ثم جلس على كرسي السلطنة مراد بن أورخان أخو سليمان باشا، وكان سلطانا عظيما في حب الفتوحات وحسن التدبير، وهو الذي استولى على أدرنة في البر الأوروبي، ونقل إليها كرسي ملكه، وهي من أهم المدن واقعة في ملتقى ثلاثة أنهار، ومن أدرنة زحفت جيوشه فاستولت على كملجنة في تراقية وعلى فاردار وفيليولي وبنى مراد جامعا كبيرا في أدرنة.
ولما رأى أهالي بلاد البلقان تقدم العثمانيين وتوالي فتوحهم هالهم الأمر وعمدوا إلى مصادمتهم، وكان البابا «أوروبانوس» الخامس، نادى بالحرب الصليبية، فزحف أورشق الخامس ملك الصرب ومعه أمراء بوسنة والفلاخ والمجر قاصدين الأتراك في أدرنة، وكان السلطان مراد يحاصر بلدة «بيغا» في الأناضول، فالتقاهم الحاج «إلبيكي» من قواد مراد وهزمهم هزيمة شنيعة سنة 1363، واستولى الترك على أثر هذه الوقعة علي «قيزل أغاج» و«يانبول» و«إستيمان» و«سماكوف»، ثم رجع مراد فاستولى على «قرق كلية» و«آيدوس» ومدن أخرى، وفي تلك المدة أزوج مراد ابنه بايزبد المسمى «بلدرم» - الذي تقدم أن تيمور لنك أخذه أسيرا - وذلك من ابنة أمير «كوتاهية» واستولى عليها، وأجبر أمير حميد في الأناضول أن يبيعه إمارته، وسرح «تيمور طاش» أحد قواده فافتتح «مناستير» و«بيرايبة» و«إشتيب» في بلاد الصرب، وافتتح أيضا «صوفيا» من بلاد البانار، ثم سرح جيشا آخر بقيادة الصدر الأعظم خير الدين، فافتتح «سلانيك» وكان خير الدين هذا من أحسن الوزراء تدبيرا، فلما مات طمع أعداء العثمانيين وزحف البلغار من جهة أوروبا، وأمراء قرامان في الأناضول في وقت واحد، فأسرع مراد إلى صد أمير قرامان وهزمه وأسره، وعاد إلى البلقان لقتال الصرب والبلغار، وزحف الوزير «علي باشا» فاستولى على بلاد البلغار، وأسر «سيسمان» ملك بلغاريا ولم يقتله وعين له مرتبا يعيش به، وصار ابن ملك البلغار من أتباع السلطان. وأما ملك الصرب «اليعازر» فكان قد جمع جموعه وزحف بالصرب والأرناءوط، فالتقى الجمعان في صحراء «قوصوه» فكانت معركة من أشد ما عرف التاريخ، وانهزم الصرب وأحلافهم، وبينما السلطان مراد يسير على أشلاء قتلى الصرب نهض أحد الجرحى فأغمد فيه خنجره، فجرح السلطان جرحا بليغا مات به، ولكن بعد أن أمات اليعازر ملك الصرب.
وكان لقبه عند الناس «غازي خداوندكار» بويع له سنة إحدى وستين وسبع مئة، ونبغ في زمانه: المولى محمود قاضي بروسة، وكان قاضيا بالعدل تقيا متورعا، وكان له ولد اسمه محمد فبرع في العلوم إلا أنه مات شابا، وكان له ولد آخر اسمه موسى باشا ارتحل إلى بلاد العجم، وقرأ على علماء خراسان وما وراء النهر، وبلغ شهرة عظيمة واتصل بخدمة ملك سمرقند «أولغ بك»، وكان هذا الملك محبا للعلوم الرياضية فقرأها عليه لأنه كان من علماء هذه العلوم، ومن المؤلفين فيها وشرح أشكال التأسيس في الهندسة، وله كتاب في علم الهيئة، وقرأ على السيد الشريف ولكن لم تحصل الملاءمة بينهما فتركه، وقال السيد الشريف في حقه: غلبت عليه الرياضيات.
ومنهم الشيخ جمال الدين محمد بن محمد الأقصرائي، كان علامة في العلوم العقلية والنقلية، وله كتب منها كتاب في الطب، ويقال إنه من نسل الفخر الرازي.
ومنهم المولى برهان الدين أحمد قاضي أرزنجان، وكان عالما فاضلا ورعا، وصار أميرا على أرزنجان، وقتل في أواخر سنة ثمان مئة في إحدى الوقائع.
ومنهم الحاج بكتاش وكان من الأولياء، وجاء في «الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية» أنه انتسب إليه فيما بعد بعض الملاحدة نسبة كاذبة، وهو بريء منهم.
ومنهم الشيخ محمد الكشتري، أصله من العجم توطن بروسة.
ومنهم بيوستين بوش، أصله من العجم بني له السلطان مراد زاوية في قصبة يني شهر.
ثم تولى السلطنة بعد مراد ابنه «بايزيد يلدرم» أي الصاعقة وفي أيام بايزيد صارت مملكة الصرب تابعة للمملكة العثمانية، ولكن بقي «إتيان بن اليعازر» أميرا عليها يؤدي الجزية لبايزيد، وكانت بقيت لمملكة القسطنطينية في الأناضول بلدة فيلادلفيا، والأتراك يقولون لها «آلاشهر» فأراد السلطان بايزيد أن يلحقها بمملكته وحاصرها، فأرسل السلطان إلى ملك القسطنطينية باليولوج بأن يأمر القائد بتخيلة البلدة، فزحف باليولوج إلى البلدة وأجبر أهلها على تسليمها للسلطان، وفي ذلك الوقت استولى السلطان على إمارة «آيدين» وعلى قسم من إمارة قرامان، ثم حاصر بايزيد القسطنطينية، وزحف صوب بلاد الفلاخ من رومانيا الحاضرة ودوخها حتى ارتضى أهلها بدفع الجزية. ثم استولى بايزيد على مملكة «قرامان» كلها وعل «طوقات» و«سيواس»، فلم يبق في آسيا الصغرى مملكة تركية مستقلة إلا إمارة «قسطموني» والتجأ إليها الأمراء الذين كان بايزيد أخذ بلادهم، فطلب بايزيد من أمير قسطموني تسليم أولاد أمراء «منتشة» و«آيدين» فرفض طلبه، فزحف إليه واستولى على صمصون وعثمان جيك وغيرهما، وفر أمير قسطموني لاحقا بتمرلنك. وفي أيام بايزيد استلحقت السلطنة العثمانية مملكة البلغار تماما، وأسلم ابن الملك «سيسمان» فاعترض «سيجسموند» ملك المجر على استلحاق بايزيد لبلاد البلغار كلها، وتأهب للحرب وأرسل يستصرخ الفرنسيس والبابا، فأعلن البابا الحرب الصليبية على العثمانيين، وأرسل دوق برغونية ستة آلاف مقاتل لمعاونة المجر وأنضم إلى ذلك الجيش أكابر أمراء فرنسا مثل الدوق «دوبور بون» والدوق «دويار» أولاد عم ملك فرنسا والماريشال «بوسيكو»، وانضم إليهم كثير من الألمان من بافاريا واستيريا، ولما تلاقي هذا الجيش مع المجر وزحفوا لقتال الأتراك كان عدد هذا الجيش الصليبي ستين ألفا، ولكن جيش آل عثمان كان مائتي ألف، فعندما التقى الجمعان هجم الفرنسيس على مقدمة العثمانيين، فأحاط هؤلاء بهم فانهزموا، فلما رأى الهزيمة جيش الميمنة من الصليبيين تحت قيادة «لازكوفيتش» أمير تراتسلفانيا تقهقر إلى الوراء وكذلك تقهقر «مانيس» قائد الميسرة المؤلفة من الفلاخيين، وثبت القلب وكان فيه المجر والألمان، واشتد القتال وكادت تزلزل أقدام العثمانيين إلا أنهم تغلبوا في الآخر على أعدائهم بعد معركة تشيب لها الاطفال هي من أشهر معارك التاريخ.
ويقال إن العثمانيين لم يقهروا الجيش الصليبي ذلك اليوم إلا بعد خسائر تفوق التصور، حتى إن بعض مؤرخي الإفرنج ذكروا أن المسلمين خسروا في تلك المعركة ستين ألف قتيل، مما أهاج غضب السلطان حتى أمر بقتل عشرة آلاف أسير من الإفرنج، وأستحيا السلطان منهم «الكونت دي نيفير
Page inconnue