وقال البلاذري: إنه نال من العدو نيلا شافيا، وفي خلافة هشام بن عبد الله تولى العراق عمر بن هبيرة الفزاري، فعزل الجرشي واستعمل على خراسان مسلم بن سعيد، فغزا «الأفشين» فصالحه على ستة آلاف رأس، ودفع إلى قلعته وتولى طخارستان نصر بن سيار كما تقدم الكلام عليه فخالفه خلق من العرب فأوقع بهم ثم سفرت بينهم السفراء فاصطلحوا.
ثم تولى العراق خالد بن عبد الله القسري من قبل الخليفة هشام بن عبد الله فولى خالد أخاه عبد الله بلاد خراسان، وبلغ ذلك مسلم بن سعيد فسار إلى فرغانة وأناخ على مدينتها وعاث فيها، فاجتمع عليه الترك وعليهم خاقانهم، فارتحل عن فرغانة، وغزا أسد بن عبد الله القسري «جبال نمرود» فصالحه نمرود وأسلم وغزا «الختل» فلم يقدر عليها.
ثم استعمل الخليفة هشام أشرس بن عبد الله السلمي فدعا أهل ما وراء النهر إلى الإسلام وأمر بطرح الجزية عمن أسلم، فسارعوا إلى الإسلام وانكسر الخراج، ثم استعمل الخليفة هشام سنة 112 الجنيد بن عبد الرحمن المري علي خراسان، فحارب الترك وهزمهم وظفر بابن خاقان فبعث به إلى الخليفة هشام ولم يزل يقاتل الترك حتى دوخهم، وأمده الخليفة بعمرو بن مسلم في عشرة آلاف رجل من أهل البصرة وبعبد الرحمن بن نعيم في عشرة آلاف من أهل الكوفة، وحمل إليه ثلاثين ألف قناة وثلاثين ألف ترس، وأطلق يده في الفريضة، ففرض لخمسة عشر ألف رجل، وكانت للجنيد مغاز كثيرة وفي زمانه عصت نواح من طخارستان ففتحها، وكانت وفاته بمرو، فولى الخليفة هشام عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي .
وكان نصر بن سيار غزا «أشروسنة» أيام الخليفة مروان بن محمد فلم يقدر عليها، وكان من بعده من الخلفاء يولون عمالهم فينتقصون حدود أرض العدو، ويحاربون من نقض العهد، وبقي الأمر كذلك إلى أيام المأمون يوم مقامه بخراسان، فكان يغزو بلاد الترك من السند وأشروسنة وفرغانة ويوالي عليهم الغارات، ولكنه من جهة ثانية يدعوهم إلى الإسلام، وكتب إليه كاوس ملك أشروسنة يسأله الصلح على مال يؤديه على شرط أن لا يغزي المسلمين بلده، فأجيب إلى ذلك، فلما تولى المأمون الخلافة امتنع كاوس من الوفاء بالصلح، فأرسل المأمون أحمد بن أبي خالد الأحول الكاتب لغزو أشروسنة في جيش عظيم، فاستصرخ كاوس الترك فزحفوا لنجدته، ولكن أحمد بن أبي خالد أناخ على أشروسنة قبل وصول الأتراك فاستسلم كاوس له، وورد كاوس مدينة السلام وأظهر الإسلام، وملكه المأمون على بلاده ثم ملك ابنه «خيذر بن كاوس» الملقب بالأفشين بعده (واسمه بالخاء المعجمة كما رأيت في تاريخ أبي الفداء). وكان المأمون رحمه الله يكتب إلى عماله في خراسان يغزو من لم يسلم من الترك ويسني العطاء لمن أسلم، وإذا ورد ملوك الترك بابه بالغ في تشريفهم وإكرامهم وأدر عليهم الأرزاق، ثم جاءت خلافة المعتصم، فكانت رغبته في الترك أكثر من كل الخلفاء، وصار أكثر جيشه من أهل السند وفرغانة والأشروسنة والشاش، وغلب الإسلام على تلك البلاد، وصار أهلها يغزون من وراءهم من الترك، وأغزى عبد الله بن طاهر ابنه طاهر بن عبد الله بلاد الغوزية ففتح مواضع لم يصل إليها أحد قبله وكان قتيبة الباهلي أسكن العرب في أرض فرغانة والشاش.
والأفشين هذا هو الذي بعد أن أسبغ عليه الخفاء النعم الجسام عاد فظهر أنه لم يكن إسلامه إلا خداعا، وأنه لم يكن طهر قلبه من عبادة أصنامه، فانتهى الأمر بأن المعتصم قاتله وأخذه، وبعد وقوعه باليد أحرقه، وفي ذلك يقول أبو تمام الطائي شاعر الحضرة.
يا رب فتنة أمة قد بزها
جبارها في طاعة الجبار
جالت «بخيذر» جولة المقدار
فأحله الطغيان دار بوار
كم نعمة لله كانت عنده
Page inconnue