Histoire des philosophes de l'Islam: une étude complète sur leur vie, leur travail et une critique analytique de leurs opinions philosophiques
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
Genres
هو أبو بكر محمد بن يحيى الملقب بابن الصائغ أو ابن باجه، ويعرفه علماء الغرب في القرون الوسطى باسم افمباس. من أشهر علماء العرب في الأندلس، وكان مشهورا بالطب والرياضيات والفلك، ويشبه الفارابي في تفوقه في الموسيقى، لا سيما التوقيع على العود. وقد ولد بسرقصة في أواخر القرن الحادي عشر للمسيح. ولما شب تحول إلى أشبيلية عام 1118 للمسيح، حيث أقام وانقطع لتأليف كتب في المنطق وأحد تلك الكتب موجود بمكتبة الاسكوريال تحت عدد 609. وقد فرغ الحكيم من وضعه يوم 4 شوال عام 512.
أما سبب تحوله إلى أشبيلية فغير معلوم بالدقة، وقد يكون اضطر إلى الهجرة إلى أشبيلية بعد أن فتح ألفونس الأول مدينة سرقصة عام 512 للهجرة، فهجرها ابن باجه فيمن هجرها من العرب، وكان اشتغل بها أمدا ثم سافر إلى غرناطة وأقام بها حينا ثم رحل إلى المغرب، فكان موضع الإجلال والإكبار لدى أمراء المرابطين. وقد ورد في تاريخ الحكماء، وفي حياة ابن الخطيب (للمكاري) أن ابن باجه كان وزير يحيى بن أبي بكر حفيد يوسف بن تاشفين، ولكن هذه الرواية مرتاب في صحتها؛ لأن يحيى الذي كان أمير فاس لعهد جده يوسف فر من فاس عام 1107 بعد وفاة جده؛ لأنه ثار على عمه علي بن يوسف صاحب الإمارة بعد يوسف.
وقد قضى ابن باجه ولم يبلغ مبلغ الكهول عام 533 للهجرة/1138ميلادية. وروى بعض مؤرخي العرب أنه مات مسموما، قضت عليه غيرة قرنائه في الطب. وقد أطنب ابن أبي أصيبعة في حياة الحكيم ابن باجه في كتابه عيون الأنباء، وذكر أن أبا الحسن علي الغرناطي كان تلميذ ابن الصائغ وصديقه. وقد جمع نصيبا من مؤلفاته وكتب لهذه المجموعة مقدمة ذكر فيها أن ابن الصائغ أول من انتفع بحكمة المشارقة من العرب (فلاسفة الشرق هكذا يسمى ابن سينا والفارابي والغزالي لتمييزهم عن فلاسفة الغرب من العرب كابن طفيل وابن باجه وابن رشد) وهذه الرواية لا ريب فيها؛ لأن مؤلفات هؤلاء الحكماء انتشرت في الأندلس منذ ولاية الحكم الثاني 961-971 فيكون ابن باجه أول من أشاع العلوم الفلسفية في الأندلس بغير نزاع. وقد اعترف بفضله ابن طفيل الذي لم يعرفه بالذات، إنما خلفه بعد بضع سنين. وذكر ابن طفيل ما كان عليه ابن باجه من توقد الذكاء وسعة الفكر، وأنه فاق أهل عصره وأسف عليه لأن مشاغل الحياة الدنيا ووفاته قبل الأوان عاقتاه عن فتح كنوز علمه؛ لأن أهم ما خلفه من الكتب غير تام ولم ينجز سوى أبحاث صغيرة مكتوبة على عجل، بيد أن ثناء أفاضل أهل عصره لم يصن ابن الصائغ من ذم البعض ممن أعماهم الحسد والجهل؛ فقد كتب الفتح بن خاقان في قلائد العقيان:
إن الأديب أبا بكر بن الصائغ هو قذى في عين الدين وعذاب لأهل الهدى. وقد اشتهر بين أهل عصره بهوسه وجحوده واشتغاله بسفاسف الأمور، ولم يشتغل بغير الرياضيات وعلم النجوم، واحتقر كتاب الله الحكيم وأعرض عنه. وكان يقول بأن الدهر في تغير مستمر، وأن لا شيء يدوم على حال، وأن الإنسان كبعض النبات أو الحيوان، وأن الموت نهاية كل شيء ... الخ.
وقد ذكر ابن الخطيب في كتابه «الإحاطة في أخبار غرناطة» سبب العداء الذي استحكم بين ابن الصائغ وابن خاقان، فقال إن الفتح افتخر يوما بمجلس بما ناله من رضى أمراء الأندلس فكذبه ابن الصائغ واحتقره.
أما مؤلفات ابن باجه فقد ذكرها ابن أبي أصيبعة. فمنها كتب في الطب والرياضيات والحكمة وشروح لبعض كتب أرسطو في الطبيعيات وحوادث الجو وكتب في البداية والنهاية، وكتاب في الحيوان، أما الكتب التي لم ينجزها وذكرها ابن طفيل فكثيرة منها ما هو في المنطق ومحفوظة في مكتبة الاسكوريال وكتاب في النفس ورسالته في تدبير المتوحد، ورسالة الاتصال، ورسالة الوداع. وقد تكلم في هذه الرسالة على العوامل التي تؤثر في الإنسان وتدفع العقل على التفكير، وشرح غاية الوجود الإنساني وغاية العلم وهما التقرب من الله والاتصال بالعقل الفعال الصادر عنه جل وعلا. ثم أضاف المؤلف جملا مبهمة في خلود النفس وغرس بذور المذهب الذي توسع فيه ابن رشد وهو مبدأ وحدة النفوس، وكان له من الشأن لدى علماء النصرانية ما كان حتى حاول تفنيده القديس توما وألبرت الكبير.
ويظهر أنه كتب رسالة الوداع قبيل رحلة طويلة، وبعث بها إلى أحد تلاميذه وأصدقائه ليكون على بينة من آراء الحكيم فيما يتعلق بأهم المسائل إذا لم يلتقيا بعد، وأول ما يظهر لقارئ رسالة الوداع رغبة المؤلف في إحياء معالم العلم والفلسفة؛ لأنهما في رأيه جديران بإرشاد الإنسان إلى الإحاطة بالطبيعة، وبهدايته بعون الله إلى معرفة ذاته، وبالاتصال بينه وبين العقل الفعال. وقد لام الغزالي الذي أضل نفسه وأضل سواه بزعمه في «المنقذ» أن الخلوة تفتح للذهن عالم المعقولات وتظهر للمتأمل أمورا إلهية ليس وراء رؤيتها لذة، وأنها هي الغاية التي يسعى إليها المتأملون.
أما الرسالة التي دعاها ابن باجه «تدبير المتوحد» فهي أهم وأنفع كتبه، وقد ذكرها ابن رشد في آخر كتابه على العقل الهيولاني بما يأتي: «أراد أبو بكر بن الصائغ أن يختط خطة لتدبير المتوحد في هذه الأمة، ولكنه لم ينجزها، وكثير منها غامض، وسنحاول في غير هذا المكان شرح غاية المؤلف من هذه الرسالة؛ لأنه أول من سار في هذا المضمار، ولم يسبقه فيه أحد.»
بيد أن رسالة ابن الصائغ لا أثر لها، وليس في مؤلفات ابن رشد إنجاز لما وعد من الكلام عليها، والفضل فيما تعلمه منها راجع إلى أحد فلاسفة اليهود في القرن الرابع عشر وهو موسى الزبوني شارح رسالة حي بن يقظان.
ويظهر أن غاية ابن باجه من رسالة تدبير المتوحد أن يثبت قدرة الإنسان المتوحد المنتفع بحسنات الحياة البعيد عن مفاسدها على الاتصال بالعقل الفعال بمجرد نمو قواه الفكرية، ولكن ابن باجه لا يوصي بالخلوة أو الوحدة المطلقة، إنما يرشد الإنسان المشتغل بشئون الحياة إلى سبل الوصول إلى الكمال وهو يشير إلى إمكان ذلك لرجل بمفرده أو لعدة رجال في درجة واحدة من الفكر وهم ذوو مقصد واحد، وقد يستطيع ذلك أهل بلد بأسره لو كانت حياتهم تابعة لشروط الكمال. ولم تخف على ابن باجه صعوبة هذا الأمر فأوصى المتوحد بالعيش في أغزر المدن علما، أي في أقرب المدن إلى الكمال وأجمعها لأهل الفضل والحكمة، وهو يسميها أفضل الدول ورسالة التدبير مقسمة إلى ثمانية فصول . (1) ملخص رسالة تدبير المتوحد
Page inconnue