Histoire des sciences de la langue arabe
تاريخ علوم اللغة العربية
Genres
نقص حركة وحرف وزيادة حرف، مثل فاخر من الفخار.
وإنما أشرنا إلى هذه التغيرات المتنوعة لندل على ما في هذا الباب من السعة، وأنه من أكبر الأبواب التي تنهض باللغة وتمدها بمعين لا ينضب.
أما الاشتقاق الأكبر فيشترط فيه حفظ أصل المادة دون تقلبات الهيئة، مثل تقليب مادة «ق و ل» على وجوهها الستة المختلفة: ولق، لقو ... إلخ، وهي في كل هذه التصاريف تدل على الخفة والسرعة. قال أبو حيان النحوي: وهذا مما ابتدعه الإمام أبو الفتح بن جني وكان شيخه أبو علي الفارسي يأنس به في بعض المواضع.
والذي يتقرى كلم اللغة بإنعام نظر يجد أن لمعظم موادها أصلا ترجع إليه أكثر كلمات ذلك الأصل إن لم نقل كلها، خذ على ذلك مادة «ف ل» وما يثلثهما تجد الجميع تدور حول معنى الشق والفتح، مثل: فلح، فلج، فلع، فلق، فلذ، فلي. ومثل ذلك مادة «ق ط» وما يثلثهما، تقول: قط، قد، قطع، قطف، قطر، قطن ... إلخ، وكلها بمعنى الانفصال.
وأول من فتح باب هذا النوع من الاشتقاق أبو الفتح أيضا، وللعلامة الزمخشري ولوع فيه، تجد ذلك كثيرا في كشافه. ويذهب بعض اللغويين إلى أن هذا الأصل جار في كل تراكيب المواد اللغوية ولو بضرب من التأويل ولو قليلا، وهذا مذهب لا يخلو من المبالغة؛ إذ إن كثيرا من مفردات اللغة دخل عليها من لغات أخرى ثم صار مع الزمان كأنه منها في الصميم ولا يمكن في حال من الأحوال أن يرد إلى أصل من أصولها، وللغفلة عن هذه الناحية نجد الكثير من اللغويين يتمحلون لبعض الكلمات اشتقاقات أقل ما يقال فيها إنها من المضحكات: حكي عن بعضهم أنه سئل عن اشتقاق الجرجير - نوع من النبات - فقال: سمي بذلك لأن الريح تجرجره أي تجره، وسئل عن اشتقاق الجرة فقال: لأنها تجر على الأرض، ويقول: إنما سمي الثور ثورا لأنه يثير الأرض للحرث! إلى أمثال هذا الهذيان. والأعجب أن بعضهم يتكلف للأعلام العجيبة ضروبا من الاشتقاق تتقاطر السخافة من أطرافها، ولا تعدم في هذا العصر أناسا من هذا القبيل؛ فقد بلغنا أن بعضهم سئل عن البنجرة - وهي يستعملها الأتراك للنافذة - فقال إنها من بنجر الرجل إذا فتح عينيه، لأن النافذة تكون مفتوحة! فاقرأ واعجب.
ولمكانة هذا الباب في علم العربية أفردوه بالتأليف وحاطوه بالعناية الواسعة ، وممن ألف فيه الأصمعي، ومحمد بن المستنير المعروف بقطرب، وأبو الحسن الأخفش، وأبو نصر الباهلي، والمفضل بن سلمة، وابن دريد، والزجاج، وابن السراج، والرماني، وابن النحاس، وابن خالويه وغيرهم. هذا زيادة على ما جاء به الصرفيون في كتبهم من التحقيق والتمحيص، وأكبرهم عناية في ذلك إمام الصرفيين وسندهم أبو الفتح بن جني الموصلي، وقد ألف فيه بعض المعاصرين من علماء الشام كتابا نفيسا. والعصر الذي نحن فيه يتطلب من هذا الباب فضل توسع وبذل عناية؛ لأن المعاني الجديدة المتدفقة والمبدعات العصرية المتكاثرة تتطلب من الألفاظ ما تعيا به مفردات اللغة إذا لم تفزع إلى هذا الباب فتوسع منه ما ضيقه بعض المتشددين، ثم تستمد منه العون فتجد منه خير معين وأقوى نصير.
ثم إن هذا الباب أوسع من أن يحاط به في مثل هذه العجالة، ولكنا نظرنا إليه من بعض نواحيه التي تتعلق بموضوعنا وتركنا التفاصيل للكتب الموضوعة فيه. (4-2) النحت
قد يعمد العربي إلى كلمتين فأكثر فيقتطع منهما حرفا ويؤلف منها كلمة جديدة يدل بها على مجموع المركب الذي اقتطعت منه، أو على معنى آخر قريب من معنى ما اقتطعت منه، فيقول في النسبة إلى عبد شمس «عبشمي» مثلا، كما يقول «بسمل» فلان يريد أنه قال: بسم الله الرحمن الرحيم، ويسمون العجوز الصخابة الكثيرة الهذر «صهصلق» أخذا من «صهل» و«صلق» بمعنى صات صوتا شديدا.
وقد أطلق علماء العربية على هذا النوع من العمل اللغوي «النحت»؛ لأن العربي ينحت من الكلمتين فأكثر كلمة، وفي هذا العمل ما فيه من الفوائد مما يرمي إلى إمداد اللغة بالثراء، زيادة على ما فيه من الاختصار بكون الكلمة الجديدة تدل على جملة من القول؛ فقولنا «بسمل» مثلا أخصر من قولنا: قال بسم الله الرحمن الرحيم.
ولم يضع له الأوائل قواعد واضحة؛ ولذلك اعتبره بعض النحاة سماعيا، وقل الاعتماد عليه عند المتأخرين من العلماء على ما يظهر من كلام ابن مالك في تسهيله أنه يعتبر هذا الباب قياسيا في باب النسبة، ولكن أبا حيان أنكر عليه ذلك وقال إن هذا الحكم لا يطرد وإنما يقال منه ما قالته العرب فقط. والمحفوظ منه عند أبي حيان: عبشمي في النسبة إلى عبد شمس، وعبدري في عبد الدار، ومرقس في امرئ القيس، وعبقسي في عبد القيس، وتيملي في تيم اللات، هذا ما أورده أبو حيان من المسموع في باب النسبة من المنحوت. ومعلوم أن النحت في غير باب النسبة أكثر منه في بابها؛ فقد قالوا: هلل وأكثر من الهيللة إذا قال لا إله إلا الله. وحوقل وأكثر من الحوقلة، وحوقل بعضهم أن يقال حوقل، وعده من الغلط وليس بشيء؛ لأنه جرى على ألسنة كبار اللغويين، ومن حفظ حجة على من لا يحفظ. وأكثر من الحوقلة إذا قال لا حول ولا قوة إلا بالله. ومنه: حمدل حمدلة، وحسبل حسبلة قال: حسبي الله. وحيعل حيعلة قال: حي على الصلاة، حي على الفلاح. وحيعل بمعنى قال حي على كذا.
Page inconnue