Histoire des raids arabes en France, en Suisse, en Italie et dans les îles de la Méditerranée
تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط
Genres
20
قال ابن عذارى: «فكان فعل سليمان هذا بموسى من هفوات سليمان التي لم تزل تنقم عليه».
قلت: من هفوات ابن عذارى أن يعبر عن أعمال سليمان هذه بلفظة هفوات، وهي في الواقع من الجرائم التي لا تغفر، ولكن مما لا يجوز أن ننساه أن موسى بن نصير أخذته الغيرة مما وفق إليه طارق بن زياد من الفتوح، وأهانه بعد أن تلاقيا في الأندلس، وكان هذا العمل الصغير غير متناسب مع كبارة نفس موسى وعلو همته، ولم يخل من تأثير في قضية نكبته؛ لأن طارقا شكا إلى الخليفة ما فعله به وظاهره في ذلك مغيث الرومي رسول الوليد إلى الأندلس. قال صاحب «أخبار مجموعة في فتح الأندلس وذكر أمرائها رحمهم الله والحروب الواقعة بينهم» وهو من أقدم ما كتب من تواريخ الأندلس يظهر أن صاحبه حرره
21
في عهد الحكم المستنصر بن عبد الرحمن الناصر: أنه لما دخل موسى الأندلس كان ذلك سنة ثلاث وتسعين ومعه ثمانية عشر ألفا - وهذا خلاف الرواية التي نقلها المقري وهي أنه دخلها بعشرة آلاف - وقد بلغه ما صنع طارق فحسده، فلما نزل الجزيرة قيل له: اسلك طريقه. قال: ما كنت لأسلك طريقه. فقال له العلوج الأدلاء: نحن ندلك على طريق هي أشرف من طريقه، ومدائن هي أعظم خطبا من مدائنه لم تفتح بعد يفتحها الله عليك إن شاء الله، فامتلأ بذلك سرورا، فكأن فعل طارق قد غمه، فساروا به إلى مدينة شذونة فافتتحها عنوة ألقوا بأيديهم إليه، ثم سار إلى مدينة قرمونة
22
فقدم إليها العلوج الذين معه، وهي مدينة ليس في الأندلس أحصن منها ولا أبعد من أن ترجى بقتال أو حصار، وقد قيل له حين دعا إليه: ليست تؤخذ إلا باللطف، فقدم إليها علوجا ممن قد أمنه، واستأمن إليه مثل (يليان) ولعلهم أصحاب يليان، فأتوهم على حال الأفلال معهم السلاح فأدخلوهم مدينتهم، فلما دخلوها بعث إليهم الخيل ليلا وفتحوا لهم باب قرطبة - من أبواب قرمونة - فوثبوا على أحراسه ودخل المسلمون قرمونة، ومضى موسى إلى أشبيلية وهي أعظم مدائن الأندلس شأنا وخطبا وأعجبها بنيانا وآثارا، وكانت دار الملك قبل غلبة القوطيين على الأندلس، فلما غلب القوطيون حولوا السلطان إلى طليطلة ، وبقي شرف الرومانيين وفقههم ودينهم ورئاستهم في دنياهم بأشبيلية، فأتاها موسى بن نصير حتى حصرها أشهرا، ثم إن الله فتحها وهرب العلوج إلى مدينة باجة، فضم موسى يهودها ومضى إلى مدينة ماردة، وكانت أيضا دار بعض ملوك الأندلس، ذات آثار وقنطرة وقصور وكنائس تفوت الوصف، فحصرها وقد كان أهلها خرجوا إليه وزحمهم دفعة، فقاتلوه من سورها على قدر ميل أو أكثر قتالا شديدا، فلما رأى خروجهم إليه أبصر فيها حفرا كانت مقاطع للصخر فأكمن فيها الرجال والخيل ليلا، فلما أصبح زحف إليهم فخرجوا إليه كهيئة خروجهم بالأمس، فركبهم المسلمون وخرج عليهم الكمين وقتلوا قتلا ذريعا، ونجا من نجا منهم إلى المدينة، وهي مدينة حصينة لها سور لم يبن الناس مثله، فثبت عليهم يقاتلهم أشهرا حتى عمل دبابة فدب المسلمون تحتها إلى برج من أبراجها فنقبوا صخره، فلما نزعوا صخره أفضوا في داخله إلى الصماء التي يقال لها: «اللاشة ماشة» بلسان أهل الأندلس، فنبت عنها معاولهم وفئوسهم، فبينا هم يضربون فيها إذ استفاق عليهم العلوج فاستشهد المسلمون تحت الدبابة فسمي بذلك البرج «برج الشهداء» إلى اليوم، وما أقل من يعرف هذا، وكان فتحه لها في رمضان سنة أربع وتسعين يوم الفطر، فلما كان من أمر الشهداء ما كان، قال العلوج: قد كسرناه، فإن كان يوما مجيبا إلى الصلح فاليوم فاطلبوه إليه، فخرجوا إليه فألفوه أبيض اللحية فراوضوه على شيء لم يوافقه ثم رجعوا، فلما كان قبل العيد بيوم خرجوا إليه ليراوضوه، فإذا هو قد شبب لحيته بالحناء فألفوه أحمر اللحية، فعجبوا، وقال قائلهم: أظنه يأكل ولد آدم، أو ما هذا الذي رأيناه بالأمس؟ ثم خرجوا إليه يوم الفطر فإذا اللحية سوداء فرجعوا إلى أهل مدينتهم فقالوا: يا حماقى، إنما تقاتلون أنبياء يتخلقون، كيف شاءوا يتشببون
23
قد صار ملكهم حدثا بعد أن كان شيخا، اذهبوا فأعطوه ما سأل، فصالحوه على أن جميع أموال القتلى يوم الكمين وأموال الهاربين إلى جليقية للمسلمين، وأموال الكنائس وحليها له، ثم فتحوا له المدينة يوم الفطر في سنة أربع وتسعين، ثم إن عجم أهل أشبيلية تحيلوا على من بها من المسلمين، وجاءوا من مدينة يقال لها: لبلة. ومدينة يقال لها: باجة. وقتلوا من بها من المسلمين - قتل فيها ثمانون رجلا - فقدم فلهم على موسى بن نصير بماردة، فلما فتح ماردة بعث ابنه عبد العزيز على جيش إلى أشبيلية فافتتحها ورجع، ثم مضى موسى من ماردة في عقب شوال يريد طليطلة، وبلغ طارقا إقباله فخرج معظما له متلقيا، فلقيه بكورة طلبيرة، فلما رآه نزل إليه، فوضع موسى السوط على رأسه، وونبه فيما كان من خلاف رأيه، ثم سار به إلى مدينة طليطلة، ثم قال له: أحضرني بما أصبت وبالمائدة
24
Page inconnue