Histoire de la première guerre des Balkans: entre la Sublime Porte et l'Union balkanique composée de Bulgares, Serbes, Grecs et Monténégrins
تاريخ حرب البلقان الأولى: بين الدولة العلية والاتحاد البلقاني المؤلف من البلغار والصرب واليونان والجبل الأسود
Genres
وليس حقد الصربيين وأهل الجبل الأسود على الأتراك بأخف من حقد اليونانيين والبلغاريين، فإنهم مثل حلفائهم يربون في أبنائهم محبة الثأر من تركيا، ولا ينسون انتصار الأتراك عليهم وفتكهم الذريع بهم، ذكر الموسيو «ألبير مالي» الأستاذ الكبير في التاريخ السياسي: أن المؤرخ الصربي «ليوبا كوفاتشفيتش» وقف يرثي ابنه الذي قتل في إحدى معارك الحرب البلقانية فقال: «يا بني نم بسلام فقد أوفيت دينك للوطن، وقل لدوشان ولازار بل قل لجميع شهداء قوصوه إن أمتهم ثأرت لقوصوه ...» ولقد دلت الحرب على أن الثأر الذي أشار إليه هذا المؤرخ الصربي هو أمنية كل فرد من أمته، وأن الحقد على الأتراك شامل لطبقاتها، قال أيضا الموسيو «ألبير مالي»: إن معارك قوصوه (التي حدثت من نحو 500 سنة) ما زالت تذكر عندهم كما تذكر حوادث حرب السبعين عند الفرنسويين، وما برحوا يرددون تذكار القيصر دوشان والقيصر لازار حتى الآن.
ثم روى الأستاذ نفسه دليلا على احتفاظ الصربيين بما يضرم الضغينة في قلوبهم على الأتراك قال: إن ألفا من الصربيين كانوا سنة 1809 محصورين في أحد المعاقل على مقربة من مدينة نيش، فرأوا أن الأتراك أوشكوا أن يستولوا على موقعهم عنوة، فاختاروا أن ينسفوا معقلهم بما كان عندهم من البارود على أن يقعوا أحياء في أيدي أعدائهم، ثم جاء الأتراك بعد نسفه وفصلوا رءوسهم عن الجثث وجعلوا منها شبه برج. ولما دخل الصربيون مدينة نيش سنة 1878 كان ذاك البرج محفوظا على شكله فرفعوا الجماجم ودفنوها في مقبرة وأبقوا البرج ليراه الأبناء والأحفاد ولقبوه ببرج الجماجم، وأصبح أمره موضوع قصص العجائز والوالدات في البيوت والأساتذة في المدارس.
وليس من غرض هذا الكتاب أن نفيض في شرح الوقائع التاريخية التي أشعلت نار ذاك الحقد، فإنا نختم الكلام عن هذا السبب الأول من أسباب الحرب بما تضمنه قانون أصدرته حكومة الجبل الأسود سنة 1484 ليكون دليلا آخر على الحقد القديم في صدور أهل ذاك الجبل أيضا وهو: «إذا نشبت الحرب بيننا وبين الأتراك فلا يجوز لأحد من أهل الجبل أن يترك ساحة القتال إلا بأمر رئيسه، وكل من يفر أمام الترك يفقد شرفه إلى الأبد، ويصبح محتقرا منبوذا من آله، ثم يلبس ثوب امرأة ويعطى مغزلا ليشتغل به مع النساء، وتعمد النسوة أنفسهن إلى طرده كما يطرد الجبان الذي يخون وطنه.»
1
وهنا ندع القارئ يفكر في الحالة النفسية التي كان فيها أعداء تركيا يوم ساروا إلى الحرب وهم يأملون النصر. (2) السبب الثاني
هو طمع كل دولة من أعداء تركيا في بسطة الملك ومنعة الجانب واسترجاع شيء من مجدها القديم، فإن مجد الدولة اليونانية القديم معروف خالد وآثار سلطانها ما زالت بادية في شبه جزيرة البلقان بما نراه من انتشار لغتها ومبانيها وكنائسها، وسقوط الإمبراطورية البيزنطية ترك إلى اليوم حسرة في قلبها، وهي منذ شاءت أوروبا أن تمنحها الاستقلال تصرف قواها إلى استرجاع ما فقدته، وتذكر أبيروس وكريت وجزر الأرخبيل وسائر ما طلع عليه الهلال من البلدان التي كانت تحت سلطانها.
ثم إن دولة البلغار التي صارت إلى الأتراك بحكم السيف منذ سنة 1393، كانت على شيء كبير من البطش والقوة، وما برح البلغاريون يعنون عناية خاصة بتعليم تاريخها لأبنائهم ولبثوا قرونا طويلة يحنون إليها في سرهم، حتى كانت الحرب الروسية العثمانية الأخيرة فانتصرت روسيا وأجبرت تركيا على الاعتراف باستقلالهم وجعلت مملكتهم كبيرة واسعة في شبه جزيرة البلقان، على أن مؤتمر برلين الذي عدل معاهدة سان استفانو أنقص ما طلبته لهم روسيا في المعاهدة المذكورة. فخرجت بلغاريا صغيرة، ولكن مطامعها كبيرة، ثم أخذت تستعد لأخذ ما حرمتها منه السياسة الدولية.
والصرب من جهة ثالثة تطمع في استرجاع البلدان التي تحسبها مهد عزها ومجدها، فقد كان للصربيين ملك مستقل منذ القرن الثالث عشر ثم بقي ينمو نحو قرن ونصف، حتى بلغوا أعلى مرتبة من مراتب عزهم في أواسط القرن الرابع عشر وامتد ملكهم في أيام إمبراطورهم دوشان من البحر الأسود إلى الأدرياتيك ومن نهر الطونة إلى بحر الأرخبيل، ولما كانت سنة 1346 توج دوشان إمبراطور في أوسكوب، وكان الصربيون في تلك السنة ينوون الزحف على الأستانة؛ لأنهم رأوا الإمبراطورية اليونانية أصبحت في دور الشيخوخة والانحلال، ولكن إمبراطورهم دوشان توفي فجأة فحال موته دون مرامهم.
وكان الأتراك في ذاك الوقت يتجهون نحو شبه جزيرة البلقان ويستولون على بلادها، وما لبثوا أن قهروا الصربيين وأذلوهم.
وإذا تدرجنا من ذاك العهد البعيد إلى عهد مؤتمر برلين وجدنا أن الصربيين كانوا يطمعون في شيء كثير فخابت آمالهم؛ لأن الدول لم تشأ أن تؤيدهم بقدر ما طلبوا؛ ولأن روسيا نفسها التي أراقوا دماءهم مع دمائها في حرب 1877 لم تكن تميل إليهم ميلا شديدا لما آنست من غيرتهم الشديدة على استقلالهم ودستورهم وحريتهم، ولا بدع فإن حكومة روسيا كانت تكره الدستوريين بالطبع ولا سيما في ذاك الوقت، فاختارت بعد معاهدة سان استفانو أن تجزل العطاء للبلغاريين الذين ساعدوها أيضا في الحرب، فتنشأ بلغاريا قوية بدلا من أن تعزز جانب الصرب.
Page inconnue