Histoire de la science littéraire : chez les Français, les Arabes et Victor Hugo
تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو
Genres
أي الذي لا يتغير ولا يجوز التبديل فيه بعد وفاة صاحبه، ولا تحريف الكلم عن مواضعها، ولو وجد من يتحرى في أوراق فيكتور هوكو لربما تمكن من استخراج مجلد أو مجلدين أيضا. كما جمعت أخيرا المكاتيب التي حررها العلامة رينان لأمه وهو في المدرسة حديث السن وطبعت في مجلد. ولعل القارئ يستكثر عدد هذه المؤلفات التي لا يجد الإنسان وقتا لمطالعتها فضلا عن تحريرها، وسبك إنشائها سيما ما يحتاج منها لدقة وتلطف؛ كقرض الشعر ونظم الروايات التمثيلية، ولكن إذا تأمل في همة رجال العلم والأدب، وإقدامهم زال استغرابه، وعلم أن ملكتهم رسخت في النظم والإنشاء حتى صار التحرير طبيعة ثانية لهم كالكلام. وإنا نشاهد المبعوثين في مجلس نواب الأمة يتكلم الواحد منهم الساعات الطوال بدون أن يتلعثم، ويضبط كلامه بالأصول المعروفة بالاستنوغرافيا، وينشر في جرائد المساء فيملأ الأعمدة الكثيرة والصحائف الكبيرة. وقد بلغنا عن مبعوث في بلاد المجر أنه تكلم في موضوع اثنتي عشرة ساعة، بحيث إنه بدأ في الصباح وبعد استراحة الظهر عاد لموضوعه، وأكمل بحثه في اليوم الثاني، فتألف من كلامه مجلد ضخم، ولو قرأنا فهرست الكتب التي ألفها الكندي، والرازي، وأصحاب المعاجم والتآليف الضخمة لوجدناها تقارب هذا المقدار أو تزيد عليه، ورأينا فيما تقدم ما ألفه العرب في أفانين الأدب من المؤلفات الكبيرة ككتاب الأيك والغصون للمعري ونحوه. على أن لفيكتور هوكو معينين في أعماله، فتاريخ فيكتور هوكو في مجلدين حررته زوجته الشرعية الشاهدة على حياته، وكانت الممثلة البارعة جوليت دروه تنسخ له وهو يملي عليها. وربما كتب له أيضا الشاعر أوغوست فاكيري، وحرر ابنه فرانسوا من جزيرة كيرنزي لأحد أصحابه في فرنسا يقول:
نحن كلنا نشتغل، والدي يتمم نظم الحماسات الصغيرة، وشارل يصنف رومان، وأنا أتحف فرنسا بشكسبير وأجتهد بأن أكون ترجمانا صادقا لهذه القريحة الواسعة.
وفي الحقيقة أن فرانسوا هوكو ترجم مؤلفات شكسبير أحسن ترجمة، فطبعت في ثمانية عشر مجلدا بعد أن عرضها على أبيه، واستكتبه عليها المقدمات والحواشي، فجميع المؤلفات كانت تعرض على فيكتور هوكو، وبعضها يطبع باسمه؛ لأنه كان رأس هذه العصبة ومدير هذه الجمعية المؤلفة من زوجته وصاحبته وأولاده وأصحابه، ولم يزل صغار الكتبة والشعراء في أوروبا ينسبون مؤلفاتهم وأشعارهم إلى مشاهير الرجال ترويجا لها وإنفاقا لبضاعتهم في سوق العلم والأدب. فإن المؤرخ الشهير الفرنساوي ميشله المستند في مؤلفاته على القصص التاريخية، التي ألفها والترسقوت الإنكليزي نسب لنفسه في التاريخ الطبيعي الكتب الأربعة التي عنوانها الطير، الحشرة، البحر، الجبل مع أن المحرر الحقيقي والمصنف لهذه الكتب النفيسة على ما يقال هي زوجته المادام ميشله، وكانت من الفاضلات. ووجد المحققون في تاريخ الكيمياء أن بعض كتبها القديمة حررها أصحابها في القرون الوسطى، وعزوها إلى جابر وهرمس تقوية لسندها وإقناعا بصحتها، فانتحال الشعر أو الكتاب المصنف شائع بين الكتاب والشعراء، وتارة يكون برضاء المؤلف الحقيقي، وتارة يكون بغير رضائه وهو السرقة. وقد يكون السارق المنتحل أشعر وأقدر من صاحب الشعر والتصنيف، ولكن وقته لم يسمح له بالإتيان بمثل ذاك المؤلف؛ ولذا اتهمت الأكاديمية فيكتور هوكو بسرقة القصيدة التي عرضها على لجنة التحكيم والمسابقة، وسماها «فوائد المطالعة» ولم يعطوه الجائزة التي استحقها.
وكان يحدث أمثال ذلك في أيام العرب وفي حضارة الإسلام كما اتهم الحريري في مقاماته، وكان قد عمل مقامة واحدة على مقامات البديع الهمذاني ، وعرضها على أنوشروان بن خالد بن محمد وزير السلطان محمود السلجوقي، وكان الحريري خصيصا به، فأمره الوزير بإنشاء المقامات وإتمامها فصنف أربعين مقامة، وأتى بها من البصرة محل تحصيله العلم إلى بغداد ونزل في الحريم، وهي سرة العاصمة والمحلة المشتملة على دار الخلافة وقصور الأمراء والأعيان، وكان ذلك في خلافة المقتدى بالله سابع وعشرين الخلفاء العباسيين، فاستحسن الأدباء طرز المقامات، وحسدوه عليها واتهموه بسرقتها، ولما امتحن سد عليه ولم تجد قريحته بشيء، وهو في الحريم وسط تلك العاصمة الكثيرة الزحام والجلبة فنفي إلى المشان، قرية بقرب البصرة مشتملة على نخل وزرع، ولكن هواءها فاسد بسبب المستنقعات، وكان إذا غضب على شخص نفي إليها، فألف الحريري في المشان عشر مقامات أخرى، وكملت مصنفاته خمسين مقامة فقال فيه ابن جكينا يهجوه:
شيخ لنا من ربيعة الفرس
ينتف عثنونه من الهوس
أنطقه الله بالمشان وقد
ألجمه في الحريم بالخرس
وكان الحريري ينتسب إلى ربيعة الفرس وهي قبيلة من قبائل العرب على حدود فارس، وكان أولع بنتف لحيته والعبث بها، ووعده أحد الأمراء يوما بولاية على شرط أن يترك نتف لحيته، فامتثل برهة ولم يستطع الصبر، فقال: «أحب إلي أن تعاد لي الولاية على لحيتي من كل ولاية.» ونشأ الحريري في مجمع العلماء والأدباء، وإليهم نسبت الأقوال الكثيرة في النحو، فقيل: مذهب البصريين ومذهب الكوفيين وكانت ولادته في البصرة، وقيل: لا بل ولد بالمشان المجاورة لها (446-515ه). وكانت السلطة والنفوذ في ذاك العصر للدولة السلجوقية التي ظهرت في العراق العجمي، واتخذت مدينة الري عاصمة لها ويقال للمنسوب لها: الرازي وقد صار علما على كثير من العلماء والفلاسفة، ولم تزل خرابات الري مشاهدة بظاهر طهران عاصمة الدولة الإيرانية، ويقال لها عبد العظيم نسبة لأحد الأولياء المدفون فيها، وهناك كان مقتل الشاه السابق، وسميت ملوك هذه الدولة السلجوقية بسلاجقة إيران تمييزا لهم عن سلاجقة الروم الذين اتخذوا قونية عاصمة لهم، وعن سلاجقة كرمان الذين حكموا في الجنوب الشرقي من بلاد العجم، وظهر في سلاجقة إيران 14 ملكا في ظرف 161 سنة، وأعظمهم ثالثهم ملكشاه (445-447ه) ابن ألب أوسلان ويسمى أبا الفتح جلال الدين، وإليه ينسب التاريخ الجلالي الذي وضعه عمر الخيام الأديب الفلكي الشهير، وكان وزيره نظام الملك صاحب المدرسة النظامية في بغداد، فيفهم من ذلك أن ملوك هذه السلالة ووزراءها، وأمراءها كلهم حريصون على تعزيز جانب العلم والأدب، ولا غرو أن أتى الأدباء في زمانهم بمثل المقامات الحريرية، وألف كمال بك إمام الأدب في اللسان العثماني رواية بليغة سماها «جلال»، وجعل لها مقدمة يعدها الأدباء من أبلغ ما حرر في اللسان العثماني على الأسلوب الجديد.
فيتضح مما سبق أن مؤلفات فيكتور هوكو على نوعين؛ منظوم ومنثور، وكل واحد منهما يشتمل على فنون ومذاهب في الكلام، فالمنظوم منه ما هو شعر ويشتمل على فنون كثيرة مثل الأود والبلاد والإيليجي ... إلخ ولكل منها عروض مخصوص، ومنه ما هو روايات تمثيلية تتلى على المراسح كما يتلى النثر المرسل بغير التفات إلى أوزان النظم ولا قوافيه؛ أي بلا ترنم ولا تطريب ولا تغريد ولا ترخيم في الصوت، ولا وقوف على القافية، ونظمت هذه الروايات التمثيلية التي يقال لها درام على عروض البحر الإسكندري في الغالب، وهو المبني على اثني عشر هجاء.
Page inconnue