Histoire du mouvement national en Egypte ancienne : de l'aube de l'histoire à la conquête arabe
تاريخ الحركة القومية في مصر القديمة: من فجر التاريخ إلى الفتح العربي
Genres
وقال في هذا الصدد: «ويرجع أصل المدنية الحديثة إلى الأمم التي نشأت على شواطئ البحر الأبيض المتوسط الشرقية وإلى البلاد المجاورة لتلك الجهات، وذلك منذ نحو ستة آلاف سنة تقريبا، وكانت بلاد العراق مركزا ثانيا لمدنية قديمة، لكنها لم تشترك في تكوين حضارتنا الحديثة لعدم اتصالها بسكان شواطئ البحر الأبيض المتوسط، ويعزى ذلك إلى عدم اتصال هذا البحر بنهر الفرات، مع أنهما كانا متصلين قديما قبل ظهور هذه الحضارة؛ لذلك اعتبر المؤرخون أن حضارتنا الحالية نشأت على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، من المحيط الأطلسي إلى الأراضي الصحراوية شمالي إفريقية، وإلى الخليج الذي كان متصلا بالبحر الأحمر، ثم إلى الشمال في القارة الآسيوية، ويخترق هذا الإقليم الشاسع واديان عظيمان متجهان شمالا وجنوبا، يعرف أولهما بوادي دجلة والفرات وهو في القارة الآسيوية، أما الثاني فبإفريقية ويقال له وادي النيل، وهذان الواديان هما منشأ المدنية القديمة، فصار لذلك الجبهتين اللتين يبحث فيها عن تاريخ الإنسان القديم حتى ظهور الحضارة الأوروبية الحديثة، وقد كانا أيضا المهدين الوحيدين لحضارتين مختلفتين عمتا تدريجيا البلاد المجاورة، حتى التقتا معا بآسيا الصغرى، ثم انتشرتا إلى جنوب أوروبا.»
4
ويقول الدكتور أحمد فخري في هذا المعنى: «إن اليونانيين أنفسهم يعترفون بفضل حضارات الشرق عليهم، ويفتخر الكثيرون من رجالهم الذين وضعوا أسس العلوم اليونانية أنهم درسوا سنوات عدة في مصر، وتلقوا من كهنتها الكثير مما حملوه معهم إلى بلادهم، لا في الطب أو في القانون أو في الرياضيات فقط، بل في كثير من النواحي الأخرى كالنحت والموسيقى ... إن المائة سنة الأخيرة قد أمدتنا بوثائق لا حصر لها عن مدى تقدم الشرق في حضارته، ومدى أثر مصر على غيرها من الحضارات ومن بينها حضارة اليونان. لقد ثبت الآن أن افتخار اليونانيين بأنهم تعلموا ما تعلموه من مصر لم يكن مجرد ادعاء أو محاولة إضفاء شيء من الفخر على أنفسهم، لما كان معروفا عن بلاد النيل بأنها كانت بلاد الحكماء القدماء، بل كان حقيقة مؤكدة؛ لأنه بالرغم من أن الحضارة المصرية لم تكن في وقت اتصال اليونانيين بها مصر القوية المتوثبة التي كانت من قبل، إلا أن شعلة العلوم لم تكن قد خبت وانطفأت، ولكنها ظلت مضيئة على الأقل بين كهنة المعابد وغيرهم من الطبقات، وبخاصة من الموظفين، ولم تلبث مصر بعد ذلك حتى دخلت في دور جديد من أدوار تاريخها، وهو دور النهضة التي ظهرت منذ الأسرة الخامسة والعشرين واستمرت طيلة أيام الأسرة السادسة والعشرين، ويطول بنا الحديث لو حللنا أقوال كبار فلاسفة اليونان وعلمائها وإشادتهم بمصر، واعترافهم بأنهم تعلموا من المصريين ما تعلموه وما علموه بعد ذلك لتلاميذهم، ويكفي أن نذكر ما كتبه أفلاطون الذي قضى ثلاثة عشر عاما في مصر، لندرك قيمة ما كان يحس به اليونانيون القدماء من دين للمصريين.»
5 (1-2) خلفاء أبسماتيك الأول (أ) نيخاو الثاني
خلف أبسماتيك الأول ابنه «نيخاو» الثاني، وحذا حذو أبيه في دعم أسباب النهضة وزاد عليها أن عني بالأسطول، فأنشأ أسطولا تجاريا رفع علم مصر فوق ظهر البحار، وكان هذا الأسطول سيد بحار العالم في التجارة وأكبر أسطول تجاري في البحر الأبيض المتوسط.
وأنشأ أيضا أسطولا حربيا، وقد سعى في استرداد أملاك مصر الآسيوية التي كانت لها في عهد تحوتمس الثالث.
وكانت آشور قد تولاها الضعف منذ أن زاحمتها «بابل» على السيادة والسيطرة وما زالت بها حتى استولت عليها.
معركة أخرى في مجدو (سنة 608ق.م)
زحف نيخاو على فلسطين واستولى على غزة وعسقلان، وكانت فلسطين قد تحررت من آشور، وآل الأمر في يهوذا إلى ملك يسمى «بوشيا»، فظن أنه يستطيع أن يصد المصريين كما صد الآشوريين من قبل، فدارت بين نيخاو وبوشيا حوالي سنة 608ق.م معركة في سهل «مجدو» الذي وقعت فيه أول معركة حربية منذ تسعمائة سنة بين تحوتمس الثالث وأمير قادش، وانتصر فيها تحوتمس انتصارا عظيما كما سلف القول (انظر الخريطة شكل
6-2 ).
Page inconnue