Histoire économique mondiale : une très brève introduction
التاريخ الاقتصادي العالمي: مقدمة قصيرة جدا
Genres
كان عامل الموقع الجغرافي مهما؛ لأنه أثر على القدرة على التجارة مع أوروبا. قد تكون التجارة مفيدة أو ضارة للنمو الاقتصادي. فمن جانب، عرقلت المصنوعات البريطانية الرخيصة عملية التصنيع، ومن جانب آخر، شجع تصدير المنتجات الزراعية المحلية بقوة على الاستقرار والزراعة بوجه عام، وهي عوامل قد تكون محطات انطلاق للتحول إلى التصنيع لاحقا. وفي هذا الصدد، كانت أمريكا الشمالية تحظى بالأفضلية. أولا، كانت أمريكا الشمالية أقرب إلى أوروبا التي كانت السوق الرئيسية لصادرات المستعمرات، ومع ارتفاع تكلفة النقل، كان سكان أمريكا الشمالية يستطيعون إنتاج وتصدير مجموعة أكبر من المنتجات بصورة مربحة أكثر من سكان أمريكا الجنوبية، وقد دعمت الجغرافيا الداخلية للقارتين هذه الميزة؛ فكان الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية طويلا وخصبا بما يكفي لدعم اقتصاد كبير، كما كان يمكن بلوغ أعماق القارة من خلال أنهار سانت لورانس وموهوك هدسون والمسيسيبي. في المقابل، كانت معظم الأنشطة الاقتصادية في أمريكا اللاتينية تجري في أعماق المكسيك ومنطقة جبال الأنديز. لم تصل الأنهار بين هذه الأقاليم والسواحل، ومن ثم كانت تكلفة التصدير مرتفعة.
ويمثل العامل الديموجرافي أهمية كبيرة كذلك. لم يهدد المناخ المعتدل الذي يسيطر على معظم أنحاء الولايات المتحدة وكندا ومعظم مناطق أمريكا الجنوبية؛ الأوروبيين بالأمراض، ومن ثم استقر الأوروبيون ونعموا بالرخاء في هذه المناطق. في المقابل، أدت أمراض المناطق الاستوائية إلى ارتفاع نسبة الوفيات بين الأوروبيين في مناطق الكاريبي والأمازون، وهو ما أدى إلى انخفاض نسبة نمو السكان الأوروبيين فيها.
كان السكان الأصليون موزعين على نحو غير متساو عبر الأمريكتين. عاش معظم السكان الأصليين في المكسيك (21 مليونا)، أو الأنديز (12 مليونا)، في المقابل لم يعش سوى خمسة ملايين فقط من السكان الأصليين في الولايات المتحدة، منهم 250 ألف نسمة فقط في المستعمرات الثلاث عشرة الأصلية، وقد عكس الفارق في توزيع السكان طبيعة الجغرافيا. كانت المكسيك وبيرو مواطن الأصول الطبيعية للأغذية الرئيسية للسكان الأصليين مثل الذرة والبقوليات والقرع والبطاطس والكينوا. زرعت هذه النباتات في الحقول والمزارع بعدما كانت تزرع في البراري، ومن ثم صارت هذه البيئات تلائمها تماما. بالإضافة إلى ذلك، كان المزارعون يزرعون هذه النباتات قبل أن يقدم أحد على زراعتها في أي مكان آخر. كانت الذرة والبقوليات - على سبيل المثال - تزرع في الحقول والمزارع قبل 4700 عام، ومن ثم كانت هناك فرصة 4200 عام أمام السكان الأصليين للمكسيك حتى يزداد عددهم قبل أن يصل كورتيس إلى المكسيك في عام 1519. بطبيعة الحال، انتشرت زراعة الذرة والبقوليات والقرع بصور واسعة، غير أنه كان يلزم ملاءمة جيناتها وطرق زراعتها مع البيئات المختلفة التي صارت تزرع فيها، وهو ما أبطأ من انتشارها، فكان يجب - على سبيل المثال - تقليص موسم زراعة الذرة من 120-150 يوما - وهي الفترة اللازمة لزراعة الذرة في المناطق الاستوائية - إلى 100 يوم أو أقل في المناطق الأكثر برودة، وهو ما لم يتحقق إلا في عام 1000 ميلادية تقريبا. ولم تزرع الذرة على نطاق واسع في أي مكان في النصف الشرقي من الولايات المتحدة أو كندا قبل هذا التاريخ؛ لذا لم يتسن للسكان الأصليين في شرق أمريكا الشمالية وقت كبير كي ينمو عددهم قبل أن يأتي الأوروبيون إلى القارة.
كان وصول الأوروبيين إلى الأمريكتين بمثابة الكارثة بالنسبة للسكان الأصليين. بلغ تعداد السكان الأصليين وفق أحد التقديرات المتوسطة إلى 57 مليون نسمة في عام 1500، وبحلول عام 1750، انخفض تعدادهم إلى 5 ملايين نسمة. يرجع جزء كبير من هذا الانخفاض في عدد السكان الأصليين إلى ظهور الأمراض؛ مثل الجدري والحصبة والأنفلونزا والتيفوس، التي لم يكن لدى السكان الأصليين أي مناعة ضدها، أما الأسباب الأخرى فتتمثل في الحروب والاستعباد والمعاملة السيئة من قبل المستوطنين.
كانت تداعيات هذا الانخفاض في العدد - الذي كان أمرا شائعا بين جميع السكان الأصليين - مختلفة في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية؛ نظرا لاختلاف عدد السكان في كلتا القارتين قبل وصول الأوروبيين. في المكسيك، انخفض تعداد السكان الأصليين بنسبة تزيد على 90٪، ووصلوا إلى أقل عدد لهم في عشرينيات القرن السابع عشر وهو 750 ألف نسمة. كان هذا العدد لا يزال يماثل ثلاثة أضعاف عدد السكان الأصليين في الساحل الشرقي للولايات المتحدة قبل وصول الأوروبيين. وفي منطقة الأنديز، انخفض تعداد السكان الأصليين ليصل إلى أقل من 600 ألف نسمة، بعد تفشي وباء بين عامي 1718 و1720. تضاعف عدد السكان الأصليين في المكسيك بعد منتصف القرن السابع عشر ليصل إلى 3,5 ملايين نسمة في عام 1800، فيما وصل عدد السكان الأصليين في منطقة الأنديز إلى 2 مليون نسمة. وعلى الرغم من الهجرة الإسبانية خلال القرون الثلاثة السابقة، كان السكان الأصليون يؤلفون ثلاثة أخماس إجمالي عدد السكان في هذه المناطق، ومثلت نسبة السكان من الأعراق المختلطة خمس إجمالي عدد السكان، أما الخمس الأخير فكان يمثله الأثرياء البيض الذين كانوا يحكمون هذه المستعمرات. انطوى هذا الهيكل العرقي والاقتصادي على تبعات سلبية على النمو طويل المدى.
كان الوضع مختلفا تماما في أمريكا الشمالية؛ نظرا لقلة عدد السكان الأصليين عند وصول الأوروبيين. انخفض تعداد السكان الأصليين الذين وصل عددهم إلى ربع مليون نسمة في الساحل الشرقي في عام 1500، إلى 14697 نسمة في عام 1890، عندما أجري تعدادهم ضمن الإحصاء الأمريكي الرسمي للسكان للمرة الأولى. حدث معظم الانخفاض في عدد السكان الأصليين في القرن السابع عشر، بل وغالبا ما كان ذلك قبل الاستعمار الأوروبي. سبق وصول المستوطنين الأوائل إلى ماساتشوستس في عام 1620 تفشي عدد من الأوبئة بين عامي 1617 و1619، وقد رأى المستوطنون الأوائل في ذلك منحة من الله: «حتى الآن باركت يد الله الطيبة بداياتنا هنا ... من خلال محو أعداد كبيرة من السكان الأصليين ... قبل وصولنا هناك، بحيث يفسح المجال لنا هناك.» وقد قضت خمسون عاما من الحروب على ما تبقى من السكان الأصليين. كان ارتفاع معدلات الوفيات بين السكان الأصليين وانخفاض معدلات الوفيات بين المستوطنين يعني أن المستعمرات الأمريكية صارت مكانا بديلا لإنجلترا بسرعة كبيرة. كان الاستثناء الأبرز في هذا التعميم هو المستعمرات الجنوبية في الولايات المتحدة؛ حيث استورد الأوروبيون عبيدا أفارقة للقيام بالأعمال الشاقة، ولكن لم يؤثر وجود السكان الأصليين على تنمية أمريكا الشمالية مثلما كان الحال في جنوب نهر ريو جراندي.
اقتصاد المستعمرات في أمريكا الشمالية
يعتبر الاستيطان هو الموضوع الرئيسي في التاريخ الاستعماري للولايات المتحدة الأمريكية. كان دافع بعض المستوطنين - خاصة في نيو إنجلاند - يتمثل في رغبتهم في إقامة حكم ديني خاص بهم بدلا من الانصياع إلى هيمنة عقيدة أخرى، ولكن كان الحافز الرئيسي لمعظم المستوطنين هو الكسب الاقتصادي؛ بل وكان البيوريتانيون يتوقعون تحقيق مستوى المعيشة نفسه في ماساتشوستس الذي كان يمكنهم تحقيقه في إنجلترا.
كان الاستيطان والتصدير مرتبطين ارتباطا وثيقا في أمريكا الشمالية أثناء الاستعمار البريطاني. سلط عالم الاقتصاد الكندي هارولد إنيس الضوء على هذه العلاقة من خلال «أطروحة السلع الأساسية»، التي كانت تقول بأن نمو إقليم مثل كندا كان يحدده نمو صادراته - المتمثلة في سمك القد، والفراء، والأخشاب - إلى أوروبا. وفرت مبيعات هذه المنتجات المال اللازم لشراء البضائع المصنعة؛ مثل القماش والأدوات والأواني الفخارية والكتب وغيرها. كانت هذه المنتجات تستورد من بريطانيا، بدلا من إنتاجها في المستعمرة؛ حيث كانت الصناعات البريطانية ضخمة وحققت اقتصادا هائل الحجم، وهو ما كان يعني قدرتها على الإنتاج بصورة أكثر فعالية من الشركات الصغيرة في المستعمرات. «يرى المزارعون أن من صالحهم مبادلة الماشية والذرة بالملابس، بدلا من صناعة الملابس.» منعت قوانين الملاحة البريطانية الهولنديين والفرنسيين من توريد احتياجات المستعمرات.
تميزت مستعمرات السلع الأساسية بثلاث خصائص؛ أولا: كان سعر السلعة الأساسية في المستعمرة أقل من سعرها في أوروبا بمقدار يساوي تكلفة النقل، وكانت الأسعار في السوقين ترتفع وتنخفض معا؛ حيث إن التجارة كانت تربط بينهما. ثانيا: كانت الصادرات تشكل جزءا كبيرا من دخل المستعمرات، فيما كان باقي دخلها يأتي من خدمات الدعم. ثالثا: تخطت عائدات المستوطنين ورءوس أموالهم في المستعمرات العائدات في أوروبا بهامش يغطي تكاليف ومخاطر الانتقال إلى المستعمرات.
Page inconnue