Histoire des philosophes de l'Islam: une étude complète sur leur vie, leur travail et une critique analytique de leurs opinions philosophiques
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
Genres
والدماغ يخدم القلب في أن يرفد أعصاب الحس ما يبقي به قواها التي بها يتأتى للرواضخ أن تحس. والدماغ أيضا يخدم القلب في أن يرفد أعصاب الحركة الإرادية ما يبقي بها قواها التي بها يتأتى للأعضاء الآلية الحركة الإرادية التي بها القوة النزوعية التي في القلب، فإن كثيرا من هذه الأعصاب مراكزها التي منها يسترفد ما يحفظ به قواها في الدماغ نفسه؛ وكثيرا منها مفارزها في النخاع النافذ، والنخاع من أعلاه متصل بالدماغ، فإن الدماغ يرفدها بمشاركة النخاع لها في الأرفاد. ومن ذلك أن تخيل القوة المتخيلة إنما يكون متى كانت حرارة القلب على مقدار محدود. وكذلك فكر القوة الناطقة إنما يكون متى كانت حرارته على ضرب ما من التقدير، وكذلك حفظها وتذكرها للشيء.
فالدماغ أيضا يخدم القلب بأن يجعل حرارته على الاعتدال الذي يجود به تخيله وعلى الاعتدال الذي يجود به فكره ورويته، وعلى الاعتدال الذي يجود به حفظه وتذكره، فبجزء منه يعدل به ما يصلح به التخيل، وبجزء آخر منه يعدل به ما يصلح به الفكر، وبجزء ثالث يعدل به ما يصلح الحفظ والذكر. وذلك أن القلب لما كان ينبوع الحرارة الغريزية لم يمكن أن يجعل الحرارة التي فيه إلا قوية مفرطة ليفضل منه ما يفيض إلى سائر الأعضاء، ولئلا يقصر أو يجود فلم تكن كذلك في نفسها إلا لغاية تغلبه. فلما كان كذلك وجب أن يعدل حرارته التي تنفذ إلى الأعضاء، ولا تكون حرارته في نفسها على الاعتدال الذي يجود به أفعاله التي تخصه. فجعل الدماغ لأجل ذلك بالطبع باردا رطبا حتى في الملمس بالإضافة إلى سائر الأعضاء، وجعلت فيه قوة نفسانية تصير بها حرارة القلب على اعتدال محدود محصل، والأعصاب التي للحس والتي للحركة، لما كانت أرضية بالطبع سريعة القبول للجفاف، كانت تحتاج إلى أن تبقى رطبة إلى لدان مؤاتية للتمدد والتقاصر. وكانت أعصاب الحس محتاجة مع ذلك إلى الروح الغريزي الذي ليست فيه دخانية أصلا. وكان الروح الغريزي السالك في أجزاء الدماغ هذه حاله، ولما كان القلب مفرط الحرارة ناريها لم يجعل مفارزها التي بها يسترفد ما يحفظ قواها في القلب؛ لئلا يسرع الجفاف إليها فتتحلل وتبطل قواها. وأفعالها جعلت مفارزها في الدماغ وفي النخاع لأنهما رطبان جدا لتنفذ من كل واحد منهما في الأعصاب رطوبة تبقيها على اللدونة، ويستبقي بها قواها النفسانية، فبعض الأعصاب يحتاج فيها إلى أن تكون الرطوبة النافذة فيها مائية لطيفة غير لزجة أصلا، وبعضها محتاج فيها إلى لزوجة ما. فما كان منها محتاجا إلى مائية لطيفة غير لزجة جعلت مفارزها في الدماغ، وما كان منها محتاجا فيها مع ذلك إلى أن تكون رطوبتها فيها لزوجة جعلت مفارزها في النخاع، وما كان منها محتاجا فيها إلى أن تكون رطوبتها قليلة جعلت مفارزها أسفل الفقار والعصعص. ثم بعد الدماغ الكبد، وبعده الطحال، وبعد ذلك أعضاء التوليد، وكل قوة في عضو كان شأنها أن تفعل فعلا جسمانيا ينفصل به من ذلك العضو جسم ما ويصير إلى آخره، فإنه يلزم ضرورة، إما أن يكون ذلك الآخر متصلا بالأول مثل اتصال كثير من الأعصاب بالدماغ، وكثير منها بالنخاع، أو أن يكون له طريق ومسيل متصل لذلك العضو يجري فيه ذلك الجسم، وكانت تلك القوة خادمة له، أو رئيسة مثل الفم والرئة والكلية والكبد والطحال، وغير ذلك. وكلما احتاجت أو كان شأنها أن تفعل فعلا نفسانيا في غيره، ثم يلزم ضرورة أن يكون بينهما مسيل جسماني مثل فعل الدماغ في القلب، فأول ما يتكون من الأعضاء القلب ثم الدماغ ثم الكبد ثم الطحال ثم تتبعها سائر الأعضاء.
وأعضاء التوليد متأخرة الفعل من جميعها، ورياستها في البدن يسيرة مثل ما يتبين من فعل الأنثيين وحفظهما الحرارة الذكرية والروح الذكري السابقين من القلب في الحيوان الذكر الذي له أنثيان، والقوة التي يكون بها التوليد أنثيان إحداهما تعد المادة التي يتكون عنها الحيوان الذي له تلك القوة، والأخرى تعطي صورة ذلك النوع من الحيوان وتحرك المادة إلى أن تحصل لها تلك الصورة التي لذلك النوع. والقوة التي تعد المادة هي قوة الأنثى والتي تعطي الصورة هي قوة الذكر الذي هو ذكر بالقوة التي تعطى تلك المادة صورة ذلك النوع الذي له تلك القوة، والعضو الذي يخدم القلب في أن يعطي مادة الحيوان هو الرحم، والذي يخدمه في أن يعطي الصورة إما في الإنسان وإما في غيره من الحيوان هو العضو الذي يكون المني، فإن المني إذا ورد على رحم الأنثى فصادف هناك دما قد أعده الرحم لقبول صورة الإنسان، أعطى المني ذلك الدم قوة تتحرك بها إلى أن يحصل من ذلك الدم أعضاء الإنسان، وصورة كل عضو وبالجملة صورة الإنسان. فالدم المعد في الرحم هو مادة الإنسان. والمني هو المحرك لتلك المادة إلى أن تحصل فيها الصورة.
ومنزلة المني من الدم المعد في الرحم منزلة الأنفحة التي ينعقد عنها اللبن. وكما أن الأنفحة هي الفاعلة للانعقاد في اللبن وليست هي جزءا من المنعقد ولا مادة. كذلك المني ليس هو جزءا من المنعقد في الرحم ولا مادة، والجنين يتكون عن المني كما يتكون الرائب من الأنفحة. ويتكون عن دم الرحم كما يتكون الرائب عن اللبن الحليب والإبريق عن النحاس، والذي يكون المني في الإنسان هي الأوعية التي يوجد فيها المني. وهي العروق التي تحت جلد العانة. يرفدها في ذلك بعض الإرفاد الأنثيان. وهذه العروق نافذة إلى المجرى الذي في القضيب ليسيل من تلك العروق إلى مجرى القضيب، ويجري في ذلك المجرى إلى أن ينصب في الرحم ويعطي الدم الذي فيه مبدأ قوة يتغير بها إلى أن تحصل به الأعضاء.
وصورة كل عضو، وصورة جملة البدن، والمني آلة الذكر، والآلات منها مواصلة ومنها مفارقة من ذلك؛ مثل الطبيب فإن اليد آلة للطبيب يعالج بها، والمبضع آلة له يعالج بها، والدواء آلة له يعالج بها، فالدواء آلة مفارقة وإنما يواصله الطبيب حينما يفعله ويصنعه ويعطيه قوة يحرك بها بدن العليل إلى الصحة، فإذا حصلت فيه تلك القوة ألقاها في جوف بدن العليل مثلا فتحرك بدنه نحو الصحة. والطبيب الذي ألقاها غائب أو ميت مثلا.
وكذلك منزلة المني والمبضع لا تفعل فعلها إلا بمواصلة الطبيب المستعمل له. واليد أشد مواصلة له من المبضع. وأما الدواء فإنه يفعل بالقوة التي فيه من غير أن يكون الطبيب مواصلا له.
كذلك المني فإنه آلة للقوة المولدة الذكرية وتفعل مفارقة وأوعية المني والأنثيان آلة للتوليد مواصلة للبدن.
فمنزلة العروق التي تكون آلات المني من القوة الرئيسية التي في القلب منزلة يد الطبيب التي يعمل بها الدواء ويعطيه قوة محركة ويحرك بها بدن العليل إلى الصحة فإن تلك العروق التي يستعملها القلب بالطبع، هي آلات في أن يعطي المني القوة التي يحرك بها الدم المعد في الرحم إلى صورة ذلك النوع من الحيوان. فإذا أخذ الدم عن المني القوة التي يتحرك بها إلى الصورة، فأول ما يتكون القلب وينتظر بتكوينه تكوين سائر الأعضاء وما يتفق أن يحصل في القلب من القوى، فإن حصلت فيه مع القوة الغاذية القوة التي بها تعد المادة تكون سائر الأعضاء على أنها أعضاء أنثى. فإن حصلت فيه القوة التي تعطي الصورة تكون سائر الأعضاء على أنها أعضاء ذكر، فتحصل من تلك الأعضاء المولدة التي للذكر، ثم سائر القوى النفسانية الباقية تحدث في الأنثى على مثال ما هي في الذكر.
وهاتان القوتان - أعني الذكرية والأنثوية - هما في الإنسان مفترقتان في شخصين، وأما في كثير من النبات فإنهما مقترنتان على التمام في شخص واحد، مثل كثير من النبات الذي يتكون عن البزر؛ فإن النبات يعطي المادة وهي البزر، ويعطي بها مع ذلك قوة يتحرك بها نحو الصورة. فإن البزر في استعداد لقبول الصورة وقوة يتحرك بها نحو الصورة، فالذي أعطاه الاستعداد لقبول الصورة هي القوة الأنثوية، والذي أعطاه مبدأ يتحرك به نحو الصورة هو القوة الذكرية.
وقد يوجد أيضا في الحيوان ما سبيله هذا السبيل، ويوجد أيضا ما القوة الأنثوية فيه نامية وتقترن إليها قوة ما ذكرية ناقصة تفعل فعلها إلى مقدار ما، ثم تجوز فتحتاج إلى معين من خارج مثل الذي يبيض بيض الريح، ومثل كثير من أجناس السمك التي تبيض ثم تودع بيضها فيتبعها ذكورتها فتلقي رطوبة؛ فأية بيضة أصابها من تلك الرطوبة شيء كان عنها حيوان، وما لم يصبها ذلك فسدت.
Page inconnue