Histoire des sciences de la langue arabe
تاريخ علوم اللغة العربية
Genres
يا ليته لم يكن في أمره حكما
5
كغيظ عمرو عليها في حكومته
يا ليته لم يكن في أمره حكما
6
والغبن في العلم أشجى محنة عرفت
وأبرح الناس شجوا عالما هضما
وهذه الحادثة أوضح مثال ينماز به أحد المذهبين عن الآخر، فإن البصري يبني قاعدته على الأغلب الشائع ويرمي ما وراءهما من الشاذ والنادر ناحية، أو يجتهد في إرجاعها إلى قاعدته بضرب من التأويل والتوجيه، أما الكوفي فيسمع الشاذ أو النادر ويجعلهما أصلا يقيس عليه غيره، فكثير مما يعتبره البصريون شاذا أو نادرا يعتبره الكوفيون قاعدة وأصلا، وبذلك تنتشر المسائل وتتسع دائرة الجواز. أضف إلى ذلك أن البصريين لا يعتمدون في التأصيل والتفريع إلا على العرب الموثوق بعربيتهم من الذين توقحت سلائقهم وابتعدت عن الحواضر مضاربهم، بخلاف الكوفيين فإنهم قد يعتمدون على من كان يجاور مصرهم من الأعاريب الذين خارت سلائقهم واختبلت ألسنتهم لكثرة تردادهم إلى الحواضر واختلاطهم بالأكرة من الأنباط. فالبصريون لا يرون الأعراب الذي يحكي عنهم الكوفيون حجة وكانوا يعيرونهم بهذا ويقولون لهم: «أخذتم عربيتكم عن باعة اللبن وأكلة الكوامخ، ونحن أخذنا عربيتنا عن حرشة الضباب وأكلة اليرابيع.» زد على هذا وذاك أن جماعة من رواة الشعر الكوفيين كانوا يصنعون الشعر وينسبونه إلى غير أهله، وعلى رأس هذه الجماعة المفتعلة حماد بن هرمز الديلمي اللحانة المصحف الكذوب، وكان النحاة من أهل الكوفة يعتمدون على هذا النوع من الشعر المختلط ويستشهدون به على تقرير قواعدهم وتأييدها، وهذا ما حمل البصريين على طرح نحو الكوفيين والاستخفاف به ، زيادة على اضطرام أوار المنافسة بين علماء المصرين من أول يوم. ولا يعلم أن أحدا من البصريين أخذ شيئا من النحو عن الكوفيين ولا روى عنهم شيئا من الشعر يعتمد عليه في الشاهد، إلا ما كان من أبي زيد الأنصاري البصري فإنه روى عن المفضل الضبي الكوفي لثقته في الشعر وأمانته ...
على أن البصريين في تحرجهم وكثرة تشددهم ضيقوا على العربية صدرها الواسع في كثير من المواطن التي تتطلب سعة وانبساطا، ولا يتسع هذا الباب للإفاضة في هذا، وسنفرد له فصلا برأسه في غير هذا المكان إن شاء الله تعالى ...
وانتهت رئاسة الكوفية من بعد الكسائي إلى يحيى بن زياد الفراء، وكان أخذ علمه عن الكسائي وهو عمدته وأخذ عن أعراب وثق بهم وعن يونس من البصرية، وكان المأمون قد رسم أن تفرد له حجرة من حجر دار الحكومة ووكل به من يكفيه كل حاجته وعين له الوراقين وألزمه الأمناء والمنفقين وأمره أن يؤلف ما يجمع به أصول النحو وما سمع من العرب، فكان يملي والوراقون يكتبون حتى أتم تصنيف كتابه المعروف بكتاب الحدود وجمع فيه ستة وأربعين حدا في النحو وألف كتبا أخرى، وكان يتفلسف في تصانيفه، وكان الكوفية يلقبونه «أمير المؤمنين في النحو».
Page inconnue