Histoire économique mondiale : une très brève introduction
التاريخ الاقتصادي العالمي: مقدمة قصيرة جدا
Genres
بينما تخطت دول أوروبا الغربية أكبر العقبات التكنولوجية التي واجهتها بحلول عام 1870، كانت مستويات الإنتاج في القارة الأوروبية لا تزال أقل بكثير من مثيلاتها في بريطانيا، ولكن تغيرت الأمور مع اندلاع الحرب العالمية الأولى؛ حيث تخطت دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية بريطانيا في التصنيع. ففي عام 1880، كانت بريطانيا تنتج 23٪ من إجمالي الإنتاج الصناعي العالمي، فيما كانت فرنسا وألمانيا وبلجيكا تنتج مجتمعة نسبة 18٪ فقط. لكن بحلول عام 1913، تخطت الدول الأوروبية الثلاث بريطانيا؛ إذ ارتفع إنتاجها مجتمعة إلى 23٪ فيما انخفضت حصة بريطانيا إلى 14٪. في الوقت نفسه، زادت حصة أمريكا الشمالية من الإنتاج الصناعي العالمي من 15٪ إلى 33٪. كان أداء بريطانيا هو الأفضل في صناعة المنسوجات القطنية؛ حيث كانت تقوم بمعالجة 869 ألف طن من القطن الخام سنويا بين عامي 1905-1913، فيما كانت الولايات المتحدة تنتج مليون ومائة وعشرة آلاف طن، وألمانيا 435 ألف طن، وفرنسا 231 ألف طن. كان أداء بريطانيا أضعف كثيرا في مجال الصناعات الثقيلة. خلال الفترة من 1850 إلى 1854، كانت بريطانيا تصهر 3 ملايين طن من حديد الغفل في مقابل 245 ألف طن في ألمانيا، وحوالي 500 ألف في الولايات المتحدة. بحلول الفترة بين عامي 1910-1913، كانت بريطانيا تصهر 10 ملايين طن من حديد الغفل، فيما كانت ألمانيا تصهر 15 مليون طن، والولايات المتحدة 24 مليون طن.
كانت التحولات في الإنتاج الصناعي تنطوي على تداعيات سياسية مهمة. ففي منتصف القرن التاسع عشر، كانت بريطانيا «ورشة العالم» حيث كانت تنتج معظم المصنوعات التي يتم تصديرها في العالم. زادت الولايات المتحدة وألمانيا على وجه الخصوص إنتاجهما من المواد المصنعة من خلال زيادة صادراتهما، وكانت التحولات في الأداء التجاري محل نقاش واسع آنذاك. احتفظت بريطانيا بمكانتها التجارية ببيع منتجاتها إلى مستعمرات إمبراطوريتها، وقد أدى ارتفاع قيمة تكوين الإمبراطورية على هذا النحو إلى تفجر الصراع على المستعمرات بين الاقتصادات الصناعية. انطوى تفوق ألمانيا على بريطانيا في إنتاج الصلب على تداعيات في مجال تصنيع العتاد العسكري، وقد أدت المنافسة التجارية بين بريطانيا وألمانيا إلى إثارة التوترات الدولية قبيل الحرب العالمية الأولى.
لم تكتف دول القارة الأوروبية وأمريكا الشمالية بالتفوق على بريطانيا في الإنتاج الصناعي بين عامي 1870 و1913، بل نافستها بصورة واضحة في الريادة التكنولوجية. تخطت الولايات المتحدة الأمريكية بريطانيا بالفعل وصارت رائدة العالم في التكنولوجيا، ولكن ظلت الاكتشافات المهمة في معظم الصناعات تحدث في جميع الاقتصادات الصناعية الرائدة. من المنظور العالمي، ما يثير الدهشة هو الفرق بين الدول الغنية التي معا أسهمت في التقدم التكنولوجي، وبين بقية دول العالم التي يبدو أنها لم تسهم في التطور التكنولوجي على الإطلاق.
تتمثل إحدى السمات المهمة في أواخر القرن التاسع عشر في تطوير صناعات جديدة بالكامل، مثل صناعة السيارات والنفط والكهرباء والكيماويات. كانت جميع الدول الغنية منخرطة في إنشاء هذه الصناعات، وكان أول من صمم سيارة تعمل بالبنزين هو سيجفريد ماركوس - وهو نمساوي الجنسية - في عام 1870، كما اخترع ماركوس أيضا نظام إشعال مغناطيسي وكربراتير فرشاة دوارة الذي صار نموذجا قياسيا. صمم كارل بنز السيارة العملية الأولى في عام 1885، ثم جاء في إثره مباشرة جوتليب دايملر وفيلهلم مايباخ - وكانوا جميعا ألمانا. صمم ويليام لانشستر أول سيارة بريطانية في عام 1895، واخترع الكابح القرصي ومفتاح التشغيل الكهربي. كانت أول شركة أسست لصناعة السيارات هي شركة «بانار وليفاسور» في فرنسا في عام 1889، وهي التي ابتكرت أيضا المحرك رباعي الأسطوانات. ابتكرت رينو الكابح الطنبوري في عام 1902. وفي عام 1903، صمم الهولندي ياكوبوس سبايكر أول سيارة سباقات رباعية الدفع. تتطلب المركبات عددا من الابتكارات تشمل المحركات وأنظمة التشغيل والكوابح وناقلات الحركة ونظام التعليق والأجزاء الكهربائية، وغيرها. وتمثل السيارة في شكلها الحديث نتاج الابتكارات التي قدمها أفراد في جميع الدول الصناعية الرائدة. بحلول عام 1900، كانت جميع الدول الصناعية تمتلك شركات تصنيع السيارات. لقد كان الابتكار نشاطا جماعيا بينها.
تتمثل إحدى سمات الصناعات الجديدة الأخرى في أن كثيرا منها ارتبط بتطور العلوم الطبيعية. وقد جنت الدول التي كانت جامعاتها تضم برامج قوية في العلوم الطبيعية مزايا اقتصادية، وتعتبر ألمانيا هي المثال الأبرز في فترة ما قبل ثلاثينيات القرن العشرين، وقد فاز كثير من علماء الفيزياء والكيمياء الألمان بجائزة نوبل. تلقى أبرز المبتكرين ذوي المهارات الفنية تعليما جامعيا، كما أسهم أعضاء هيئة التدريس باكتشافات مهمة طورت من العمليات الصناعية وأدت إلى ظهور منتجات جديدة. ويعد اكتشاف فريتز هابر لعملية تحويل النيتروجين الجوي إلى أمونيا - وهي العملية التي اكتشفها عندما كان عضوا في هيئة تدريس جامعة كارلسروه، وحصل على جائزة نوبل من أجلها - أحد أشهر الاكتشافات، غير أنه ليس الوحيد من نوعه.
أدى ظهور هتلر، ونشوب الحرب العالمية الثانية، وانقسام ألمانيا بعد الحرب إلى خروج العلوم الألمانية عن مسارها، وهكذا انتقلت الريادة في أبحاث الجامعات إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تعمل على تطوير قطاع تعليم عال ضخم. كانت الأبحاث في جامعات الولايات المتحدة الأمريكية تطفو فوق بحر من الأموال الحكومية، وكانت معظم هذه الأموال موجهة إلى القطاع العسكري أثناء الحرب الباردة، غير أن معظم المشروعات التي جرى تمويلها أفادت الاقتصاد ككل. كان التمويل موجها كذلك إلى مجالات الطب، واستكشاف الفضاء، والعلوم الإنسانية والاجتماعية. وقد مثل هذا التمويل أساس ريادة أمريكا العالمية.
طابع الاقتصاد الكلي للتقدم التكنولوجي
جرت معظم أعمال البحث والتطوير في دول العالم الغنية اليوم، فقد طورت هذه الدول تكنولوجيات توقعت أنها ستدر عليها أرباحا، ومن ثم فقد كانت المنتجات والعمليات الجديدة التي ابتكرتها الدول الغنية تلبي احتياجاتها وتلائم ظروفها، خاصة أن الأجور المرتفعة في الدول الغنية دفعتها إلى ابتكار منتجات تقتصد في الأيدي العاملة من خلال زيادة استخدام رأس المال. وقد أدى هذا إلى اتجاه تصاعدي للتقدم؛ حيث أدت الأجور المرتفعة إلى المزيد من الإنتاج الذي يحتاج رأس مال مرتفعا، وهو ما أدى بدوره إلى أجور أعلى. دعم هذا الاتجاه التصاعدي زيادة الدخول في الدول الغنية.
ترتب على قيام دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة بجميع أعمال البحث والتطوير في العالم وجود «دالة إنتاج» عالمية تحدد الخيارات التكنولوجية لجميع الدول. تعرف «دالة الإنتاج» بأنها العلاقة الرياضية التي تحدد مقدار إجمالي الناتج المحلي الذي تحققه دولة ما من خلال استخدام الأيدي العاملة ورأس المال المتوفرين لديها. يبين الشكل
4-1
Page inconnue