L'éducation et l'enseignement en Islam
التربية والتعليم في الإسلام
Genres
ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، فيرى أن من واجبه الديني أن يعمل بكل قواه على الدعوة في سبيل الله، وعلى بسط رسالة السماء في العالمين؛ تلك الرسالة المقدسة التي اختار الله لها محمدا وصحابته الأبرار فصارت الدعوة هجيراه، وصار نشر الإسلام ديدنه، ووجب عليه الجهاد بالسيف والقلم واللسان، وبذل النفس والنفيس، والتضحية بالأرواح والمهج حتى تصبح كلمة الله هي العليا وكلمة الذين خالفوا دينه هي السفلى. ولم يكن لدى العربي شيء من ذلك قبل الدعوة المحمدية، وهكذا تبدلت النفس العربية الهادئة المستكنة بوحي السماء إلى نفس ثائرة متحررة تجد وتدأب، وكان طبيعيا بعد هذا كله أن يربى الجيل الجديد المسلم تربية جديدة صالحة ملائمة للدعوة الجديدة، فوضع النبي أسس تلك التربية معتمدا على ما لقومه من مواهب وما رآه فيهم من استعداد؛ فاهتم أول الأمر اهتماما كليا بالأطفال، وكان يرفق بهم ويداعبهم ويوصي بهم آباءهم وأمهاتهم ويعمل وسعه على تعليمهم وتهذيبهم؛ فإنهم فلذات الأكباد، ورياحين الآباء والأجداد، وإنهم عدة الغد وأمل المستقبل.
فكيف لا تهتم الأمة بهم؟! وكيف لا يعنون بتعليمهم وتزويدهم منذ نعومة أظفارهم بفاضل الأخلاق ونبيل المزايا وشريف العلم؟! وكيف لا يفادى الأسرى من مثقفي قريش بتعليم أطفال المسلمين القراءة والكتابة؟! وقد حفظت لنا كتب السنة النبوية طرفا جليلا من الأحاديث المتعلقة بتأديب الأطفال، وألف في ذلك جماعة من مربينا القدامى أمثال محمد بن سجفون، والقابسي، والغزالي، وابن جماعة، والعلموي، وغيرهم ممن سنعرض بعد إلى دراسة كتبهم، ثم إنه
صلى الله عليه وسلم
اهتم بالشبان والشابات فأحسن توجيههم حتى خلق منهم رجالا ونساء مؤمنين برسالته متفادين في نصرته ونشر دعوته، واثقين من نصر الله للمؤمنين الصادقين، شاعرين بثقل العبء الملقى على عاتقهم، والرسالة الخطيرة التي حملها رسول الله إلى الأمة العربية، فشمروا عن سواعد الجد والنشاط، وتطلعوا إلى الآفاق البعيدة، وانزوت لهم الدنيا من أقصاها إلى أقصاها، واعتقدوا أن لغة الضاد يجب أن تعم الأرض، وأن دين محمد يجب أن يسيطر على الخافقين؛ فعملوا بكل قواهم في سبيل تحقيق ذلك، وكان لهم في أقل من نصف قرن ما أرادوا، ولم يكد يمضي عهد الرسول الكريم حتى كانت تلك االنفوس قد تربت تربية جديدة، واعتنقت مبادئ الإسلام وأفادت منها، فخلقت ذلك الفاتح العربي الذي قال بعد أن بلغ الأطلانتك: والله لو علمت أن وراءك يابسة لخضت البحر إليها في سبيل الله.
هكذا ربى محمد قومه وصحابته، وبهذا زودهم لنشر دينه ولغته، وعلى تلك الأسس القويمة ربى أطفالهم وهذب بناتهم ... فلننتقل بعد إلى الدور الثالث الذي قام به خلفاؤه من الصحابة والتابعين، لنرى كيف نشئ ذلك الوليد المحمدي، وكيف اشتد ساعده.
الدور الثالث
هو دور انتشار الإسلام خارج الجزيرة العربية في عهد الخلفاء الراشدين والأمويين؛ فقد استولى الإسلام في عهدهم على ديار الشام والعراق وآسية الصغرى ومصر وشمالي إفريقية والأندلس غربا، كما امتد إلى إيران والأفغان والسند والتركستان حتى بلغ حدود الصين شرقا، ولم يبق من العالم المتمدن القديم إلا جزء صغير بالنسبة إلى ما استولوا عليه.
وهكذا تكونت المملكة الإسلامية فضمت أخصب بلاد العالم القديم وأرسخها قدما في الحضارة والعلم. وقد كان لسياسة الأمويين العربية الحكيمة الرشيدة تأثير كبير على طبع هذه المملكة بالطابع العربي؛ فخضعت الشعوب المفتوحة التي اعتنقت الدين الإسلامي لسلطان العرب الأدبي والخلقي، وتعشقت اللغة العربية وآدابها، إلا نفرا قليلا من الشعوبيين والملاحدة واليهود الذين يكرهون العرب على الرغم من إحسانهم إليهم وتخليصهم إياهم من ظلم الرومان وقسوة الفرس، وحمايتهم من ملوكهم وقادتهم العتاة، ولكنهم نسوا ذلك، وما إن رأوا العرب المساميح وقد تركوهم وشأنهم حتى أخذوا يكيدون لهم كل كيد، محاولين القضاء على الأمة العربية وتمزيق أوصالها، وتشتيت الملك العربي الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، ناسين فضله عليهم، ولكن القافلة العربية سارت قدما إلى الأمام فلم تحفل بهم، ولم يكد يمضي الشطر الأول من العهد الأموي بعد أيام معاوية ومروان وابنه عبد الملك حتى توطدت أركان الدولة في ميادين السياسة والحرب، وشرعت في تنظيم حقول العلم والدرس، وترتيب أسس الحضارة، ونشر ألوية العلم والعرفان والصناعة والفنون، مستفيدين من حضارات الشعوب المفتوحة، مختارين منها ما يلائم دينهم وذوقهم وعرفهم، مضيفين ذلك إلى تراثهم التربوي والتهذيبي الذي ورثوه عن آبائهم ومربيهم وسادتهم وقادتهم قبل الإسلام وبعده؛ فتكون من ذلك كله مزاج عربي مستقيم الخطوط، واضح القسمات، عليه الطابع العربي الإسلامي، والنزعة القومية العربية، وهكذا مهد عهد الراشدين والأمويين للعباسين في الدور الرابع.
الدور الرابع
جاء هذا الدور مع العصر العباسي؛ ذلك العصر الذي تغلغلت النفس العربية فيه إلى الثقافات القديمة والحضارات العتيقة القويمة التي حل العرب في ديار أهلها، فانتقوا منها ما أرادوا ومزجوا به علمهم وأدبهم وحضارتهم؛ فأنتج «الحضارة العباسية» الزاهرة. وقد لعبت دولة العباسيين والدول المتعددة التي تولدت عنها - أو عاشت في كنفها في المشرق والمغرب الإسلاميين - دورا خطيرا في تاريخ الحضارة العالمية؛ فقد وجد العباسيون، ومن اعتمدوا عليهم من كبار رجالات دولتهم، أن الدولة الإسلامية كانت قد توطدت أقدامها سياسيا وعسكريا في العصر الراشدي والأموي، فيجب أن تتوطد ثقافيا وعلميا وحضاريا في هذا العصر؛ فانصرفوا إلى ذلك وإلى تهيئة أسبابه. وها هنا لا بد لنا من إشارة إلى فكرة خاطئة يزعمها بعض المؤرخين، وهي أن الدولة العباسية دولة فارسية النجار، أعجمية المحتد، مجوسية التقاليد، عربية المظهر، وأنها كانت بعيدة عن روح التربية العربية، قصية عن التقاليد الراشدية والأموية. بل ذهب بعض العلماء كالمسعودي والجاحظ - غفر الله لهما - إلى أن دولة بني العباس كانت دولة أعجمية ... فهذا قول خاطئ؛ لأن الواقع يخالفه والحوادث التاريخية تناقضه؛ فإن الخلفاء العباسيين وإن تأثروا ببعض المظاهر الدولية الفارسية - وقد تأثر الأمويون قبلهم ببعض المظاهر الدولية الرومية بل والعباسية - فإنهم لم يجتازوا حدود القومية العربية، ولم يتخطوا أساليب التربية الإسلامية، بل كانوا جد متعصبين لها. ولقد وقف السفاح والمنصور والمهدي والهادي والرشيد والأمين وقفات مضريات أمام التيار القومي الأعجمي، حتى قضوا عليه.
Page inconnue