Histoire des philosophes de l'Islam: une étude complète sur leur vie, leur travail et une critique analytique de leurs opinions philosophiques
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
Genres
لهذا ينبغي للمتوحد أن يتميز بالفضائل. هذه هي القاعدة الأولى لتدبير المتوحد؛ لأنه إن لم يتميز في تلك الصفات وكانت النفس الحيوانية تضع له عقبات في وقت العمل تكون هذه ناقصة وبدون غاية، وإن لم تكن كذلك يضجر المتوحد بسرعة ويجد صعوبة. وفي الواقع إنه من طبيعة النفس الحيوانية أن تطيع النفس العاقلة، ما عدا حال الرجل الذي ليس في حاله الطبيعية، كما هي حال الرجل ذي الطباع المتقلبة غير الثابتة، أو الرجل الذي ينقاد للغضب.
وهذا الرجل الذي تفوز لديه النفس الحيوانية على النفس العاقلة بحيث ينقاد إلى شهواته، والذي يحارب فكره ويخالفه، هذا وإن كان إنسانا فهو يتبع الطبيعة الحيوانية ولا يعرف طريق الهدى من الضلال، أقول إن الحيوان أفضل منه لأن الحيوان يطيع طبيعته الذاتية، وفي الواقع يمكننا أن ندعو حيوانا بالمعنى المطلق ذاك الذي يملك الفكر الإنساني الذي يمكنه من أن يحسن الفعل وهو مع ذلك لا يحسن؛ لأنه حينئذ لا يكون إنسانا، والحيوان أرقى منه، بل هو حيوان على الإطلاق؛ لأنه مع وقوفه بذكائه على المعلومات وتمييز الخير من الشر تراه يتبع طبيعة الحيوان.
في مثل هذه الأحوال يكون العقل البشري وسيلة لزيادة الشر، أي عندما يزعم علمه بالخير تتغلب الطبيعة الحيوانية على الذكاء، ومثل الذكاء كمثل الغذاء الطيب الفاخر يعطي لبدن معتل، ويقول بقراط: «إن هذا الغذاء يزيد الداء.» إن سقوط الجماد يتم بالطبيعة والصعود يتم بمجهود، ولا شك في أن هذه الأعمال تتم للضرورة، ولا يوجد للجماد حرية القصد. ولا يمكننا أن نمتنع عنها لأن الحركة في مثل هذا العمل لا تأتي منا. كذلك العمل الحيواني في النفس الغذائي والمعيد القوي والمزيد يتم بدون قصد؛ أي إنه يتم بالطبيعة، وحيث إنه يصدر عنا ففي قوتنا أن نقف ذاتنا وأن نمتنع عنه. أما العمل الإنساني فهو يصدر على الدوام عن قوتنا وبقصد منها، ولذا في قوتنا أن نمتنع عندما نريد. وينتج من هذا أن النهايات أو العلل النهائية لا تعين ولا تحدد إلا بالأعمال الإنسانية.
الفصل الثالث
ثم دخل الفيلسوف في الكلام على الأعراض العقلية وأنواعها ليوضح آخر غايات المتوحد. فبدأ ببيان أعمال الرجل الإنسانية، وأنها تصدر عن القوة العاقلة، وأن هذه القوة موجودة لقصد أو لغاية، وهذه الغاية هي النوع الثاني من الأعراض العقلية.
إن كلمة «العقل» يستعملها العامة استعمال كلمة النفس، ويستعملها الفلاسفة كمترادف، وبعض الأحيان يقصدون بذلك الحرارة الطبيعية التي هي أول عناصر النفس، لأجل هذا يقول الأطباء إن الأرواح على ثلاثة أنواع: الروح الطبيعية والروح العاقلة والروح المحركة. ويقصدون بذلك النفس، لا من حيث هي نفس على الإطلاق، إنما من حيث هي قوة محركة، وفي هذا المعنى تكون كلمة عقل ونفس مترادفتان. وكلمة روح تطلق خاصة على الروح ذات الدرجة الثانية أي الروح العاقلة أو الحيوية، وبعض الأحيان هم يقصدون بكلمة روح المواد الجامدة المنفصلة التي تحرك مواد أخرى، والتي ليست أجساما إنما هي أعراض للأجسام. ومع ذلك فإن الفلاسفة لا يطلقون على هذه المواد كلمة روح كما هي عادة لغويي العرب، إنما يقولون غالبا «روحاني» كلمة مركبة ومشتقة من روح كما تشتق كلمة جسماني من جسم، ونفساني من نفس. وكلما بعدت مادة عن الجسمانية كلما وجب أن تطلق عليها كلمة روحاني ، لذا كان العقل الفعال أحق المواد بهذه التسمية وكذلك المواد التي تحرك الأجرام والدوائر الفلكية.
إن الأعراض الروحانية أربعة أنواع مختلفة: الأول الأجسام الفلكية أو النجوم، الثاني العقل العام والعقل الصادر، والثالث العقل الهيولاني أو المادي أي الأعراض المعقولة أو الأفكار العقلية القائمة بالأشياء، والرابع الأفكار التي توجد في قوى النفس أو في الذوق العادي أي في الخيال وفي الذاكرة.
أما النوع الأول فلا علاقة له على الإطلاق بالمادة. والثاني ليس في ذاته هيولانيا إنما له علاقة بالمادة؛ لأنه يكمل الأشكال الهيولانية كالعقل الصادر الذي يعمل الأشكال كالعقل الفعال. أما النوع الثالث فهو في علاقة مباشرة مع المادة، ويسمونه هيولانيا؛ لأنه يشمل الأشياء المادية المعقولة أي التي ليست روحانية بروحها، لها وجودها في المادة وخارج عن الجسمانية. وهي بعض الأشكال التي تبقى في قوة النفس العاقلة عندما تنتهي العلاقة الخاصة التي بين القوة العاقلة والشيء المفرد؛ لأنه ما دامت هذه العلاقة تبقى القوة العاقلة متأثرة بأثر جسماني تجعل العلاقة جسمانية، فلما تنتهي الجسمانية وتنتهي العلاقة وتصير القوة العقلية روحانية، لا تحفظ إلا العلاقة العامة أي العلاقة التي تربطها بسائر الأفراد. والنوع الرابع متوسط بين المعقولات الهيولانية وبين الأعراض المادية المحضة.
الفصل الرابع
توجد أعمال ليس لها غاية سوى الشكل البدني كالشرب والأكل واللبس والسكن، وهذه الأعمال لا غاية لها إلا التمتع المادي وغايتها إتمام الشكل الجسماني ولا ينبغي إهمالها.
Page inconnue