Histoire des philosophes de l'Islam: une étude complète sur leur vie, leur travail et une critique analytique de leurs opinions philosophiques
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
Genres
وقد أدخل بعض حكمائهم في روعهم أن لعقائد بني إسرائيل أثرا في تكوين آراء أكابر الفلاسفة اليونان أمثال فيثاغورس وأفلاطون وأرسطوطاليس؛ لأنهم في زعمهم مروا في أسفارهم على بلاد بني إسرائيل وأخذوا العلم والحكمة عن حكمائهم.
وكان بين طوائف اليهود طائفة تشبه الصوفية عند المسلمين، وهم الذين نبغوا من الفريسيين، وكان مذهبهم القول بالمبادئ والآداب والفعل بها، كالزهد والعفة والتقشف والتقوى، ونبغت طائفة أخرى، وهي الصدوقية، لكنها شطت وجمحت، فأنكر ذووها خلود النفس، وتدخل العناية الإلهية في أعمال البشر، معتمدين في هذا الإنكار على أنه ينافي نظرية الاختيار الإنساني.
ونشأت من فرقة الصدوقية فئة اسمها الأسينية (من المواساة والطب)، وقد جعلوا فلسفتهم نوعا من الاشتراكية، وعاشوا بمقتضى مبادئهم، كتبادل الحب بين الأفراد، وبغض الملاذ، والتغلب على هوى النفس، واحتقار الغنى، ولا يزال في أرض فلسطين إلى الآن وقبل ظهور «الصهيونية» بمظهرها الأخير في ظلال نظرية «الوطن القومي»؛ مستعمرات إسرائيلية تسير على مبدأ تلك الفرقة، بعد أن عفت آثارها، وانقطعت أخبارها إلا من الكتب.
وقد قاسى اليهود من الظلم والاضطهاد في عهد الرومان والقرون الأول من العصر الديني الأوروبي؛ ما أضعفهم وأطفأ شعلة ذكائهم، فانصرفوا إلى المجادلات الدينية والمجاهدة في سبيل البقاء في أقطار العالم، بعد أن ذهبت دولتهم وتشتت شملهم وفقدوا عاصمة ملكهم؛ لذا تجد (المشنة) و(التلمود) خاليين من الأبحاث الفلسفية أو الكلام فيما وراء الطبيعة.
وما زال اليهود كذلك من الجهة العقلية حتى نزحوا إلى بلاد العرب قبل الإسلام، فطابت لهم الإقامة في الجزيرة العربية في عهد الجاهلية، وتوافرت بينهم وبين تلك القبائل أسباب الألفة لما بين اليهود والعرب من روابط الجنس السامي، واللغتين العربية والعبرانية اللتين هما من فصيلة واحدة. •••
ولما ظهر الإسلام لم تكن وطأته ثقيلة على اليهود فانتعشوا، وانصرف فريق منهم إلى الاشتغال بالعلم والأدب، ثم علا نجمهم في صدر الإسلام؛ إذ أصبح كثير من نابغيهم موضع ثقة الخلفاء وعنايتهم، أمثال سعيد بن يعقوب الفيومي وصموئيل بن حفني.
وكان سعيد بن يعقوب الفيومي المذكور، ويعرفه اليهود باسم سعدية بن يوسف المصري، رئيس مدرسة (سورا) القريبة من بغداد، وهو أول من ألف من اليهود كتابا باللغة العربية ونشره في موضوع العقائد والعقليات، ومحور هذا الكتاب - الذي يعد فتحا جديدا لليهود، كما يعد دستورا لفرقة الربابنة وأصحاب التلمود - وجوب اتباع أحكام العقل في العقائد وجواز فحص القضايا الدينية؛ لأن العقل الصحيح خليق بأن يرشد صاحبه إلى الحقائق التي ينقلها الوحي إلى أصحاب النبوة، وأن تعليل الوحي هو الرغبة في وصول الإنسان بسرعة إلى إدراك الحقائق العليا، التي لو ترك البحث فيها للعقل وحده لاحتاج في الوصول إليها وإدراكها عناء عظيما وزمنا طويلا.
ونحن نعد سعيد بن يعقوب هذا من فلاسفة الدنيا بحق، ولكنه لم يعش حتى يدرك ازدهار الفلسفة العربية في بلاد الأندلس، التي كان من أثرها في يهود إسبانيا أنفسهم، أنهم ثاروا على مدرسة (سورا) وأرادوا أن يستبدلوا بها مدرسة جديدة يجعلونها في قرطبة؛ وطن ابن رشد، ويلقنون فيها، على أيدي رجال من خيار علمائهم، العلوم والفلسفة وفنون الأدب، التي أهملها يهود الشرق.
فقامت تلك المدرسة في قرطبة فعلا، وأمها الطلاب من كل فج عميق، ونبغ منها بعض الأساتذة الذين ألفوا في فلسفة المشائين اليونانية، ولا تزال بعض كتبهم في مكاتب أوروبا، ولخليفة عبد الرحمن الثالث معظم الفضل في نفع هذه المدرسة وتعظيم شأنها.
ومن فطاحل من نبغ في هذه المدرسة، وقد ورد اسمه مرارا في هذا الكتاب، وفي كتاب الأستاذ الإسرائيلي «منك» الحكيم موسى بن ميمون المعروف عند كتاب الإفرنج بميمونيد، وهو من أهل القرن الحادي عشر للمسيح، ويرجع الفضل في تثقيفه وتهذيبه إلى حكماء العرب، بل إنه نسج على منوالهم في رغبته في الجمع بين فلسفة أرسطوطاليس والشريعة الموسوية مع إخضاع النظر لأحكام العقل والمنطق، وقد اضطهد المسيحيون الإسبان هذا الحكيم الإسرائيلي فيمن اضطهدوا من اليهود بعد زوال دولة العرب، فلجأ إلى مصر في عهد السلطان المجاهد فخر الإسلام صلاح الدين الأيوبي، فعرف قدره وقربه وجعله طبيبه الخاص، ولا غرابة فإن هذا الحكيم كان يسمى موسى الثاني أو أفلاطون اليهود.
Page inconnue