189

ولما رأى تغير احوال الناس، وعدم استقامتهم واستجابتهم للحق، ومحاولته الشديدة معهم لإرجاعهم دون جدوى أعلن تنازله وتخليه عن الأمر ولم تغره الرئاسة أو السيطرة أو أطماع الدنيا، بل ترك كل ذلك وبين لهم أن هدفه المنشود كسائر أهل البيت (ع) إقامة شعائر الإسلام، والعدل في الرعية، والحكم بالسوية، وماهي إلا سيرة محمد بن عبدالله (ص) أو النار، ولن يعدل عن ذلك أبدا، وجمع الناس وخطبهم خطبة قال فيها: «ثم إنكم معاشر المسلمين أقبلتم علي عند وفاة الهادي (ع)، وأردتموني على قبول بيعتكم فامتنعت مما سألتموني، ودافعت بالأمر ولم أؤيسكم في إجابتكم إلى ماطلبتم مني خوفا من استيلاء القرمطي لعنه الله على بلادكم وتعرضه للضعفاء والأيتام والأرامل منكم، فأجريت أموركم على ماكان الهادي رضي الله عنه يجريها، ولم أتلبس بشيء من عرض دنياكم، ولم أتنازل قليلا ولاكثيرا من أموالكم، فلما أخزى الله القرمطي، وكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قويا عزيزا تدبرت أمري وأمركم، ونظرت فيما اتعرضه في أخلاقكم فوجدت أموركم تجري على غير سننا وألفيتكم تميلون إلى الباطل، وتنفرون عن الحق، وتستخفون بأهل الصلاح والخير والدين والورع منكم.. الخ خطبته» (1).

ثم اعتزل الأمر، وصرف عماله، وخلا بربه وآثر عبادته، ولزم منزله وكان ذلك في ذي القعدة سنة (299 ه).

فقام بعض بني عمه في النظر في أعمال الناس، إلى أن قدم أخوه «أحمد بن الهادي (ع) من الحجاز في آخر ذي الحجة سنة (300 ه) فاجتمعت إليه قبائل خولان، وهمدان، ونجران، واستعانوا بأخيه (محمد المرتضى) في إقناعه بقبول بيعتهم، حتى تم لهم ذلك في صفر سنة (301 ه).

كان (ع) أحد تلامذة والده، متصفا بالذكاء، أحرز علما كبيرا له الكتب العديدة، مثل: كتاب النجاة في أصول الدين ثلاثة عشر جزءا، وكتاب الدامغ، وكتاب المفرد في الفقه، وكتاب مسائل الطبريين، وغيرها.

Page 190