Histoire économique mondiale : une très brève introduction
التاريخ الاقتصادي العالمي: مقدمة قصيرة جدا
Genres
اعتمد التحول إلى التصنيع في الولايات المتحدة الأمريكية أيضا على أربع سياسات دعم، شكلت «النموذج القياسي» للتنمية الاقتصادية في القرن التاسع عشر. تمثلت السياسة الأولى في توفير التعليم العام، وقد قطعت أمريكا شوطا هائلا في هذا الاتجاه خلال فترة الاستعمار، واستمرت في القرن التاسع عشر، وكان يحركها الدوافع الاقتصادية بصورة متزايدة. أما السياسات الثلاث الأخرى فقد اقترحها ألكسندر هاميلتون في «تقرير عن المواد المصنعة» الذي وضعه عام 1792، وكانت تتألف من إدخال تحسينات في مجال النقل لتوسيع السوق، وتأسيس بنك قومي لتحقيق استقرار العملة ولضمان توفير رءوس الأموال، وفرض تعريفة على المنتجات لحماية الصناعة. ولولا وجود هذه التعريفة، ما كانت مشتريات المناطق الجنوبية والغربية من المصنوعات لتؤدي إلى تحول الولايات المتحدة إلى التصنيع؛ حيث إن بريطانيا كانت ستلبي الطلب عليها، مثلما قامت بذلك خلال الفترة الاستعمارية.
وصف هنري كلاي - سيناتور أمريكي - السياسات التي اقترحها هاميلتون ب «النظام الأمريكي»، غير أن هذه السياسات اعتمدت في دول عديدة بعد أن روج لها فريدريك ليست. كان وضع الدستور نفسه خطوة أولى في اتجاه التنفيذ؛ حيث إنه ألغى التعريفات بين الولايات ووضع أساسا قانونيا لسوق وطنية. جاءت الخطوات المتبقية من خلال إنشاء طريق كمبرلاند الذي يصل بين نهر بوتوماك ونهر أوهايو بين عامي 1811-1818، وقناة إيري التي تصل بين نهر هدسون وبحيرة إيري (1817-1825)، ووضع ميثاقي تأسيس أول وثاني بنك في الولايات المتحدة في عامي 1791 و1816، وفرض سلسلة من التعريفات الجمركية ابتداء من عام 1816.
قبل عام 1816، كانت الولايات المتحدة تفرض تعريفة جمركية منخفضة، بيد أن الحروب النابليونية استهدفت السفن الأمريكية، وهو ما أدى إلى اتخاذ الولايات المتحدة إجراءات حمائية، وحظر التجارة مع بعض الدول، والدخول في حرب مع بريطانيا في عام 1812. توسع التصنيع محتميا وراء هذه الحواجز. بعد هزيمة نابليون في معركة ووترلو في عام 1815، فرضت الولايات المتحدة تعريفة عام 1816 لحماية صناعاتها؛ حيث فرضت ضريبة بلغت نسبتها 20٪ على معظم السلع و25٪ على المنسوجات، وقد ارتفعت التعريفات في عامي 1824 و1828، بيد أن التعريفات المرتفعة كانت محل خلاف فتم تخفيضها مجددا في عام 1846.
صارت الحمائية سياسة أمريكية مميزة مع سيطرة مصالح الشمال على مقاليد الأمور في البلاد. زادت الحرب الأهلية من الحاجة إلى عائدات فيدرالية، فارتفعت التعريفات الجمركية من خلال تعريفة موريل التي فرضت في عام 1861. خلال القرن التالي، ارتفعت معدلات التعريفات الحمائية مرة تلو الأخرى، ووصلت ذروتها من خلال تعريفة سموت- هولي في عام 1930. فرضت المملكة المتحدة - التي انتهجت سياسة التجارة الحرة منذ إلغاء قوانين الذرة في عام 1846، والقوانين الملاحية بعدها بثلاث سنوات - تعريفة حمائية في عام 1932. استجابت معظم دول العالم بالطريقة نفسها خلال فترة الكساد الكبير، ولم تتغير الأمور إلا منذ الحرب العالمية الثانية، عندما سعت الولايات المتحدة إلى إلغاء نظام الحماية؛ حيث وجدت أن اختراق أسواق الدول الأخرى يخدم مصالحها بصورة أفضل من حماية أسواقها.
نمت صناعة القطن الأمريكية سريعا خلف جدار التعريفة الحمائية. في عقد الخمسينيات من القرن التاسع عشر، كانت الصناعة البريطانية هي الأكبر في العالم، وكانت تستهلك 290 ألف طن من القطن الخام سنويا، فيما احتلت الولايات المتحدة المرتبة الثانية (111 ألف طن)، وكانت تتقدم على فرنسا كثيرا، التي احتلت المرتبة الثالثة باستهلاك 65 ألف طن. كان ألكسندر هاميلتون وهنري كلاي يشعران بسرور بالغ إزاء التقدم الهائل الذي تحقق بفضل الدفعة الكبيرة التي قدمتها صادرات القطن للاقتصاد.
على أية حال، يمنح هذا الاستنتاج أهمية زائدة لصادرات السلع الرئيسية؛ أولا: على الرغم من أن القطن (وفيما بعد القمح) كان سلعة تدر عملة صعبة، لم تسهم إجمالي الصادرات منه بأكثر من 5-7٪ في إجمالي الناتج المحلي في الفترة بين عامي 1800-1860. كانت هذه النسبة أقل كثيرا من نسبة ال 30٪ التي حققتها مستعمرتا بنسلفانيا وكارولاينا الجنوبية الساحلية، ناهيك عن نسبة ال 41٪ التي حققتها جامايكا. لم تكن صادرات القطن والقمح كبيرة بما يكفي لدفع عجلة الاقتصاد في مرحلة ما قبل الحرب الأهلية. ثانيا: كان أداء سوق العمل أفضل كثيرا من توقعات نظرية السلع الأساسية. في القرن الثامن عشر، كانت الأجور الحقيقية في بنسلفانيا أكثر بقليل من الأجور الحقيقية في إنجلترا، وهو ما يتوقعه المرء إذا كانت الولايات المتحدة تحقق نموا وتجذب المهاجرين من أوروبا (الشكل
6-2 ). وفي ظل الاستقلال الأمريكي والحروب الأوروبية، انهار سوق العمل عبر المحيط الأطلنطي، فيما ارتفعت الأجور الحقيقية في الولايات المتحدة باستمرار في الوقت الذي بقيت الأجور البريطانية كما هي خلال الثورة الصناعية. بحلول عقد الثلاثينيات من القرن التاسع عشر، صارت الأجور في الولايات المتحدة ضعف مثيلاتها في بريطانيا؛ ولكن إذا كان نموذج السلع الأساسية مطبقا فعلا، كان يجب أن تعمل الهجرة على إبقاء الأجور منخفضة.
يشير الارتفاع في إجمالي الناتج المحلي والأجور إلى أن الولايات المتحدة طورت القدرة على زيادة الإنتاجية من خلال جهودها الخاصة. وهنا يبرز سؤال رئيسي فيما يتعلق بنظرية السلع الأساسية؛ ألا وهو: كيف ومتى يحقق الاقتصاد نموا بما يتجاوز الاعتماد على سلعة أساسية؟ من الواضح أن الولايات المتحدة قد حققت هذا النمو في النصف الأول من القرن التاسع عشر. يتمثل أحد التفسيرات المقبولة في فرضية هباكوك التي تقول بأن وفرة الأراضي المجانية على الحدود أدت إلى ارتفاع الأجور الحقيقية - فلماذا يعمل المرء في نيويورك أو فيلادلفيا مقابل أجر منخفض إذا كان يستطيع الانتقال غربا وإنشاء مزرعة؟ - وهو ما أدى بدوره إلى تحفيز الشركات على ابتكار تكنولوجيا توفر في الأيدي العاملة أفضت إلى زيادة إجمالي الناتج المحلي لكل فرد، ثم ارتفاع الأجور أكثر فأكثر في نهاية المطاف. كانت الولايات المتحدة - بالإضافة إلى بريطانيا وهولندا - واحدة ضمن حفنة من الاقتصادات التي كانت دائما في المقدمة في ابتكار تكنولوجيا عالية الإنتاجية وكثيفة رأس المال في القرنين المنصرمين، مثلما ذكرنا في
الفصل الرابع .
وبالطبع، يمكننا أن نرى تطبيق هذه العوامل في صناعة المنسوجات القطنية. فقد تطلب نجاح هذه الصناعة فرض التعريفات الحمائية، لكنها لم تكن كافية وحدها، فاعتمد نجاح صناعة المنسوجات القطنية على الابتكارات التكنولوجية التي أفضت إلى ظهور تكنولوجيا موفرة في الأيدي العاملة . جعلت التكلفة المرتفعة للأيدي العاملة الشركات الأمريكية تجري تجارب على الماكينات ابتداء من العقد السابع من القرن الثامن عشر، بيد أن النجاح التجاري كان يتطلب عمالا ومديرين يمتلكون خبرة استخدام التكنولوجيا. في عام 1793، أنشأ صامويل سليتر - الذي كان يعمل في مصنع إنجليزي - أول مصنع ناجح تجاريا وأداره. تمثلت الطفرة التالية في إنشاء مصنع متكامل للغزل والنسيج الآلي من قبل شركة بوسطن للتصنيع في وولتهام، بماساتشوستس في عام 1813، وقد أسس فرانسيس كابوت لويل الشركة بعد زيارة بريطانيا ومعاينة الأنوال الآلية التي رسمها من الذاكرة، وقد نفذ نماذج الإنتاج مهندس يعمل لدى لويل اسمه بول مودي، ومن أبرز السمات التي تميز نظام لويل-مودي هي درجة إعادة تصميم التكنولوجيا البريطانية لملاءمة الظروف الأمريكية. بحلول العقد الثاني من القرن التاسع عشر، صار الدخل الحقيقي في أمريكا أعلى من نظيره في بريطانيا؛ ونتيجة لذلك، استخدم الأمريكيون النول الآلي بصورة أسرع من البريطانيين، وهكذا كانت أمريكا تتقدم لتقود العالم في التكنولوجيا الصناعية.
Page inconnue