Histoire de la pensée arabe
تاريخ الفكر العربي
Genres
أما باقي الفلاسفة والعلماء اليونانيين الذين بحثوا في الفلسفة والنبات والحيوان والزراعة والطب وغيرها، فقد كان يغلب الأسلوب الغيبي على أبحاثهم، وأما باقي الشعوب التي لها مدنية تذكر في التاريخ القديم وتاريخ القرون الوسطى فمعظم أبحاثهم العلمية والفلسفية هي غيبية ، بحيث إنه إذا أريد عدم البحث في النسبية، وأريد الحكم في الطابع الذي طبعت به أيام هذه الشعوب فلا يمكن نعته بسوى أنه غيبي.
يتضح من ذلك أن ما ذكرته في عدد المقتطف الأسبق حول هذا الموضوع لم يتغير، ومفاده أنه إذا أريد اتخاذ قاعدة مطلقة عن الأسلوب العلمي الذي كان أكثر انتشارا في الشعوب القديمة فالغيب طابع الجميع بلا استثناء لا طابع العرب وحدهم.
وبعد فأنا على اتفاق مع إسماعيل مظهر إذا سلم بهذا الرأي؛ أي بأن العرب لم يتفردوا بكونهم كانوا ذوي أسلوب علمي طبع بطابع الغيب، بل إن كل الشعوب المتمدنة التي عاشت قبلهم ومعهم يجب وسمها بهذا الطابع، وأن الأسلوب اليقيني لم ترجح كفته حتى صار طابعا للعلوم إلا في المدنية الأوروبية الحديثة، أما إذا أصر الأستاذ على رأيه في إفراد العرب بهذا الأسلوب فمن المتعذر أن نتفق وقد تدوم مناظرتنا إلى أن نلتقي في العالم الثاني.
أسلوب العرب العلمي
10
سيدي محرر المقتطف
نشرتم للأستاذ مصطفى الشهابي في مقتطف يناير الماضي كلمة وافق فيها على ما أرى من رأي في أسلوب العرب العلمي أن الغيب قد وسم على جبين آثارهم العلمية طابعا خالدا، على أني لا أريد أن تمر هذه الفرصة من غير أن أعبر للأستاذ عن رأيي في أن الأسلوب الغيبي قد شاع في أوروبا في أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، على الرغم مما جاء به نيوتن وباكون وديكارت من قبل ذلك، أبادر إلى نشر هذه الحقيقة لأني أود من صميم قلبي أن ألتقي والأستاذ في عالم الشهادة؛ فإننا إذا لم نلتق فيه، فالراجح أننا لن نلتقي في عالم الغيب كما أشار الأستاذ في نهاية كلمته الأخيرة، والسلام.
معتقد أبي العلاء المعري
في الدين والخالق
ما كنت لأكتب في أبي العلاء المعري شيئا لولا أن لي في مذهبه فكرة قد أكون مسبوقا بالبحث فيها، وإن كنت لم أقرأ حتى اليوم بحثا تناول معتقد أبي العلاء انتحى فيه ذلك المنحى الذي أنحوه لدى النظر في عقيدته، والحقيقة أن الناس مختلفون في أبي العلاء هل هو متدين؟ ومن ثم يوجب عليه تدينه أنه يعتقد بوجود الله، أم أنه إلهي صرف يعتقد بوجود الله على اعتبار أنه علة العلل وصرف حالات هذا الكون ومبدعه ومدبره، ومن ثم يجحد الأديان، مستقلا أمر الاعتناء بالإنسانية في جانب الله، فإن من الفلاسفة الإلهيين من يقول بأن أمر العناية بحالات الإنسانية فوق هذه الأرض وبمنقلبه بعد الموت، إنما هي أشياء لم تخرج عن كونها تصورات باطلة سيق فيها الإنسان بمقتضى غريزته وبقدر جهله بحالات العالم الطبيعية الحافة به، وأن الله - سبحانه وتعالى - خلق العالم وبرأ الأحياء على مقتضى نواميس في علمه أن تظل كما كانت، وكما هي كائنة، وكما ستكون، وسبق في علمه أن تكون هذه النواميس أبدية أزلية لا تتغير ولا تتبدل، فهو على هذا الرأي مصرف الكليات ومدبر الكون في مجموعه، وعلى ذلك يكون أمر العناية بسعادة الإنسان فوق الأرض وخلاصه بعد الموت، أمورا جزئية فعلها مناقض لما سبق في علمه القديم أن يكون. أذكر لبعض الفلاسفة رأيهم هذا، وأذكر أنني أمضيت وقتا ليس بالقليل مع أحد مشهوري الأدباء المعروفين نتصفح ما كتب أبو العلاء لنستخلص من آثاره كل شيء يدل على اعتقاده بوجود الله وبفكرته في الدين، فوقفنا على كثير من الآراء المتناقضة وألوان من مختلف النزعات في أبيات تظهر فيها عقيدة أبي العلاء في وجود الله ظهورا جليا واضحا لا تشوبها شبهة، ولا تحف بها ريبة، غير أنك لا تلبث أن تجمع كل ما قال أبو العلاء مما يدل على اعتقاده بوجود الله ثم تذكر قوله:
Page inconnue