Histoire du mouvement national en Egypte ancienne : de l'aube de l'histoire à la conquête arabe
تاريخ الحركة القومية في مصر القديمة: من فجر التاريخ إلى الفتح العربي
Genres
قامت الثورة ضد الهيئة الحاكمة وضد الإقطاعيين معا؛ إذ تعاون الفريقان على إهدار مصالح الشعب.
وفي ذلك يقول الدكتور أحمد بدوي: «كان لا بد للأمور من نتيجتها الطبيعية وهي الثورة والانحلال السياسي، فالدولة المصرية كانت قد شاخت وشاخ من حولها الزمان، وسياسة البلاد كانت تسير على نهج أعوج لا يكاد يستقيم؛ لأن الحكومة كانت تأخذ من الفقراء لتملأ خزائن الأغنياء، وتشبع الأغنياء من قوت الجائعين والفقراء ، وتسعد المترفين على حساب المعوزين، وتحول بين خطوة المظلوم وصوته وسمع السلطان وبصره، وليس أصعب من وصول كلمة الحق إلى ساحة الملوك والأمراء، البطانة تتلقاها فتحجبها، والمكر يتحداها فيطمسها، ونفاق البلاط يبتلعها ويقتلها، وقليل من ملوك الدهر من يستطيع أن يصل ببصره إلى ما وراء البطانة أو يمد سمعه إلى ما وراء أستار العرش، بل قليل من ملوك الدهر من يستطيع أن يلتوي على نفاق رجال القصر أو يغلب مكر البطانة. أخذت بواكير الثورة تتراءى من كل حدب وصوب، بينما انطوى شيخ القصر على نفسه لا يكاد يعرف من أمر ذلك شيئا، وانصرف حكام الأقاليم إلى مصالحهم الذاتية، وباتوا يرقبون بعين الحذر ما تطالعهم به الأيام، وأخذ كل منهم يتربص بصاحبه الدوائر، وأخذ الدهر يدس لهم قضاءه بين ثنايا الأيام وطيات الليالي حتى دهمهم بخيله ورجاله، فحيل بينهم وبين القصر، وحيل بين القصر وبين كل سلطان، وهب الشعب بثورته الاجتماعية الطاحنة التي اندلعت نارها في البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وغادرت الأيام «منف»، وأضحى القصر عاريا من ثياب الملك، عطلا من زينة السلطان، وزال نفوذه وتعطلت حقوقه، وتعطلت معها الحقوق المدنية والدينية جميعا، وتحللت الدنيا من كل قيد، وانطلق الناس من عقالهم، وقد أخذ بعضهم يومئذ يموج في بعض، واختفى الضمير الإنساني الحي، وارتفع عن الناس برقع الحشمة فتجردوا من ثياب الوقار، وساد في البلاد قانون الفوضى - إن صح أن يكون للفوضى قانون - فنادى داعي الفوضى في الناس يغريهم بكل شيء ويبشر فيهم بدستور الثورة ومنطقها، إن صح أن يكون للثورة دستور ومنطق.»
3
وقال الدكتور أحمد فخري في هذا الصدد: «كانت هذه الثورة الاجتماعية ثورة الشعب على من ظلموه، ومهما كانت نتائجها المخربة وقت حدوثها، فإنا نحمد لها ما بعثته في الشعب المصري من آراء جديدة، أهمها الإعلاء من شأن الفرد، وأن كل إنسان مسئول عما قدمت يداه من خير أو شر، بل عن حسن نيته أو سوئها، وأنه سيحاسب وسيجازى أمام الإله الأعظم على ذلك، دون نظر إلى فقره أو غناه، ودون نظر إلى قبر يشيده أو أوقاف يتركها ليستغلها الكهنة عندما يتلون الصلوات أو يقدمون لروحه قرابين صورية يستفيدون منها دون غيرهم، عرفت مصر قيمة الفرد وعمله في هذا الوقت المبكر من تاريخ البشرية قبل أن يصل إليه غيرهم بقرون كثيرة.»
4
تمثلت هذه الثورة في الانتفاض على الهيئة الحاكمة، والخروج على تقاليد الخضوع لها، والهجوم على مخازن الحكومة ومكاتبها، وعلى قصور الإقطاعيين الذين استغلوا السلطة، فتقاسموا والحكام خيرات البلاد.
ولم يعالج هذه الثورة حاكم حازم يوقف الحكام والإقطاعيين عند حدهم ويعيد الأمن ويقر النظام ويرفع منار العدل والقانون بين الناس، وتعاقبت على البلاد الأسرات السابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة، والبلاد تتردى في هوة الانحدار والتفكك والفوضى، حتى انقرضت الدولة القديمة، واستمرت البلاد نحو ثلاثة قرون في ظلام حالك. (5-2) سبعون ملكا في سبعين يوما
ويقول مانيتون عن الأسرة السابعة إن عدد ملوكها سبعون ملكا وإنهم حكموا البلاد مدى سبعين يوما.
ومعنى هذا أن الملك كان يحكم يوما واحدا، وهذا أفظع مظهر للفوضى التي عمت البلاد وقتئذ.
وقد تحقق أخيرا هدف الثورة على يد رجل برز من صفوف الشعب، واعتلى عرش الملك، وهو «أمنمحات» الأول الذي أسس الأسرة الثانية عشرة.
Page inconnue