اللسان فاضت على أعضاء البدن؛ وترى أثر ذلك لا يزال باقيًا في الدلالة على المعاني الطبيعية الموروثة من أول الدهر: كالتقطيب وتزوية بعض عضلات الوجه واستحالة البصر، في الغضب؛ ثم انبساط الأسارير واستقرار النظر، في الرضا والسرور؛ ونحو ذلك مما تراه لغة طبيعية في الخليقة الإنسانية.
ورأوا أيضصا أن لبعض القبائل المتوحشة من سكان أوستراليا وأواسط أمريكا الجنوبية ألفاظًا، ولكنها محض أصوات لا تدل على المعاني المقصودة منها إلا إذا صحبتها الإشارة والحركة والاضطراب، بحيث إن العين هي التي تفهمها لا الأذن؛ وهم إذا انسدل الليل وأغمدت الألحاظ في أجفانها حبسوا ألسنتهم وباتوا بحياة نائمة؛ ومن ثم قيل إن الإنسان استعمل الصوت للدلالة بعد أن استكمل علم الإشارة؛ ولذلك بقي الصوت محتاجًا إليها احتياجًا وراثيا ثم ارتقى الإنسان في استعمال الأصوات بارتقاء حاجاته، وساعده على ذلك مرونة أوتار الصوت فيه؛ وبتجدد هذه الحاجات كثرت مخارج الأصوات، واتسع الإنسان في تصريف ألفاظه، فتهيأ له من المخارج ما لم يتهيأ لسائر الحيوان؛ فإن منطق الكلب مثلًا قد لا يخرج عن العين والواو، في "عو" و"وو" وقس عليه ما يسمع من منطق الغراب والنسور وسائر أنواع "الحيوان"؛ ومن ذلك كان منشأ اللغة.
1 / 40