عليها ، ولو لا انها هي المنزلة من عند الله ، لا يمكن ان يسكت عنها النبي (ص) لحظة واحدة. مع العلم بأن القرآن الذي كتبه الأربعة المختارون ، لو كان مخالفا للصحف الأولى لارتفعت الأصوات في وجه عثمان ، ولكانت كتب الحديث والتفسير ، قد ذكرت موارد الاختلاف بينهما ، ولم تنقل الآثار شيئا من ذلك ، فلا بد وان يكون هذا التصرف منه لينتشر قرآنه بين الناس ويضطرهم إلى القراءة به. وفي نفس الوقت لا يبقى مجال لانتشار غيره مما جمعه المسلمون ، لا سيما الذي كتبه علي (ع) بخط يده كما انزل ، وشرح فيه بعض الآيات كما جاء تفسيرها عن الرسول (ص) وأسباب نزولها.
ومهما كان الحال ، فالحديث من الصحاح ، بنظر المحدثين من أهل السنة ، ومروي في كتبهم المعتبرة. والتاريخ يؤكد قيام الخليفة بهذا العمل. وقد نصت الأحاديث المروية من طريق أهل السنة ان القرآن لم يدون في مصحف واحد قبل سنة خمس وعشرين من هجرة النبي (ص) الى المدينة.
والثابت من طريق أهل البيت وشيعتهم ، وبعض المحدثين من أهل السنة ، ان عليا (ع) قد جمع القرآن في كتاب واحد بخط يده ، قبل هذا التاريخ بما يزيد عن خمسة عشر عاما ، وذلك بعد فراغه من دفن الرسول ، وانصرافه عن شؤون الخلافة.
ولا بد ان يكون (ع) قد جمعه ورتب آياته وسوره ، كما أنزله الله على رسوله ، لأنه نزل في بيته وعلى أستاذه الأعظم ومربيه ، ومن لقنه أنواع العلوم وفنونها. لقد ذكرنا في أول هذا الفصل نقلا عن المصادر الموثوق بها عند المحدثين من أهل السنة ، ان الصحابة بعد موت الرسول كان كل همهم ، كما يزعمون ، جمع الصحف والألواح التي
Page 146