Histoire de Babylone et d'Assyrie
تاريخ بابل وآشور
Genres
ومما اشتهر من مدن آشور خرساباد وكانت تسمى بصاريوكين، وهي اليوم قرية دانية من كردستان وأكثر سكانها عرب وأكراد، وكانت هذه المدينة ومدن أخرى من آشور قد عفا رسمها وذهب أثرها تحت الردم والأنقاض من نحو ألفي سنة، حتى قدم الموسيو بوتا المشار إليه قبيل هذا، وهو أول من كشف هذه المدينة، وكان في جملة ما كشفه فيها قصر لسرجون ولي عهد شلمنأصر الرابع وحواليه أبنية أخرى تعزى إليه، وهي على ستة عشر كيلومترا من نينوى إلى الشمال الغربي، وفي أواسط تلك الأبنية رابية مصنوعة على نحو الرابية المؤسس عليها هيكل سليمان - عليه السلام - وفي قمة الرابية سطح مربع طول كل من جهاته 200 متر وعليه بنى القصر وحوط الرابية بسور لكل من جهاته 1900 متر طولا، وكان للقصر باب كبير يدخل إليه من الخارج، وعلى كل من جانبي الباب ثور هائل له رأس بشر وسائر الباب مزين بكثير من ضروب النقوش وعجائب الأشكال والتصاوير، وبجانب الباب من الداخل سلم طويلة يرقى منها إلى سطح القصر، وهو شاهق في الجو مشرف على جميع ما هنالك من الضواحي ليس في تلك الناحية كلها أحسن منها مطلا ولا أبعد مدى للناظر، وقد بقي من زخارف القصر في داخله وبديع نقوشه وأشكاله ما يدل على أنه كان من الجمال والإتقان بمكان لا يدانيه كثير من أبنية تلك الأعصار، وآثاره إلى الآن لا تزال أكمل وأبين من جميع ما شوهد من الأبنية الآشورية، ولم يبق في شيء منها ما بقي فيه من الأدوات والمناظر المشخصة كثيرا من شئون أهله.
وبجانب القمة التي عليها القصر قمة أخرى أدنى منها ارتفاعا وأصغر حجما، عليها بناء آخر تابع للقصر وهذا البناء ينقسم إلى قسمين، فصار جملة القصر وما يليه ثلاثة أقسام: أحدها وهو القصر المذكور بلاط الملك، وبناؤه من الآجر، وفي داخله حجرات فسيحة يبلغ طول الحجرة الواحدة مائة وست عشرة قدما، وكلها مزينة بالنقوش والصور والآنية الذهبية والفضية والعاجية والخزفية والتروس والسيوف وكثير من الأسلحة المنوعة والأدوات المصنفة والتحف الجليلة والبقايا الثمينة ، وهي ست حجرات من هذا النمط وعلى جدرانها صور من الإنسان والحيوان مختلفة الحركات والهيئات، فمن ملك وجنود وجبابرة ومعارك وحصارات وفتوحات، ومن قاتل أسدا ومساور نمرا ومجهز على عدو وذابح ذبائح وساجد للآلهة، ومن عساكر يخرجون في القتال وقتلى يقاسون النزع، وغير ذلك مما يطول شرحه ولا يسعنا بسط العبارة فيه. وكثير من هذه الصور ما برحت إلى اليوم على ألوانها الأولى، وذلك شاهد يؤيد صحة ما نقله ديودورس عن أكتزياس من بقاء الألوان فيما شاهده في بقايا بابل على ما أسلفنا ذكره، وهناك وجد عرش الملك مرصعا بالعاج وغيره من الجواهر الكريمة، والقسم الثاني وهو شطر البناء الأصغر المبني على القمة الأخرى دار الحرم وفيه ثلاث حجرات فقط، إلا أنها أكمل إتقانا من حجرات البلاط وأبهى زينة وأكثر أدوات وأمتعة، وقد وجد فيه سياح الإفرنج من الذخائر والنفائس ما يجل عن الوصف ولا يقوم بثمن، ويصل بين هذا القسم وبلاط الملك سرب تحت الأرض ينزل فيه الملك إذا أراد الإفضاء إلى دار حرمه، والقسم الثالث متصل بهذا القسم مبني على الناحية الأخرى من القمة المذكورة، وهو على شكل القسم المقدم، وفيه حجرة تقيم بها الحشم والخدم ومن حولها مساكن بعضها للعبيد وبعضها للكراع والسائمة، وبين دار الحشم والبلاط رواق طويل وهو غاية في الإتقان والزخرفة، وفيه وجد الفرنسيس النفائس التي استصحبها سرجون الملك بعد فراغه من فتوحاته وكاثر بها سائر الممالك، ووجدوا هناك أيضا كثيرا من الآنية والجفان والأدوات المختلفة، فحملوها إلى باريس ولا تزال هناك إلى هذا اليوم، وفيما يلي دار الحرم أخربة على شكل هرم من الرفات، ذكر بعضهم أنه كان مدفنا لأحد ملوك آشور قصد به محاكاة الفراعنة المصريين وتقيل أهرامهم، وذهب آخرون إلى أنه المرصد الذي ذكره سرجون غير مرة، وقد تبينوا بعد البحث أنه كان مبنيا من سبع طباق تعلو بعضها بعضا في العنان، كل واحدة منها أصغر من التي تحتها حتى ينتهى إلى السابعة وهي أصغرها، وقالوا إنه كان لكل طبقة لون يخالف ألوان البقية، وكل لون لإله من الكواكب، وكانت أول طبقة لزحل، والثانية للزهرة، والثالثة للمشتري، والرابعة لعطارد، والخامسة للمريخ، والسادسة للقمر، والسابعة للشمس، ولجميع هذه الطباق قياس واحد في الارتفاع وإن كانت تتفاوت اتساعا على ما قدمناه، وكان هذا البرج أشبه ببرج بورسيبا الذي ذكره هيرودوطس على ما أسلفناه هناك. قالوا وكان المرصد في أعلى تلك الطباق، فيكون له طبقة ثامنة، وكان الآشوريون يرقبون منه حركات الكواكب لمعرفة السعد والنحس، وغير ذلك على ما كان من اعتقاد المتقدمين.
ذكر مدن أخرى بآشور
ومن شهير أخربة آشور الموضع المعروف بنمرود، وهو كالح القديمة على ثلاثة كيلومترات من عدوة دجلة الشرقية، وبينه وبين خرساباد ما ينيف على أربعين كيلومترا، ويليه بسيط من الأرض ينتهي إلى الموصل ومسافته نحو تسعة كيلومترات، وليس في هذا الموضع اليوم إلا أنقاض قد تراكمت أمثال الجبال وبينها بقايا قد شخصت رءوسها في الجو يظنها أرباب البحث مراصد كانت لهم يرقبون منها النجم على نحو ما تقدم قريبا، وفيما أورده بعض المؤرخين أن نمرود هذه كانت دارا لطائفة من الملوك في غابر الدهر، وكانت ذات عز ومنعة وآثار ذلك فيها إلى الآن، وقد وجد بين أخربتها اسم نبوزكبيوكين وابنه مرودخ موبازا، وهما فيما قاله بعضهم من ملوك الآشوريين، وقال آخرون: إنهما من الملوك الذين مردوا على آشور وخلعوا طاعتهم، وأي كان من القولين فهما قديما العهد جدا.
وأول من احتفر في نمرود اللورد لايرد الذي تقدم ذكره، فاستبان آثار قصور جمة محكمة الصنعة مزينة بالنقوش وعجائب الأشكال وصور الملوك والآلهة، واحد منها يعزى إلى سردنابال الثالث المعروف بآشور نزربال، وكان في خلال القرن العاشر قبل الميلاد وآخر ينسب إلى آشور بانيبال بن أسرحدون الذي قام بالملك بعده وكان في منتصف القرن السابع، وهما قصران ضخمان يروعان الناظر عظمة وإتقانا، والثاني منهما أوسع بنية وأتم رونقا في نظر المتأمل، وكلاهما مشحونان بصور الناس على اختلاف حركاتهم وملابسهم ومشاهد الصيد والمعارك، وصور الآلهة والملوك وتماثيل الحيوان ما بين أسود وذئاب وأنمار وبنات آوى وأبعرة وثيران وشياه إلى غير ذلك مما يطول وصفه، وفي قصر آشور بانيبال منها وجد الإفرنج مكتبة جامعها آشور بانيبال صاحب القصر فاحتملوها إلى أوروبا، وفيها كثير من بيان تاريخ هذا الملك وأعماله على ما هو معلوم من دأب أولئك الملوك أن يدونوا حوادث عهدهم في سجل مخصوص يكون في بلاط الملك تتسلسل فيه مآثرهم وأخبارهم فتبقى على غابر الدهر، وأما القصر فلو لم يظهر من آثار نمرود غيره لكفى معجزة يقف عندها المتأخرون موقف الحائر لما هو عليه من إحكام البناء وجمال الصنعة، وما برح كل من رآه يدهش لغريب هندسته وما فيها من الدقة والتناسب البديع، وهو الشاهد على أن الآشوريين كانوا في ذلك العهد قد بلغوا قمة نجاحهم وتوسطوا باحة علومهم وصنائعهم، وفي هذا القصر غرفة يبلغ مداها 140 قدما يتبين من الأدلة أنها كانت مخصوصة لملاعب النساء والدعوات الحافلة. أما الأصنام والصور التي وجدت في نمرود فشيء كثير جدا منها كبيرة ومنها صغيرة ومعظمها متقن الصنع، ومنها أكثر التماثيل التي في أوروبا على ما شهد به الاستقراء، ومن ذلك تمثال لآشور نزربال المذكور واقفا في طول متر، وقد أخذ بإحدى يديه منجلا وبالأخرى عصا، وفي صدره كتابة تبين عن أمره وسنوردها في الكلام عليه، وتمثالان كبيران لنبو عملهما بعلوخوس الثالث وعليهما اسم سموراميت زوجته المعروفة بسميراميس، وهما الأثران الوحيدان الموسومان باسمها، وفي نمرود أيضا مسلة صغيرة نصبها شلمنأصر الثالث ابن آشور نزربال ونقش عليها صورته وصورا أخر من الناس والحيوان، وذكر فيها بعض فتوحاته على ما سيجيء ذكره، وهي مربعة الشكل مخروطة ذات قاعدة عريضة وأعلاها ينتهي إلى نقطة.
ومن مدائن آشور غوغاملة وصفها إسترابون في كتابه، فعدها من أشهر الأمصار الآشورية قال: وفيها كانت الواقعة المشهورة بين دارا والإسكندر، وكانت العاقبة للإسكندر وبها انقضت دولة الفرس الأولى، فلم تعد آخر الدهر. قال: ومعنى غوغاملة مناخ البعير سماها بذلك داريوس بن هستاسب حين قفل من بلاد التتار، وكان قد قصدها غازيا فتوغل فيها وأثخن في أهلها وافتتح الأمصار وخرب المعاقل وانتسف الحصون وعاد بالغنائم والسبي ومعه الأبعرة تحمل المتاع. فلما تطاول به السير ماتت الأبعرة في الطريق، وكان آخر هالك منها في بطائح غوغاملة، فسماها بهذا الاسم، فبقي ذكرا لغزوته تلك على الأبد. انتهى بتصرف.
ومن مدائنها موغا ملكة وإربلة، وكانت الأولى مدينة حصينة ذات سور متين وفيها الأبنية الرائعة والهياكل الشامخة، وأعظمها هيكل كان مبنيا على قارة واحدة يعدونه من عظائم البنيان، وخربت هذه المدينة في سنة 364 قبل المسيح، قصدها يوليانوس الروماني فحاصرها في جيش كثير، وكانت الحرب في أول الأمر سجالا، ثم اشتد عليه أهلها فأهلكوا من جيشه خلقا كثيرا ومالوا عليه ميلة شديدة حتى كادت العاقبة تكون عليه، وفي تضاعيف ذلك وفدت عليه الوفود من أصحابه في نجدة وعدة، فشدد الحصر على المدينة حتى نهك أهلها واستحوذ عليها عنوة وحاز منها الغنائم، وما برح عنها حتى غادرها قاعا صفصفا، وأما إربلة فكانت من المدن الكبيرة، وكان إبان شهرتها ومبلغ عمرانها في عهد الفرس الأولى وتنسب إليها الواقعة التي جرت في غوغاملة سنة 331 بين دارا والإسكندر على ما مر ذكره فيقال لها واقعة إربلة، وهذه المدينة تنقسم اليوم إلى قسمين متميزين، أحدهما إربلة القديمة وهي مبنية على رابية هناك وعليها سور قد ذهبت به الغارات والأيام ولم يبق منه لهذا العهد إلا آثار، والآخر إربلة الحديثة وهي مبنية في السهل عند سفح الرابية يسكنها قوم من الأكراد ينتهون في قول بعضهم إلى الكلدان وهم زهاء ألفي نفس، وقد ذهب عنا معرفة ما كانت عليه هذه المدينة في عهدها الأول ولم يبق في آثارها ما يسفر عن أمرها، بيد أن الناظر إلى ما بقي منها في الجملة يتبين أنها كانت من المواضع الحصينة ذات الثروة والعمران، وبها اليوم منارة ذاهبة في السماء بانيها فيما يقال واحد من خلفاء الإسلام.
وعلى بعد خمسة وعشرين ميلا من جنوبي أخربة خرساباد أخربة كالح شرعات، وهي غير كالح المقدم ذكرها المعروفة اليوم بنمرود، وهذه الأخربة على شكل أخربة نمرود وخرساباد، وبها تل من الأنقاض محيطه 4685 يردا إنكليزيا وحوله بقايا سور محكم الوضع قد بني من حصى النهر، وهناك وجد الإفرنج تمثالا لشلمنأصر الثالث أحد ملوك آشور وكثيرا من المدافن المصنوعة من الرخام، وفيها كثير من العظام بينها حلى من المعدن، وهذه المدينة هي المعروفة باسم أيلاصر، وكانت مباءة لملوك آشور دهرا وفيها بنى إسمي داجون الهيكل المشهور لأوانس، ولا يزال فيها إلى اليوم تمثال لملك من آشور قديم العهد، إلا أنه ناقص لا رأس له ولا عنق وعليه لباس ضاف من كتفيه إلى الأرض وتحته قاعدة عليها اسمه واسم آبائه.
وإلى شرقي بغداد على أربعة أميال منها وستة أميال من نهر الفرات على ميمنة الترعة السقلاوية أخربة قديمة العهد مبنية بالآجر على شكل هرم، يسميها الناس ببرج نمرود وبعضهم ببرج بابل، وهي غير البرجين المقدم ذكرهما، وكان اسمها الأول أكركوف على ما أثبته نيبوهر السائح الدنمركي، وآجرها مربع يبلغ ثخن الواحدة منه ثلاث أصابع وطولها ثلاث عشرة أصبعا في عرض مثلها، وهي مرصوصة بالسياع، وبين كل سبعة سيفان من الآجر عرق من الخيزران أو الأباء ليمسك البناء أن يتصدع على ممر الأزمان، وفي أعالي هذه الأخربة ثقوب كثيرة تمتد امتدادا أفقيا، وبعضها تذهب عموديا، ولها ما يشبه أن يكون بابا، ولكنه عال جدا لا يبلغ إليه إلا بعد عناء وجهد عنيف لصعوبة المرتقى وتضارس البناء، وطول هذا الموضع يبلغ 158 قدما إنكليزيا وعرضه 111 قدما وارتفاعه 129 قدما.
وهذا الارتفاع في رأي بعض الباحثين هو ارتفاعه الأول لم يطرأ عليه نقص بدليل التراب المتلبد في أعلى البرج حتى صار في صلابة الحجر، ومنذ قرون قريبة سول الغرور لقوم من العرب أن يهدموا هذا البرج، لظنهم أن هناك كنوزا وأن الموضع إنما كان مدفنا للملوك، فشرعوا في أسباب الهدم وقوضوا صفحين من البرج حتى انبث الآجر في جميع تلك الناحية، وكان منتهى عملهم الفشل والرجوع بالخيبة بعد أن وهت عزائمهم وأيقنوا بكذب آمالهم، فلم يكن لجهدهم من معنى سوى أنهم شوهوا هذا الأثر الجليل وتركوه ينادي بجهلهم وعجزهم، وقد عني السياح المتأخرون بالبحث والتنقيب في آثار هذا البرج غاية ما استطاعوا لعلهم يجدون فيه شيئا من الكتابة الآشورية، فلم يروا من ذلك شيئا، ولعل هذا هو السبب الذي حمل بعضهم على نسبة بنائه إلى أحد خلفاء بني العباس على ما أشرنا إليه قبيل هذا لقرب موقعه من دار ملكهم، وهناك مذاهب أخرى لهم لا يتأتى الترجيح بينها لرجوعها إلى الرجم بالغيب وعدم استنادها إلى دليل بين. فمن قائل إنه هو برج بابل المشهور وليس بشيء لأن ذاك يلي دجلة وهذا يلي الفرات، وقالت جماعة إنه كان مدفنا لأحد ملوك آشور، وفي بعض الروايات أن الآشوريين كانوا قد بنوه مرقبا لربيئتهم، وكان أعلى مما هو عليه الآن ليمكن مد البصر منه إلى مدى بعيد، وقال آخرون إنه كان مرصدا لهم يرصدون منه النجوم، وذهب جمهور أهل الجغرافية إلى أن موقعه هو موقع مدينة أكد التي مر الكلام عليها، وخالفهم قوم فقالوا هو موقع مدينة سيتاكي، وذهب غيرهم إلى غير ما ذكر، وعلم الله وراء ما نعلم وهو بكل شيء محيط.
Page inconnue