Histoire économique mondiale : une très brève introduction
التاريخ الاقتصادي العالمي: مقدمة قصيرة جدا
Genres
أما التطور الآخر فهو فشل أفريقيا في التحول إلى التصنيع خلال هذه الفترة، وهناك تفسيرات اقتصادية لذلك، فضلا عن تفسيرات مؤسساتية أكثر شمولا أيضا، وتبدو جميع هذه التفسيرات منطقية في ضوء جغرافيا القارة الأفريقية وتاريخها.
هناك ثلاثة تفسيرات اقتصادية لغياب الصناعة في أفريقيا: يتمثل التفسير الأول في الأفضلية المقارنة. كانت أمريكا الشمالية تصدر القمح إلى أوروبا؛ حيث كان إنتاج القمح يحتاج إلى توفر مساحات كبيرة من الأراضي، وهو ما كان متوفرا في الولايات المتحدة مقارنة بعدد السكان. تنخفض الكثافة السكانية في أفريقيا عن مثيلتها في أمريكا الشمالية؛ لذا تكمن الأفضلية المقارنة للقارة الأفريقية في السلع التي تعتمد على استخدام الأراضي والموارد بكثافة، وهذه هي المنتجات الأساسية التي تصدرها القارة. في الولايات المتحدة، كان العامل المكافئ لتوافر الأراضي هو الأجور المرتفعة، وهو ما كان من شأنه أن يجعل التصنيع غير قادر على منافسة الواردات في القرن التاسع عشر في حال عدم وجود تعريفات جمركية. أما في أفريقيا، فالوضع مختلف؛ حيث كانت الأجور منخفضة، ولكن لا تجد شركات التصنيع إمكانية لتحقيق أي ربح جراء التواجد في أفريقيا، ويفترض أن السبب في ذلك هو أن التكاليف ستكون مرتفعة؛ حيث إن عملية الإنتاج ستكون غير فعالة. ربما يرجع أحد أسباب انخفاض الإنتاجية إلى وجود أيدي عاملة غير متعلمة، ولكن انتشر التعليم سريعا في العقود الأخيرة، ومن ثم فقد اختفى أي عجز في هذا الصدد بين العمال الشباب - لكن دون تحقيق أي فائدة ملموسة.
يتمثل سبب آخر في انخفاض الإنتاجية في غياب الشركات الداعمة. في الدول الغنية، تجري عملية الإنتاج في شبكات حضرية؛ حيث تدعم الشركات بعضها عن طريق توفير منتجات وخدمات متخصصة، ترفع هذه «الاقتصادات الخارجية كبيرة الحجم» من الإنتاجية، وتسمح للشركات بدفع أجور مرتفعة مع الحفاظ على قدرتها التنافسية. أما أفريقيا، فتدور في دائرة مفرغة؛ إذ لن تقام شبكة من الشركات المتكاملة أبدا؛ نظرا لأن الشركات ترى أنه من غير المربح إقامة شركة في ظل غياب شبكة داعمة من الشركات! في القرن التاسع عشر، ظهرت في أفريقيا بوادر إقامة مثل هذه الشبكات من خلال صناعات الحديد المتناثرة، وصناعة المنسوجات في كانو، وغيرها، بيد أن العولمة - مدعومة بالاستعمار - أدت إلى القضاء على هذه الصناعات.
يتمثل التفسير الاقتصادي الأخير في التكنولوجيا، وهو تفسير يتضمن تطبيق تحليل عملية ميكنة الإنتاج الزراعي على القطاع الصناعي. تعتبر الأجور في أفريقيا منخفضة بدرجة لا تجعل من استخدام التكنولوجيا المتقدمة كثيفة رأس المال المتوفرة في الصناعة الحديثة؛ أمرا مربحا، وهكذا لا تزال أفريقيا أسيرة شرك آخر: تعتبر الصناعة باستخدام الماكينات هي الحل اللازم لانخفاض الأجور، غير أن الأجور المنخفضة تجعل من ميكنة الإنتاج الصناعي عملية غير مربحة!
تتمثل أكثر التفسيرات شيوعا فيما يتعلق بفقر القارة الأفريقية في التفسيرات المؤسساتية بدلا من التفسيرات الاقتصادية، وأحد جوانب «المؤسسات السيئة» هي الحروب المزمنة التي تضر قطعا بعالم الأعمال. والفقر في حد ذاته سبب في اندلاع الحروب؛ إذ يجعل تجنيد القوات رخيصا للغاية. تتسبب الأجور المنخفضة في اندلاع الحروب التي بدورها تؤدي إلى الحد من النشاط الاقتصادي، وهو ما يؤدي إلى انخفاض الأجور - أي دائرة مفرغة أخرى للفقر. بالإضافة إلى ذلك، كان اللاعبون الأساسيون والأحداث المفتعلة في كثير من الحروب المعروفة من صناعة الحكم الاستعماري غير المباشر؛ سيطرت بلجيكا على رواندا عن طريق التأكيد على الاختلافات بين قبيلتي التوتسي والهوتو ومبالغتها، إلى أن أصبحت انقساما عرقيا متخيلا، فكان ينظر إلى التوتسي على أنهم أجانب دخلاء، وعلى أنهم أسمى في العرق؛ نظرا لأنهم ينحدرون من نسل هام مذكور في الكتاب المقدس، فيما كان ينظر إلى الهوتو على أنهم مواطنون محليون أقل شأنا. وفرت الإدارة الاستعمارية التعليم للتوتسي، وأغدقت عليهم الفرص بحيث يستطيعون السيطرة على الهوتو، ولكن سيطرت الأغلبية من الهوتو على مقاليد الحكم في البلاد في ثورة عام 1959، وعندما غزا جيش من التوتسي البلاد في عام 1990، وهزم جيش الرواندي الذي يتكون بأغلبية ساحقة من الهوتو؛ كان في ذلك تهديد بزوال المكاسب التي حققها الهوتو منذ عام 1959، وهو ما مهد الطريق لعملية إبادة جماعية.
تتمثل سمة أخرى للمؤسسات السيئة في الفساد والطبيعة الاستبدادية في العديد من الدول الأفريقية، وكانت أوجه القصور هذه إرثا خلفته أنظمة الحكم الاستعمارية؛ فقد ورثت الدول الأفريقية حديثة العهد بالاستقلال دساتير اشتملت على التمييز بين المواطنين على أساس عرقي، كما تضمنت الأنظمة القبلية والإدارية لنظام الحكم غير المباشر، وقد نجحت الدول الأفريقية في التخلص من العنصرية فيما لم تحقق القدر نفسه من النجاح في التخلص من النزعة القبلية. في معظم دول القارة الأفريقية، توجد أنظمة إدارية منفصلة للمناطق الحضرية والريفية؛ فالمناطق الحضرية تمتلك أنظمة قانونية حديثة، فيما تنقسم المناطق الريفية إلى مناطق «قبلية» أقيمت أثناء الفترة الاستعمارية، ويديرها زعماء القبائل الذين ينفذون العادات التي غرست إبان الاستعمار مثل الملكية الجماعية للأراضي. وغالبا ما يتم إخفاء استمرار الإدارة على الطريقة الاستعمارية، من خلال تبني قوانين موحدة تجمع بين القواعد الحديثة والقواعد الموروثة في وثيقة واحدة؛ ومن ثم فإن معظم المناطق الريفية في القارة الأفريقية يحكمها طبقة من الحكام الفاسدين غير المنتخبين، الذين ينتزعون الدخول وخدمات العمالة من المواطنين، ويتحصلون على منافع مادية من الحكومة المركزية.
أضاف هدف تحقيق التنمية الاقتصادية بعدا آخر للتحكم في طبقة الفلاحين. وفقا للأيديولوجية السائدة في ستينيات القرن العشرين (الغربية والشيوعية على حد سواء)، كان ينظر إلى التنمية كعملية يجري من خلالها تحقيق نمو الاقتصاد الحضري على حساب نظيره في المناطق الريفية. وقد استخدمت الدولة الاستعمارية نظام الحكم غير المباشر لحكم الريف لصالح القوة الاستعمارية، وما كان من قادة الدول المستقلة إلا أن أخذوا مكانهم، واستخدموا الأساليب نفسها لتحقيق الفوائد الاقتصادية وغيرها للمدن على حساب المناطق الريفية. وكان يجري حث زعماء القبائل على استخدام ملكيتهم «التقليدية» للأراضي المشاع؛ بغرض مصادرتها لصالح المشروعات التنموية، وكان يجري تهديد السكان بالإخلاء لإجبار الفلاحين على استخدام الابتكارات التكنولوجية الجديدة، كما كان يجري إجبار سكان المناطق الريفية على العمل في مشروعات البنية التحتية والمزارع، بالإضافة إلى ذلك كانت الدولة تستخدم الأساليب القسرية مع الفلاحين، وعلى وجه التحديد كانت تجبر المزارعين على بيع المحاصيل إلى هيئات التسويق الحكومية؛ حتى يباع الغذاء بأسعار رخيصة للعمال في المناطق الحضرية، وحتى تفرض ضرائب على محاصيل التصدير عن طريق دفع أسعار منخفضة للفلاحين مقابل المنتجات التي كانت تباع بأسعار مرتفعة في الأسواق الدولية، كما رأينا في حالة محصول الكاكاو. أفضت هذه الممارسات إلى تطور صناعي ضئيل، مع خفض حوافز الإنتاج الزراعي وزيادة الفساد والاستبداد.
اتبعت الدول الاستبدادية والماركسية-اللينينية مسارا مختلفا ظاهريا، وإن كانت النتائج مشابهة؛ فقد قضت هذه الدول على القبلية والعنصرية: «حتى تحيا الأمة، يجب أن تموت القبيلة.» على حد تعبير سامورا ماشيل أول رئيس لموزمبيق. وقد أسست الدول ذات الحزب الواحد لقمع الانقسامات ولتكون طلائع للتقدم، ولكن كانت ممارسات الاستعمار أصعب في تغييرها، فصار القادة القبليون كوادر الحزب الحاكم، ومضوا في طريقهم كما كانوا يفعلون من قبل. وباسم التنمية، تبنت الدول التي مرت بعمليات إصلاح وسائل سيطرة الدولة على الاقتصاد والمجتمع التي كانت سمة الإدارات الاستعمارية، كما عاد العمل القسري للظهور مجددا في هذه الدول؛ ومن ثم ليس بمقدور أفريقيا الهروب بسهولة من تاريخها.
هوامش
الفصل الثامن
Page inconnue