الطوفان، فكانت لغته كل فئة تنفصل عن أمها ثم تنمو وتتغير بالاستعمال فتصير أما لفروع أخرى، وهلم جرا.
وقد استدلوا على تحقق هذا التسلسل بتشابه الأسماء الخالدة في الإنسانية، وهي التي لا يمكن أن تتغير، لثبوت مدلولها على حالة واحدة في تاريخ النوع كله: كاسم الأم، فقد وجدوا أن هذه الميم أصلية في كل عرف من لغات العالم؛ وكذلك وجدوا أن الباء أصلية أيضا في لفظ الأب، ومهما يكن من الأمر فإن هذا وأمثاله مما يستأنس به ليس غير.
وعلى الاعتبار الذي أومأنا إليه، ردوا اللغات إلى ثلاثة أصول: الأصل الآري، والسامي، والطوراني؛ وهم يريدون بهذه الأصول، الأمم التي تتكلم باللغات الراجعة إليها، فيقولون إن الامم التي تنطق اللغات الآرية ترجع إلى أصل واحد في تاريخ الاجتماع، كذلك السامية والطورانية، ثم انشعب كل أصل وانشعبت معه اللغة، ولكن بقيت المشابهة في لغاتهم المتفرعة دليلًا تاريخيا على وحدة الأصل.
ويعدون من اللغات الآرية: السنسكريتية وما خرج منها: كالهندية، والفارسية، والأفغانية، والكردية، والبخارية، وغيرها، وهي اللغات الجنوبية؛ ثم اللغات الشمالية: ومنها اللاتينية؛ وكذلك الهيلينية: ومنها اليوناني القديم والحديث، والوندية، ومنها لغات روسيا، وبلغاريا، وبوهيميا؛ والتيوتونية، ومنها لغات انجلترا، وجرمانيا، وهولاندا، والدانمارك، وإسلاندا.
وسنفرد للغات السامية كلامًا؛ لأنها أصل ما نحن بسبيله من هذا التأليف؛ أما الطورانية فيعدون منها الفروع التركية التي يتكلم بها ما بين آخر حدود النمسا الشرقية وآسيا الصغرى فالتتر إلى ما وراء أواسط آسيا وشمالًا إلى حدود سيبريا، وهي لغات كثيرة.
وهذا كله وإن كان ليس من حاجتنا ولا نريد التكثر به، إلا أننا سقناه كما قالوه بيانًا لما ذهبوا إليه من الرأي في تنوع الجماعات؛ وأصل انشعاب اللغات؛ والله يقول في محكم تنزيله: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلًا﴾ .
1 / 45