Histoire de la science littéraire : chez les Français, les Arabes et Victor Hugo
تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو
Genres
ويزعم مؤرخو الإفرنج أن العرب أكثروا في هذه الحروب من إراقة الدماء، وهدم البناء، وإحراق الكنائس، والأديرة وتخريبها وإتلاف الأموال وغصبها، ومنهم من يعترف بأن العرب أخف وطأة على بلادهم من قبائل الهون الآسيوية الذين أتوهم من الشمال الشرقي تحت قيادة أتيلا، ودمروا بلادهم تدميرا.
ولم يزل الفرنساويون ينسبون إلى العرب تخريب كل خرابة يشاهد أثرها في الأراضي الجنوبية من فرنسا، ويظهر من تواريخ الإفرنج أن العرب بعد فتحهم هذه البلاد قسموها إلى أيالات، وجعلوا الأرض التي على جانبي البيرينة في فرنسا، وإسبانيا من جهة البحر الشامي المتوسط ولاية اسمها سيردانية، وهي اليوم عبارة عن قطالونيا في إسبانيا وعن ولاية البيرينة الشرقية في فرنسا، وكان الوالي عليها قائدا من البربر مثل طارق بن زياد يسميه الإفرنج مونيزا، فاتفق الدوق أود مع هذا القائد المسلم وزوجه بنته وعاهده على عدم الغزو في بلاده، فأصبح في جبال البيرينة حاجزا أمام غزاة المسلمين، فاغتاظوا من هذا الاتفاق وأظهروا ميلهم لعبد الرحمن الذي كان استلم قيادة الجيش بعد قتل علقمة.
وكان عبد الرحمن من أصحاب عبد الله بن عمر متخلقا بأخلاق الخلفاء الراشدين، وأكابر الصحابة والتابعين حريصا على إعلاء كلمة الله، وعلى نشر الدين في جميع أقطار الأرض، فكان يجتهد في تحقيق آمال موسى بن نصير والاستيلاء على أوروبا والوصول منها إلى القسطنطينية، فعينه الخليفة هشام واليا على الأندلس سنة 112ه، أو سنة 720م فدخل بالعسكر مدينة بويسردا وهي عاصمة ولاية سيردانية، وقتل القائد المتفق مع أود وبعث بزوجته وهي بنت الدوق إلى دمشق، وقيل: بل انتحر هذا القائد المسمى مونيزا خزيا وحياء، وكانت مدينتا نيم ومون بيليه؛ تابعتين للمسلمين فتقدم عبد الرحمن بالعسكر إلى ضفاف الرون وعبر إلى شاطئه الأيسر، وألقى الحصار على مدينة آرل فأنجدها الفرنساويون بمفرزة من العسكر، وحميت نار الحرب وكثر فيها عدد القتلى حتى امتلأ النهر بأجسادهم، ثم سار على ضفاف نهر الرون صاعدا في الشمال وألقى الحصار على مدينة أفينون وافتتحها، وهذه المدينة هي التي صارت في القرن الرابع عشر للميلاد مركزا للبابوية بدلا عن رومة، واستمرت تابعة للباباوات إلى ما بعد الانقلاب الكبير؛ أي لسنة 1791م.
وكانت فرنسا إذ ذاك في حكم الملوك الذين هم أواخر سلالة ميروفينجيان، ويلقبون لبطالتهم وعطالتهم «فينيان» أي الذين لا يعملون شيئا بل كانوا يملكون بلا حكم ولا قدرة ويموتون بلا عز ولا نصرة كما وصفهم المؤرخون.
وكانوا يقيمون في قصر بجوار مدينة قومبينيه، وهي في شمال باريس وفيها حصلت ملاقاة قيصر الروس في زيارته الأخيرة لفرنسا، فكانوا كأنهم في حبس لا يأتون عاصمة الملك إلا مرتين في السنة مرة في شهر مارس، وأخرى في مايس؛ لحضور المجلس المؤلف من أعيان الإفرنج، أو لملاقاة السفراء فإذا انعقد المجلس أركب الملك في كارة يجرها ستة رءوس من فحول البقر لا من عدم وجود الخيل والبغال؛ وإنما للراحة وعدم الانزعاج بكثرة الحركة والجري، وأتى به إلى المجلس ليصدق على المقررات التي يتخذها ناظر السراي أو أمير الأمراء، وهو في ذاك التاريخ دوق أوستراسيا المسمى شارل مارتيل، وكانت بقية الأمراء أشبه بالمستقلين في إماراتهم يبغضون بعضهم بعضا وكلمتهم متفرقة، ولو دخل عليهم موسى بن نصير سنة 92ه حينما افتتح إسبانيا لامتلك أوروبا بأجمعها؛ ولأدخل جميع القبائل الجرمانية الوثنيين في الدين الإسلامي.
غير أن الإفرنج لما سمعوا بظهور العرب ومحاصرتهم القسطنطينية، وكانوا يترقبون ورودهم من شرق أوروبا فلما رأوهم نازلين عليهم من جبال البيرينة أخذهم الرعب فانضموا بأجمعهم إلى أمير الأمراء شارل مارتيل، وكان أشدهم بأسا وأدهاهم سياسة وأحسنهم رأيا وعقلا، فلم يدر عبد الرحمن بأن الوقت فات على فتح بلاد الإفرنج، وأخذ يتأهب لقتالهم وحشد العساكر من الشام، ومصر، وإفريقية، والمغرب وسار بهم من جهة المحيط لا من جهة البحر الشامي المتوسط على سابق العادة في دخول غزاة المسلمين لفرنسا ومر بهم من رونسيفو، وهو ممر ضيق في جبال البيرينة تمر منه جيوش الفاتحين في قديم الزمان وحديثه، فمنه مر هنيبال القائد القرطجني، ومنه مرت جيوش شارلمان حينما قاتل العرب، ومنه مرت جيوش نابوليون حينما فتح إسبانيا، ومنه مر فيكتور هوكو في ذهابه لإسبانيا وإيابه منها، فممر رونسيفو واقع بين مدينتي بامبلونه في إسبانيا، وبايون في فرنسا وهي التي سماها العرب «ببونة»، ويقطع المسافر منها بالقطار ستين كيلومترا إلى منتهى الحدود الفرنساوية، ثم يسير على الخيل والعجل 15 كيلومترا أخرى فيصل حلق الوادي المسمى رونسيفو، فسار عبد الرحمن في هذا الطريق وخرج لأرض غسكونيا التي سموها «غشكونية» وهي سهول واسعة كثيرة المياه والأحراج، والقسم الساحلي منها أشبه بتهامة من جزيرة العرب؛ ولذا سماها بعض الجغرافيين تهامة الإفرنج. غير أن الوديان التي تسيل في تهامة العرب تبتلعها الرمال المحرقة، وأما المياه التي تسيل في رمال تهامة الإفرنج التي تدعى «لاند» فتروي أرضها وتكثر عشبها وأشجارها.
فظل عبد الرحمن سائرا في هذه الأراضي المخصبة آمنا على عسكره ودوابه من العطش؛ حتى بلغ نهر غارون المار لطولوز وبوردو، وعرضه ربما يقرب في بعض الأماكن من عرض النيل، وطول الجسر الذي عليه في مدينة بوردو 487 مترا، فهو أطول من جسر القاهرة الذي على النيل نحو ماية متر. فلقي عبد الرحمن على ضفاف النهر الدوق أود بما جمعه في العسكر من قبائل الواسكون، وبقية أهالي أكيتانيا وانتشب القتال بين الفريقين، وكانت معركة شديدة انجلت عن انهزام الدوق وعسكره، وتحصنهم في قلعة بوردو فلحقهم عبد الرحمن وحصر المدينة، وفتحها بالسيف وأباح الغزو فيها لعسكره فكانوا يسمونها مدينة «برغشت»، وأصبح ما بين مصب نهر غارون في المحيط، وما بين مصب نهر الرون في البحر الشامي دارا للإسلام تلقن فيه الشهادة ويعلم القرآن، وهذا القسم العظيم من أوروبا قد أصبح اليوم جزيرة بسبب قناة الجنوب التي أنشأها الفرنساويون، ويسمونها أيضا قناة لانغيدوق باسم الأيالة القديمة، والبضاعة الواردة من البحر المحيط تدخل نهر غارون وتمر ببوردو، ثم تدخل هذه القناة عند طولوز على مراكب مخصوصة تسير موازية لنهر أود حتى تخرج في شمال نربون للبحر الشامي.
وهم يتحدثون اليوم في توسيع هذه القناة وجعلها صالحة لسير السفن الكبيرة لتمر منها، وهي آتية من قنال السويس وتستغني عن المرور في جبل طارق والطواف حول إسبانيا.
فانتشر خبر فتح بوردو في بلاد الإفرنج، ودخل الرعب في قلوب الناس، وفرح أكثرهم بفشل الدوق أود لمظالمه؛ لأن المظلومين من الأهالي يفرحون دائما بنكبة الجبابرة المستبدين، الذين يحكمون فيهم ولا يراعون حقوقهم، ويسومونهم أنواع العذاب لمنافعهم وأغراضهم؛ ولذا كان الكثير منهم يهرعون لعبد الرحمن ويشوقونه للدخول في بلادهم، وإجراء العدالة الإسلامية فيما بينهم، أما الدوق أود فلما رأى ذهاب ملكه هضم نفسه، واستجار برقيبه شارل مارتيل، وطلب نصرته رغم بغضه إياه؛ لأن الدوق أود، وإن لم يرق إلى رتبة ملك إلا أنه كان مستبدا في أكيتانيا كالملك يفعل فيها ما يشاء ويختار، وهو ذو أصالة، وينتسب إلى قلوفيس مؤسس سلالة ميروفينجيان صاحبة السيادة والحق الشرعي في الملك على قبائل الإفرنج وعموم فرنسا، فأصالته كانت فائقة على أصالة شارل مارتيل؛ لأن شارل لم يولد من زوجة شرعية، وإنما زنى بأمه ببين دوق أوستراسيا فولدته وكبر حتى خلف والده في مسنده، وتغلب على ملوك واستراسيا، ونوستريا، وبورغونيا من آل قلوفيس حفيد ميروفة، وكان في الظاهر أمير الأمراء وناظر السراي الملوكية، وفي الباطن صاحب الأمر والنهي في عموم فرنسا سيما بعد استيلاء العرب على مملكة أكيتانيا.
فلما استجار الدوق أود بشارل أجابه: «دعهم الآن فإنهم كالسيل الجارف لا يصطدمون بشيء إلا أبادوه، وفيهم حمية تغنيهم عن التدرع بالدروع، وفيهم شجاعة تكفيهم عن التحصن في داخل القلاع، ولا يزالون على ذلك إلى أن تمتلئ أيديهم بأموال الغنائم، فإذا تنعموا بنعيم الدنيا وذاقوا لذائذ الحياة وقع الطمع في رؤسائهم، فانقسموا وتفرقوا فحينئذ نهاجمهم ونخرجهم من ديارنا.»
Page inconnue