Recherches sur l'histoire des sciences chez les Arabes
بحوث في تاريخ العلوم عند العرب
Genres
20
ومع هذه الأجواء بلغ إنتاجه - كما ذكرنا - نيفا ومائة وسبعين عملا، ولئن ضاع بعضها فليس يصعب تقصي أبعاد المنهج العلمي عند البيروني، ولا يحتاج الأمر إلى إسقاطات أو تعسفيات متربصة دائما بمبحث تاريخ العلوم عند العرب، فما زالت البقية الباقية من الأعمال المحققة والمثبتة للبيروني من الكتب الكبرى أو الرسائل المجمعة (راجع هوامش هذه الدراسة) تمثل رصيدا هائلا للباحثين.
هذا بخلاف ما ينتظر الإثبات والتحقيق من مخطوطات أخرى للبيروني متناثرة في المكتبات الأوروبية، وفي المكتبات الآسيوية التي تتمسك بانتساب البيروني إليها.
فقد ولد في مدينة كاث بخوارزم التابعة الآن لجمهورية أوزبكستان التي أقامت - حين كانت جزءا من الاتحاد السوفيتي حتى انهياره - في عاصمتها طشقند جامعة أطلقت عليها اسم جامعة البيروني تخليدا لذكراه، كما أطلقت على مدينة كاث اسم مدينة البيروني، وتقع على شاطئ نهر آمو داريا - وهو نهر جيجون القديم - وتبعد حوالي مائتي كيلو متر جنوبي بحيرة آرال.
21
ولكن مسقط الرأس ليس هو دائما دامغ الهوية. فقد عاش البيروني في رحاب الحضارة الإسلامية في عصرها الذهبي، وصدق إيمانه بدينها، ودان - كما رأينا - بالولاء العميق لها، وانتمى لزمرة أعلامها، وساهم في مدها العلمي، أخذ منه وأعطاه، وكتب بلسانها وآثره على سواه.
رابعا: منهجية التواصل العلمي
وعلى الرغم من عشق البيروني للغة العربية جاءت كتاباته بعيدة عن الزخرف اللفظي والتنميق بغير داع، ومكسوة مع هذا بمسحة جمالية عذبة، والأهم أنها أنموذج لمنهجية التفكير وتسلسل الأفكار، متحرية الضبط عن طريق استعمال مصطلحات دقيقة أو على الأقل محددة. إنها على الإجمال كتابة علمية لأقصى حد يمكن أن يسمح به العصر الوسيط، خصوصا وأن عالمنا كان يكتب دائما واضعا نصب عينيه أنه عالم متبحر، لا يكتب للدهماء، ولكن لصفوة العلماء، فيتعمد البعد عن الأمثلة التي توضح بقدر ما تبسط وتسطح، يقول البيروني: «إني أخلي تصانيفي من المثالات، ليجتهد الناظر فيها ما أودعته فيها، من كان له دراية واجتهاد وهو محب للعلم، ومن كان من الناس على غير هذه الصفة فلست أبالي فهم أم لم يفهم.»
22
هكذا لم تكن كتابات البيروني سهلة يسيرة المنال، فلم يعرفه العالم الغربي،
Page inconnue