وذهب (اليوت سميث) إلى وجود عادات وعقائد عمة لهذه الأقوام الساكنة على هذه الشواطئ لا تجدها عند الأمم الشمالية، ولا عند الأمم الجنوبية. ومهد هذه الثقافة الحجرية كان قبل المسيح بخمسة عشر ألف سنة على ضفاف البحر المتوسط، والقسم الشمالي من أفريقيا. والمدنيات الأولى أي مدينة مصر، ووادي الفرات، ودجلة، قد تولدت من هذه الثقافة الحجرية. وكذلك مدينة العرب الرحل الساميين.
التوراة وهل وقع فيها تبديل أم لا؟
تعليق على ما جاء بسطر 3 صفحة 8 جزء أول من ابن خلدون
هذا مقام جليل دقيق لا بد للباحث فيه من أن يبلغ نهاية التروي حتى لا تدحض قدمه، ولا يقع فيما يؤاخذ عليه. والذي يظهر من رأي ابن خلدون أنه لا يعتقد بتبديل التوراة أخذا بقوله تعالى:
وعندهم التوراة فيها حكم الله
قال: فلو كانوا بدلوا من التوراة ألفاظها لم يكن عندهم التوراة التي فيها حكم الله. ونقل عن ابن عباس قوله: معاذ الله أن تعمد أمة من الأمم إلى كتابها المنزل على نبيها فتبدله. أو ما في معناه. ثم قال: إن ما وقع في القرآن الكريم من نسبة التحريف والتبديل في التوراة إلى اليهود فإنما يراد به التأويل فيها. ثم استدرك بقوله: «إلا أن يطرقها التبديل في الكلمات على طريق الغفلة وعدم الضبط وتحريف من لا يحسن الكتابة بنسخها، فذلك يمكن في العادة، لا سيما وملكهم قد ذهب، وجماعتهم انتشرت في الآفاق، واستوى منهم الضابط وغير الضابط.» قلت: وليس هذا مذهب جميع المسلمين، فإن قضية التبديل في التوراة معروفة من صدر الإسلام، ومشار إليها في القرآن نفسه بأن اليهود كانوا يحرفون الكلم عن مواضعه، وإنهم كانوا يتعمدون كتمان بعض ما أنزل عليهم، وقد ضربوا مثلا لذلك كون النبي
صلى الله عليه وسلم
سأل اليهود عما جاء في التوراة بشأن رجم الزانية فأخفوا عنه آية التوراة المتعلقة بهذا الأمر. ومن المعلوم أن هذا وأمثاله مما شهد به القرآن على اليهود، وجاء مثله في الحديث، لا يخرج عن كونه تبديلا، ولذلك صارت قضية التبديل في التوراة مثلا مضروبا. كنت أسمع أستاذنا الشيخ محمد عبده رحمه الله يقول: «هذه توراة مبدلة.» ولا أرى في نسبة التبديل إلى التوراة ما يخالف قوله تعالى:
وعندهم التوراة فيها حكم الله
لأن العبرة بالغالب، أو لأنه يريد أن يقول: إن التوراة فيها حكم الله إذا كانت على وجهها الصحيح. وبالجملة فالمسلمون منهم من حصر معنى التبديل في تحريف الكلم عن مواضعه.
Page inconnue