Recherches sur l'histoire des sciences chez les Arabes
بحوث في تاريخ العلوم عند العرب
Genres
23
ولم تنتقل نصوصه إلى أوروبا في عصر انتقال العلم العربي إليها فيما قبل عصر النهضة. عرفه الأوروبيون فقط مع نمو حركة الاستشراق في القرن التاسع عشر، واهتموا به مع تنامي الاهتمام بتاريخ العلوم في القرن العشرين، ويرجع مارتن بلسنر هذا إلى تخوف المترجمين في العصور الوسطى وعصر النهضة من «صعوبة لغة البيروني ومناهجه الدقيقة لمعالجة الموضوعات الواردة في مؤلفاته»
24
ولكن لئن لم تنتقل نصوص البيروني إلى أوروبا آنذاك، فليس يعني هذا أنه ليس له أي دور في التمهيد للنهضة الأوروبية ولحركة العلم الحديث. فلا شك أن للبيروني دورا في هذا، لكن بأسلوب غير مباشر عن طريق التلاميذ
25
والتالين له من أعلام الحضارة العربية، خصوصا في مجال الفلك والرياضيات، الذين ملأت مؤلفاتهم مراكز انتقال العلم العربي إلى أوروبا من قبيل صقلية وأشبيلية وقرطبة.
26
دأب البيروني على جمع «ما للقدماء والمحدثين»
27
من رؤى ونظريات في القضية المطروحة للبحث، خصوصا حين يطرح برهانه الهندسي لا بد وأن يسبقه بالبراهين التي طرحت قبله، ولا يخلو الأمر من مقارنة موضوعية، وكان مولعا بالجدل ونقد العلماء السابقين عليه والمعاصرين له وتبيان أخطائهم وتصحيحها. فهكذا فعل مع الكندي وثابت بن قرة وإبراهيم بن سنان وأبي الحسن البصري، وبطليموس وأرشيمدس وإرازموس ... وغيرهم، كما كان ينقد ويصحح نظريات أصحابها غير معروفين. وديدنه في هذا ألا يعمد أصلا لدراسة موضوع إلا بعد أن يحيط بكل ما كتب عنه، ويقيمه وينقده، ورائده عدم التسليم بأية قضية مهما كانت مشهورة إلا بعد امتحانها وإثبات أنها جديرة بالتسليم، ثم لا يتوانى عن تقدير آراء الغير، وتحري الأمانة في إثبات الفضل لذويه، قائلا أنه تعلم من أساتذته إعمال الرأي والبعد عن التعصب وطلاقة الفكر ليمزج بينها وبين ما أخذه عن أبي نصر - أي الفارابي - «فتكون يقظة العقل ووثبة الذهن وسلامة المنهج».
Page inconnue