطينية-الإسرائيلية اكتسب سمعة سيئة - تعكس انعدام التوازن بين المناطق والحقب المختلفة في العالم الإسلامي؛ فبعض المناطق طالما كان لها على ما يبدو تأثير غير متكافئ على الوعي الجمعي في حين يمكن لمناطق أخرى أن تختفي سريعا من بؤرة الأحداث. لقد تأخرت المغرب في الانضمام إلى الخلافة في حين بادرت بالانفصال عنها على عكس الأراضي الإسلامية في الشرق الأدنى التي انبثقت منها القوة والنفوذ والتي بقيت فيها الخلافة قرونا تالية. حتى بين الأراضي الإسلامية المركزية، حازت الأرض المقدسة على أهمية استثنائية بتضمنها الأحداث التاريخية من السيرة، والفتوحات الأولى، وتاريخ الخلافة، وتطرقها إلى الجدل بين الأديان، وكونها موضوع مجموعة هائلة من المؤلفات الدينية على مر العصور.
يمكن تمييز أهمية التاريخ الإسلامي في اللغة السياسية المستخدمة منذ ظهور الإسلام وحتى العصور الحديثة. في بعض الحالات، ربما يقال إن التشابه الملحوظ بين الأشكال القديمة والمعاصرة من اللغة العربية يفسر استخدام المفردات «التاريخية» في السياقات المعاصرة. على سبيل المثال، استخدمت كلمة «فدائي» لأول مرة بمدلول سياسي في وقت مبكر في الفترة من عام 1100 حتى عام 1500 عند الإشارة إلى الحشاشين الإسماعيليين، لتعاود الظهور بصيغة الجمع - «فدائيين» - في منتصف القرن العشرين بين الإيرانيين، والفلسطينيين، والمصريين، والعراقيين. لكن في حالات أخرى، يكون استخدام المفردات المحملة بالمعاني التاريخية مقصودا على نحو واضح؛ فقد أشير إلى ثورات البربر ضد الفاتحين الأوائل لشمال أفريقيا باسم «الردة» (في تشابه مع حروب الردة التي أعقبت وفاة محمد)، مثلما قدم المصلحون الدينيون الذين أشرنا إليهم في الفصل السابق سيرتهم بتعبيرات مأخوذة من السيرة النبوية. بالمثل، حاولت دول إسلامية معاصرة - وعلى وجه التحديد مصر في عهد جمال عبد الناصر (الذي توفي عام 1970)، وأنور السادات (الذي توفي عام 1981)، وحسني مبارك (الذي ولد عام 1928) - تشويه سمعة المعارضين الإسلاميين بوصفهم باسم «الخوارج»، ومن ثم ربط هذه المجموعات بإحداث شقاق وبيل (فتنة) كالذي ينسب للخوارج في بداية الإسلام.
أيضا صيغت النزاعات التي شهدتها المجتمعات الإسلامية الحديثة بمصطلحات تشير إلى صراعات قديمة وقعت في التاريخ الإسلامي. ففي نزاع بين مجموعتين في السودان في القرن التاسع عشر على موارد المياه المحلية، ادعت المجموعتان أنهما تنحدران من سلالة الأمويين والعباسيين على التوالي. وما بين القرنين السابع عشر والعشرين، عندما اندلع النزاع بشأن بسط النفوذ بين الفصائل المتناحرة في لبنان وفلسطين أثناء العهد العثماني، وصف الجانبان أنفسهما باسم «قيس» و«يمن». يقال إن هذين الاسمين مشتقان من أزمان سابقة للعصر الإسلامي حينما انضم مهاجرون من الجنوب (أو اليمن، ومن ثم جاء الاسم «اليمنية») إلى سكان شمال شبه الجزيرة العربية (القيسية)؛ مما أدى إلى تكون اتحادين كبيرين من القبائل العربية. ويعتقد أن أوجه الاختلاف قد أعيدت صياغتها في منتصف القرن السابع عندما استقر أفراد من كلتا المجموعتين القبليتين في ثكنات في الشرق الأدنى، وأعادوا تتبع نسبهم لينعكس ذلك في التحالفات وأنماط الاستقرار الجديدة التي نتجت عن اضطراب المجتمع العربي بسبب الفتوحات. وبدءا من عام 700 تقريبا - عندما وضعت الحرب الأهلية الثانية (680-692) أوزارها - ظهر فصيلان «قيسي» و«يمني» هيمن النزاع بينهما على عالم السياسة في عهد الخلافة الأموية. لا يوجد اتفاق بين المؤرخين على جذور النزاع أو طبيعته أو ثقله؛ وعلى النقيض من ذلك كان الإسناد التاريخي لدى سكان فلسطين ولبنان في الماضي القريب إسنادا عفويا.
لا شك أن مدلول الاعتماد على مفردات التاريخ في السياقات السياسية قد يكون محدودا؛ فعندما يشير متحدثو الإنجليزية إلى الولادة بعبارة «عملية قيصرية»، فإنهم لا يشيرون إلى التاريخ الروماني والأساطير المتعلقة بيوليوس قيصر. من المهم إذن أن نلاحظ أن ثمة قضايا سياسية معاصرة يلعب التاريخ الإسلامي فيها أدوارا مقصودة ومتعمدة من نوعين. في بعض الحالات، يكون ذلك وسيلة لحشد الأمة ككل وراء إحدى القضايا السياسية؛ وفي حالات أخرى يكون لتوضيح وجهة نظر أحد الحكام بشأن قضية سياسية والتنويه إلى الكيفية التي يتوقع أن تحل بها، وذلك بالإشارة إلى أحداث في التاريخ الإسلامي عاقبتها معروفة بالطبع. تكفي دراستا حالة اثنتان ذواتا صلة بالقراء المعاصرين لتوضيح ذلك، وهما: الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الحالي، والحرب العراقية الإيرانية (1980-1988).
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
يمارس التاريخ الإسلامي نفوذا سياسيا إزاء هذه القضية أكثر من غيرها لسببين يتفقان مع القواعد العامة الموضحة أعلاه. أولا، من السهل ربط الصراع المعاصر بوقائع ذكرت تفصيلا في السيرة، وفيها توصف علاقات محمد باليهود بأنها محورية فيما يتعلق بسيرته في المدينة (وفي المرتبة الثانية في الأهمية فحسب في علاقاته بأهل مكة). وفقا لذلك، يمكن الاستشهاد بالسيرة الذاتية لمحمد (المتأثرة بعدة مئات من الأحاديث ذات الصلة) لتوضيح أن «اليهود» غير جديرين بالثقة، ومخادعون، ومتعجرفون، ومتآمرون، ويستحقون قصاص المسلمين منهم. «اليهود» هو المسمى الأكثر شيوعا عند الحديث عن «الإسرائيليين» في معظم وسائل الإعلام الإسلامية. ومن هنا سمع أعضاء حزب الله وهم يهتفون «خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود»، في إشارة إلى هزيمة محمد لليهود في واحة خيبر عام 628، وتشبيه للإسرائيليين المعاصرين باليهود في عهد محمد. بل وصل الأمر حد إلباس اليهود في إسرائيل ثوب أعداء محمد المكيين المشركين (الذين لا يمكن لنسلهم الحالي أن يجسدوا معارضة للأمة لأنهم، باعتبارهم مسلمين، جزء منها). ومن ثم، أطلق على الهجوم المصري على خط بارليف الإسرائيلي (سلسلة من التحصينات على امتداد قناة السويس) عام 1973 الاسم الرمزي «عملية بدر» في إشارة إلى هزيمة محمد لأهل مكة في غزوة بدر عام 624. وأخيرا، فإن الإصرار المتكرر لياسر عرفات على أن يكون أي اتفاق سلام مع إسرائيل «صلح حديبية» مثال على استناد أحد الزعماء المسلمين إلى التاريخ الإسلامي كتعبير عن نواياه السياسية. ربما فات المراقبون غير الملمين بالتاريخ الإسلامي المعنى الضمني بأن تكون هدنة السلام مع إسرائيل - مثلما كان اتفاق محمد مع أهل مكة في الحديبية عام 628 - عشر سنوات فقط يمكن نقضها إثر أقل استفزاز (أنهى محمد الصلح عام 629).
ثانيا، كانت فلسطين مركزا لعدد من الأحداث المحورية في التاريخ الإسلامي، ومعظمها يعتمد على قدسية المنطقة. وفقا للمصادر القديمة، توجه المسلمون في البداية في صلاتهم نحو القدس، ولم يتغير اتجاه الصلاة (القبلة) إلى مكة إلا بعد عام 624. تقول المصادر العربية الأولى أيضا إن عبد الملك بنى قبة الصخرة في محاولة منه لتحويل الحج من مكة (التي يتخذ غريمه السياسي الرئيسي منها مركزا له) إلى القدس، ويقال إنه من أجل ذلك أكدت السلطات الدينية في ذلك الوقت على تساوي القدس مع مكة، بل وأفضليتها عليها. ويوضح الباحثون المعاصرون أن فتح القدس قبل عقود مضت كانت له دلالات مسيحية لليهود المعاصرين (وللمسلمين أيضا وفقا للمجازفين من الباحثين). أقامت محاولات البيزنطيين والمحاولات ذائعة الصيت للصليبيين أن يستردوا القدس والأرض المقدسة محققين درجات متباينة من النجاح الدليل على أهمية المنطقة والحاجة إلى المحاربة من أجلها؛ وقد أوجدت الحملات الصليبية لونا من الأدب الإسلامي يلهج بتعداد فضائل القدس ويؤكد على مسئولية الأمة عن حمايتها من المعتدين الملحدين.
شكل 7-1: صدام حسين ونبوخذ نصر (الذي حكم البلاد من عام 605 حتى عام 562 قبل الميلاد).
1
Page inconnue