Histoire de Hama
تاريخ حماة
Genres
وقد كانت صرة العمران ومبدؤه من محلة باب الجسر شمال القلعة من الطريق المسمى طريق الحلوانية على كتف النهر مستديرا حول القلعة إلى محلة المدينة شبه الهلال، ثم محلة المدينة وورائها الجبل المسمى بالعريصة، ثم امتد العمران. ولم تكن القلعة عامرة، وإنما كانت شبه جبل أولها مبدأ محلة الباشورة من الشرق، ونهايتها باب الجسر من قبلي المحلة. ولم تكن الباشورة منفصلة عن القلعة كما هي الآن، وإنما فصلها عن بعضها تقي الدين عمر ابن أخي صلاح الدين، فكان الطريق الفاصل بينها وبين جبلها الباشورة هو الطريق الكائن بجانب جامع النبي حام من جهة الشمال كما سنذكر.
سكان حماة الأقدمون
لم يصل بحث المؤرخين لما قبل الطوفان، وإنما غاية ما علموه أن نوحا عليه السلام تفرقت ذريته في فضاء الأرض، وأن سكان حماة الأقدمين من ذرية ابنه حام. قالوا: ولد لحام أربعة ذكور: الأول كوش، والثاني مصراييم، والثالث فوت، والرابع كنعان. أما كوش فقد انتشرت ذريته في سواحل الصعيد الأعلى وهم الحبشة والسودان. وأما مصراييم فهو أبو المصريين. وأما فوت فمساكن ذريته برقة وما والاها من بلاد الغرب كالبربر. وأما كنعان فقد كانت مساكن ذريته على سواحل الخليج الفارسي كالقطيف والبحرين. وقد كانت لهم في تلك الأنحاء مدينتان عظيمتان: اسم إحداهما صور، والأخرى أرواد، فلما رحلوا إلى سوريا - حينما كان بينهم وبين ملوك بابل حروب اضطرتهم إلى هجر منازلهم - سكنوا على السواحل، وسموا بدل تينك البلدتين بلدتين باسميهما: صور، وأرواد، ولكثرتهم تغلبوا على سكان سوريا الأقدمين وهم الأراميون أبناء سام بن نوح عليه السلام.
تفرقوا في أنحاء سوريا إلى أربع فرق: الأولى أقامت في بلاد فلسطين، والثانية أقامت على سواحل الشام فيما بين جبل لبنان والبحر وهم الفنيقيون، والثالثة أغارت على الديار المصرية فاستولت عليها ومنهم الملوك العمالقة، والرابعة تعمقت إلى جهة الشمال من الشام، وسكنت في وادي نهر «الأورونت»؛ أي العاصي، ومعناه النهر الشرقي، وهذه الفرقة هي أعظم فرق الكنعانيين بكثرة رجالها وقوتها، وكانوا يسمون «الحثيين»، وذلك قبل ميلاد المسيح عليه السلام بألفين وخمسمائة سنة. وقد أطلقت التوراة اسم «حمث» على جميع البلاد الشامية نسبة إلى القسم الأكثر منها وهو حماة وتوابعها في سالف الزمن؛ فقد كانت آخذة من داخل الحماد وتدمر شرقا حتى قلعة المضيق غربا وحلب شمالا والشام جنوبا. أما البلاد العظيمة في ذلك الحين على طول نهر الأورونت فهي قادس عاصمة مملكة الحثيين وحمص وحماة، ثم حدثت أفاميا وأنطاكية والسويدية، وكانت حماة تسمى أبيفانيا.
تغلب الحثيون على الكثير من سكان سوريا الآراميين، وقويت شوكة الحماتيين منهم فبنوا البنيان الضخم، وغرسوا الأرض وفلحوها وغنموا من ثمرها ورسخت قدمهم في البلاد، غير أن توتمس الأول أحد فراعنة مصر غزا سورية وبلغ بلاد الحثيين، وقامت بين الفريقين الحرب، وأخيرا أخضع السوريين عموما وبلغ الفراة، وذلك في القرن 18 قبل الميلاد. ثم هب الحماتيون مع بقية السوريين لمحاربة المصريين، فتلاقوا مع توتمس الثالث ملك مصر سنة 1700 قبل الميلاد فلم يفلحوا، ودانت لتوتمس سورية مع حماة فأخذ منها جزية عظيمة. ثم غزا توتمس هذه البلاد ثانية فأخذ من أهليها ذهبا كثيرا وعبيدا وبقرا وغيرها. ثم ولي مصر توتمس الرابع فغزا بلاد الحثيين وقتل كثيرا من رجالها وأخذ أيضا غنائم عظيمة.
وفي القرن السادس عشر قبل الميلاد غزا رعمسيس الأول - أحد ملوك مصر - بلاد سوريا، فلم يصل إلى وادي العاصي إلا ولقي جيوشا جرارة بقيادة «سابالت» ملك الحثيين فخاف من حربهم، وعقد معهم معاهدة صلح على أن تكون كلتا الدولتين عونا للأخرى تجاه العدو. ودام الأمر على هذا العهد حتى ملك مصر «ساتي» ابن رعمسيس المذكور، وهذا جهز الجيوش المصرية وأتى بها إلى سورية فغزا العرب في طريقه وأضعف قوتهم، ثم دخل سورية فتلقاه ملوكها بعساكرهم، فكان النصر حليف المصريين، وقتل من السوريين خلق كثيرون، وتغلغل ساتي في البلاد حتى وصل إلى قلعة قادس
1
مركز الحثيين، وهنالك اشتعلت نار الحرب الضروس وطال أمد لهيبها فنصبت المنجنيقات، ثم افتتح المصريون قادس رغما، غير أن هذا الفتح لم يضعف قوة الحثيين عن الدفاع والمحافظة على بقية أوطانهم فكانت الحرب سجالا، وآخر الأمر عقد الفريقان معاهدة صلح على أن ترد للحثيين أملاكهم المغصوبة، وأن لا يظهر من «موتنار» ملك الحثيين عداء على المصريين. كل ذلك منقوش على هيكل الكرنك بمصر.
وفي أواخر القرن السادس عشر قبل الميلاد ملك مصر «رعمسيس» الثاني ابن ساتي، وتأهب لغزو الحثيين، فطفقوا يتأهبون لحربه، فلم يلبث أن جاء إلى بيروت ثم نزل في حصن الأكراد. وكان «موتنار» ملك الحثيين جمع لحربه عساكر حلب وكركميش
2
Page inconnue